2
ـ أدَّى هذا الخضوع لإمبرياليةالمقولات الغربية، وغيره من العناصر، إلى أن أصبح العقل العربي يميل هو الآخر إلىأن ينزَع اليهود من سياقهم الحضاري والتاريخي والإنساني المختلف والمتنوعويُشيِّئهُم ويجردهم تماماً من إنسانيتهم المتعيِّنة، ومن هنا تم اختزال واقعالجماعات اليهودية المتنوع والثري وغير المتجانس إلى بُعد واحد أو اثنين أو إلىأطروحة واحدة بسيطة أو أطروحتين. ولذا، يسقط الخطاب التحليلي العربي أحياناً فيالنظر إلى الظواهر اليهودية كمعطى حسي مادي، كشيء لا تاريخ له ولا أبعاد مركبةمعروفة أو مجهولة، ومن ثم يتم إهمال التاريخ كمصدر أساسي للمعرفة الإنسـانيةوللأنماط المتكررة وللنماذج التفسـيرية التي تزودنا بمتتاليات نماذجية تفسيريةلفوضى الواقع وتفاصيله. وحينما يُستدعَى التاريخ، فإنه يُستدعَى بطريقة معلوماتيةوثائقية، فيتم قتله أولاً ويتحول من بنَى مركبة حية إلى مادة أرشيفية (أو إلى شكلمن أشكال الأنتيكة) ينقض عليها الباحث لينزع منها المعلومة الملائمة.

3
ـولكن الأهم من ذلك، حينما يُسقَط البُعد التاريخي والإنساني المركب للظواهراليهودية، أن اليهود يتحولون إلى كل متماسك ويبدأ الباحث في التعامل مع اليهود ككل،اليهود في كل زمان ومكان، اليهود على وجه العموم. ومثل هذه المقولات غير التاريخيةتؤدي إلى تأرجح شديد بين قطبين متنافرين:

أ ) النظر لليهود في كل زمانومكان باعتبارهم كياناً فريداً ليس له نظير وله قانونه الخاص.

ب) النظر لهمباعتبارهم شيئاً عاماً لا يختلف عن الوحدات الأخرى المماثلة يسري عليها ما يسري علىكل الظواهر الأخرى.

نتج عن هذا التأرجح اختلال في تحديد مستوى التعميموالتخصيص الملائم لدراسة الظاهرة. فهناك، من ناحية، الميل نحو التركيز على التفرُّدوالخصوصية اليهودية والتفاصيل المتناثرة. ومن ناحية أخرى، هناك الميل نحو التركيزعلى ما هو عام جداً وتجاهل نتوء الظاهرة وخصوصيتها ومنحناها الخاص، ومحاولة تفسيرهافي إطار القانون العـام الواحد الشـامل وكأنها سـطح أملس ليست له شخصية أو هوية. وهذا التأرجح يسم معظم النماذج التحليلية السائدة.