ويذهب الدكتور حسن حنفي إلى أن هذا الوضع قد خلق تصوراً خاطئاً بأن ثمة تعارضاً بين العلمانية والإسلام! وهنا سنكتشف أن الدكتور حنفي بدأ يترك نطاق الحضارة الغربية والعلمانية الغربية، كما بدأت العلمانية عنده تتحول إلى ظاهرة عالمية، بل حتمية، ولذا نجده يتحدث عن ذلك الجوهر العلماني للإسلام. ولا تختلف هـذه العلـمانية الإسلامية الجديدة كثيراً عن العلمانية الغربية إلا في أنها نابعة من الداخل وليست من الخارج. والإسلام ـ حسب تصور الدكتور حسن حنفي ـ دين علماني (بالمعنى العالمي لا الغربي)، للأسباب التالية:
أ ) النموذج الإسلامي "قائم على العلمانية" بمعنى "غياب الكهنوت".
ب) "الأحكام الشرعية الخمسة [الواجب ـ المندوب ـ المحرَّم ـ المكروه ـ المباح] تُعبِّر عن مستويات الفعل الإنساني الطبيعي... وتصف أفعال الإنسان الطبيعية، كما يبغي العلمانيون، خارج دائرة الحلال والحرام الصوريين المفروضين من الخارج". ثمة تَطابُّق مذهل هنا بين الداخل والخارج، بين الشريعة والطبيعة، بين الإسلامي والعلماني، بين ما هو كامن في الإنسـان وما هـو متجاوز له، يُذكِّر المرء بمحاولة الفلسفة المثالية الألمانية بأن تحل كل مشـاكلها بافتراض تَماثُل بين قوانين العقـل وقوانين التـاريخ وقوانين الطبيعة (وعلى كلٍ يرى الدكتور حسـن حنفي أن ثمة تَماثُلاً بين المقدَّس والزمني).
جـ) الفـكر الإنـساني العـلماني الذي حوَّل بؤرة الوجـود من الإله إلى الإنسان "وُجد بشكل متخفٍّ في تراثنا القـديم، مغـترباً في الله في علم أصول الدين، وعـقلاً خالصـاً في عـلوم الحكمة، وتجربة ذوقية في علوم التصوف، وكسلوك عملي في علم أصول الفقه". ولنلاحظ هنا الحلول والكمون الكامل في الإنسان الذي يغترب عن جوهره في الإله المتجاوز، وكل هذا يشي بأن الدكتور حسن حنفي يقف ضد كل ما هو متجاوز للإنسان، ويحوِّل الإنسان إلى مطلق، كما فعل الأسـتاذ العـالم والدكتـور فؤاد زكريا وغيرهما من العلمـانيين العرب، أي تأكيد المرجعية الإنسانية المطلقة المتجاوزة للمادة (وأثر فيورباخ على أطروحات الدكتور حسن حنفي أمر واضح). (ولكن شبح الطبيعة/المادة رابض دائماً في كل الفلسفات ذات التوجه الهيجلي، فالإنسان في كتابات الدكتور حسن حنفي هو الإنسان الطبيعي/المادي الذي لا مرجعية له سوى المرجعية المادية، ولا عقل له سوى هذا العقل الدنيوي المادي(.
المفضلات