ثم يتسع نطاق القداسة ليشمل الكونبأسره فيحل الإله في الكون (الطبيعة، الإنسان) ويكمن فيه، أي في كل الظواهرالطبيعية والإنسانية وبنفس الدرجة، أي أن كل المخلوقات (الإنسانية والطبيعية) تصبحممتلئة بالقداسة وبنفس الدرجة ويتجسد المركز من خلالها وبنفس الدرجة. ولذا، يصبح كلشيء مقدَّساً ويتساوى في الدرجة مع الأشياء الأخرى (بمعنى التسوية لا المساواة). وبذا، تصبح كل الأمور متساوية أفقية لا تراتب فيها ولا هرمية، يتساوى المطلقوالنسبي، والمقدَّس والمدنَّس، والروحي والمادي، والمركزي والهامشي، والإنسانيوالطبيعي، أي أن كل الأمور تصبح نسبية مباحة لا قداسة لها، وهذه هي حالة السيولةالشاملة وحالة ما بعد الحداثة والحلولية بدون إله.
ونحن نرى أن البحث عنالمقدَّس شيء أساسي بالنسبة للإنسان، إذ يبدو أن الإنسان لا يمكنه أن يواجه عالماًمن الصيرورة الكاملة، والحياد الكامل، لا مركز له ولا معنى ولا أسرار فيه، ولذا فهودائم البحث عن مركز ومعنى، يحاول دائماً أن يستعيد القداسة لعالمه. وهذا يعود إلىأن الإنسان ليس مجرد إنسان طبيعي، مجموعة من العناصر البيولوجية، وإنما يوجد داخلهما يميِّزه عن الطبيعة/المادة. والعلمانية في تصوُّرنا هي محاولة نزع القداسة عنالعالم. وما بعد الحداثة تحاول أن تلغي كل الثنائيات ومنها ثنائية المقدَّسوالمدنَّس، حتى يصبح العالم عالماً من الصيرورة الكاملة لا هو مقدَّس ولا مدنَّس،ولا هو ثابت ولا متغير، ولا هو أزلي ولا زمني.
يتبع مع
البابالثانى: الحلولية الكمونية الواحـدية والعلمانية الشاملة
المفضلات