وبعد اختبار النموذج، يمكن إعادة صياغته حتى يمكنه استيعاب المعطيات الجديدة التي فشل في تفسيرها، أي أن النموذج التفسيري (الاجتهادي) ليس صيغة نهائية تنجح أو تفشل (ولذا فنحن ندعو إلى إعادة صياغة النماذج التفسيرية الغربية بعد سقوط المنظومة الاشتراكية وبعد أزمة الرأسمالية). ويُلاحَظ أن النموذج التفسيري (الاجتهادي) ليس نموذجاً استبعادياً، فالعناصر التي يظهر أنها أقل تفسيرية لا تُرفَض ولا تُستبعَد وإنما تفقد مركزيتها وتُنقل إلى الهامش، وهي قد تنتقل إلى المركز مرة أخرى فيما بعد، وقد توضَع في المركز داخل متتالية احتمالية يتم من خلالها رصد عناصر المستقبل الكامن في الحاضر.
والنموذج التفسيري (الاجتهادي) لا يدَّعي أن الراصد آلة فوتوغرافية تسجل موضوعياً ما حولها بدون اختيار وبدون قيم مسبقة وإنما هو يُسمِّي الأمور بأسمائها ويحدِّد للقارئ التحيزات والمكونات الذاتية الكامنة في المعرفة الموضوعية حتى يتحرز القارئ ولا يتصور أن ما يُقدِّم له هو الموضوع والواقع بل مجرد محاولة اجتهادية للوصول لهما (والله، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، أعلم). إن الذات الراصدة تعلن عن حدودها وتعلن أنها ستتوصل إلى جانب وحسب من الموضوع، لا الموضوع كله، ومن خلال اعترافها هذا فإنها تُحقق قدراً أكبر من الموضوعية.
وقد استخدمنا في هذه الموسوعة نماذج تفسيرية لا تدَّعي لنفسها الموضوعية الكاملة ولا المقدرة التفسيرية الشاملة الكاسحة، وهي ليست سوى محاولة اجتهادية لتفسير أكبر قدر من جوانب الظواهر اليهودية والصهيونية موضع الدراسة حسب ما هو متوافر من المعطيات والمعلومات حتى هذه اللحظة. وقد طرحنا ثلاثة نماذج تفسيرية مختلفة ومتداخلة: الحلولية الكمونية ـ العلمانية ـ الجماعة الوظيفية ونموذج التركيب الجيولوجي التراكمي. فإن تناولنا قضية مثل قضية الرأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية الذين تسميهم الأدبيات الشائعة «رأسماليون يهود»، فنحن لا نرفض ما هو متوافر من معلومات وإنما نقبله (إن لم يكن مُختَلقاً) ثم نوسع سياق الظاهرة لتسمح بإضافة معلومات أخرى استبعدتها هذه الأدبيات وبذلك يمكننا اختبار نموذجنا التفسيري والبرهنة على مقدرته التفسيرية التي تفوق المقدرة التفسيرية للنماذج السائدة التي نراها أكثر ضيقاً واختزالاً، أي أقل تفسيرية.
المفضلات