آلية التنفيذ ومجالها:

مؤسسات الدولة المطلقة في الداخل الأوربي وجيوش الدولة المطلقة في الخارج العالمي

فثمة اتفاق في الرؤية وفي الأهداف النهائية، واختلاف في آليات التنفيذ ومجاله، أي أن الظاهرتين هما ظاهرة واحدة على المستوى المعرفي:

1 ـ على مستوى العلمنة في الداخل (من خلال الدولة القومية المطلقة): قامت الحكومات العلمانية المطلقة في الغرب بترشيد البنية المادية والاجتماعية للمجتمعات الغربية من أجل تعظيم توظيف الموارد البشرية والمادية. فتم ترشيد البنية الطبيعية (المادية) والعنصر الإنساني، وهي عملية تتضمن ترشيد السوق الداخلي واستخدام الموارد الطبيعية التي تقع داخل حدودها، كما تتضمن تحويل الإنسان إلى طاقة مادية تُوظَّف وإزالة كل الجيوب الوسيطة (الترشيد من الخارج). وقد اسـتبطن الإنسـان الغـربي هذه الرؤية (الترشــيد من الداخل) فارتفعت كفاءته في الأداء، أي أن الداخل الغربي تم غزوه وحوسلته تماماً.

2 ـ على مستوى العلمنة في الخارج (من خلال الإمبريالية العالمية): بعد ترشيد الإنسان الغربي من الداخل والخارج، ومع تَزايُد الترشيد في عمليات النهب والقرصنة في الخارج وتَزايُد التراكم الإمبريالي واتساع نطاق السوق حتى تَجاوَز حدود الدولة القومية المطلقة، بدأت مرحلة إمبريالية الخارج، فقامت الحكومات القومية العلمانية (المطلقة) بتكثيف طاقتها المادية والبشرية وتسخيرها في تجييش الجيوش، ثم قامت بإرسالها إلى كل أرجاء العالم لإخضاعه والهيمنة عليه وترشيده (من الخارج) وتوظيف موارده البشرية والمادية لصالح الحكومات والشعوب الغربية (وفيما بعد، لصالح قطاعات من النخب السياسية والثقافية في العالم الثالث، باعتبار أنها شريكة للإمبريالية والعلمانية)، وذلك حتى تمت لها السيطرة على العالم بأسره وإحكام قبضتها عليه. وقد تصاعدت معدلات الهيمنة على أسواق العالم وشعوبه وأُخضع العالم بأسره لقوانين الواحدية المادية، أي تم ترشيده في إطار المرجعية المادية الواحدية حتى يتم تنميط المؤسسات والبشر ويُستوعَب الجميع في سوق عالمية وشبكة اتصالات ضخمة. وقد بدأت بالفعل قطاعات كبيرة من الناس في العالم بأسره (وخصوصاً بعض أعضاء النخب السياسية والاقتصادية والثقافية) يستبطنون الرؤية العلمانية الإمبريالية (الترشيد من الداخل) وتزايد استبطانهم لها على مر الأيام. وكما حاولت الدولة القومية القضاء على الجيوب الإثنية والدينية في الداخل، وعلى كل المطلقات الإنسانية والأخلاقية (غير المادية) وعلى كل الخصوصيات، تحاول الإمبريالية القيام بهذا الدور على مستوى العالم.