وقد ظهرت مؤخراً مصطلحات أخلاقية مثل «ثقافة السلام وثقافة الحرب» ليست لهاقيمة تحليلية كبيرة، وهي مصطلحات تخلق الوهم بوجود شيء أخلاقي مطلق اسمه «السلام» مقابل شيء آخر لا أخلاقي مطلق يُسمَّى «الحرب» ولا يوجد أي منهما داخل أي سياقإنساني وتاريخي أو اجتماعي. وقد تمت تعبئة مصطلح «ثقافة السلام» بكل الإيحاءاتالإيجابية الممكنة وأصبح الحديث عن "الحرب" مهما كانت أسبابها ومهما كانت الدوافعوراءهـا (مثل الحرب من أجل تحرير الأرض والذات على سبيل المثال) أمراً سلبياًوشكلاً من أشكال العنف. ونحن نطرح جنباً إلى جنب مع «ثقافة السلام والحرب» مصطلح «ثقافة العدل والظلم». ولذا يمكننا أن نتحدث عن «ثقافة السلام والعدل» مقابل «ثقافةالحرب والظلم». كما يمكن أن نتحدث عن «ثقافة السلام والظلم» وثقافة «الحرب والعدل». والهدف من كل هذا هو أن نبيِّن البُعد الأخلاقي لمثل هذه المصطلحات وأنها ليست، فيواقع الأمر، مصطلحات وصفية وإنما هي مصطلحات وعظية وتعبوية، وأن نزيد من تركيبيتهاومقدرتها على التعامل مع واقع الإنسان المُركَّب.
ونحن لا نرفض القيمالأخلاقية وضرورتها للإنسان كإنسان، بل نرى أن التفسير لابد أن يُترجم نفسه فينهاية الأمر إلى فعل إنساني فاضل، بحيث يقف الإنسان وراء ما يُتصوَّر أنه إنسانيوأخلاقي (المعروف)، ويقف ضد ما يُتصوَّر أنه غير إنساني وغير أخلاقي (المنكر). إلاأن مثل هذا الموقف الأخلاقي الإنساني، هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابدأن يسبقه إدراك كامل لطبيعة الموقف الأخلاقي وتحليل للواقع المتعيِّن بكل مكوناتهوتركيبيته حتى يمكن فهمه قبل الحكم عليه.
المفضلات