ولتلافي هذا الوضع، قام بعض تجار المخدرات من أصحاب الغرز بتدريب القرود على وظيفة الغرزجية بدلاً من البشر، وقد توصلوا بهذا إلى أداة كاملة ليست لها أية تطلعات إنسانية أو نقائص بشرية، فالقرود (عادةً) لا تتعاطى الحشيش ولا تدمنه، كما أنها ليست في حاجة إلى الطاجن الخاص ولا تتقاضى أجوراً، ومن ثم فإن تكاليفها بسيطة. وإلى جانب كل هذا، نجد أن القردة تلزم نفس المكان/الجيتو بطبيعتها ولا تُوجَد عندها رغبة في مغادرته لإنفاق مدخراتها وتبديد ذاتها. بل تم تدريبها على القيام بأعمال الري في زراعة المخدرات، بينما يتفرغ العنصر البشري لأعمال الحراسة التي قد تتطلب قدراً أعلى من الذكاء. واستخدام القرود كجماعة وظيفية يبيِّن مدى ذكاء تجار المخدرات وإدراكهم الغريزي لقانون الجماعة الوظيفية إذ أن القرد كائن ذو بُعد واحد، يمكن توظيفه من أجل المنفعة الاقتصادية (وهو يتجاوز تماماً مبدأ اللذة الذي يسبب التوترات في المجتمعات العلمانية ويضعف تماسكها). والقرد إنسان وظيفي طبيعي ومادة محايدة تماماً ولا تؤرقه تطلعات أو محاولة لتجاوز ذاته المادية أو الطبيعة/المادة، فهو يعيش في المادة وبها وعليها، ومن ثم فهو تحقيق كامل لنبوءة داروين وتحقيق لنبوءة فيبر عن دخول القفص الحديدي (وهو يكاد يكون حرفياً في هذه الحالة، وإن كان مثل هذا النوع من القردة لا يكون في حاجة إلى القفص الحديدي إذ تم استئناسهم وترشيدهم تماماً في ضوء الطبيعة/المادة من الداخل والخارج). وإن قبلنا اعتبار القرود جماعة وظيفية (مرتبطة ولا شك بصناعات اللذة الحديثة)، فيمكننا أن نضمها لمتصلنا. وبدلاً من العبد والمجاهد كطرفين، يمكن لنا أن نضع القرد والمجاهد أي الحوسلة الكاملة متمثلة في الحيوان الذي هو ضرب من ضروب الإنسان الطبيعي الوظيفي المادي الاقتصادي الآلي مقابل الإرادة الكاملة والإنسان الرباني متمثلةً في المجاهد.
وقد يكون من المفيد ملاحظة أن جماعة وظيفية ما قد تضطلع في وقت واحد بوظيفة مالية واستيطانية، أو مالية وقتالية، أو مالية واستيطانية وقتالية، كما يمكن أن تتحول وظيفتها من مالية إلى قتالية. ولنضرب مثلاً على ذلك بالجماعات اليهودية في الغرب، فقد كانوا جماعة وظيفية استيطانية قتالية في المجر في القرن العاشر، ولكنهم فقدوا دورهم القتالي وأصبحوا جماعة وظيفية مالية، ولكن العثمانيين بعد فتحهم المجر حوَّلوهم إلى جماعة وظيفية استيطانية تدين لهم بالولاء. أما في بولندا، فقد توطن اليهود كجماعة وظيفية مالية. وبعد ضم أوكرانيا، تحولوا إلى جماعة استيطانية مالية شبه قتالية يساعدها الجيش البولندي. وقد اضطلع أعضاء الجماعة اليونانية في مصر بدور الجماعة الوظيفية المشينة (بغايا ومغنيات) أو مالية (مستثمرون صناعيون وبقالون). ولكنهم، في فلسطين، اضطلعوا بوظيفة شبه أمنية إذ يبدو أن حكومة الانتداب البريطاني هناك قررت تجنيدهم داخل الجهاز الحكومي كموظفين حتى يمكنها أن تبقيهم بمعزل عن الفريقين المتصارعين (العرب والمستوطنين الصهاينة) وحتى يمكنها التحكم فيهم وضمان أدائهم لوظيفتهم بطريقة كفء. ويبدو أن الفرنسيين حولوا بعض أعضاء الجماعات الوظيفية المالية اليهودية إلى جماعة وظيفية قتالية بضمهم إلى الفرقة الأجنبية. وبإنشاء الدولة الصهيونية، حوَّلت الحضارة الغربية الملايين من اليهود إلى مادة بشرية وظيفية قتالية استيطانية.
والساموراي، وهم جماعة وظيفية قتالية، تحوَّلوا إلى رأسماليين قامت على سواعدهم الرأسمالية اليابانية ذات الطابع الخاص شبه الإقطاعي. ويمكن أن تتعاون جماعة وظيفية قتالية مع جماعة وظيفية مالية كما حدث في مصر حينما تعاون المماليك مع التجار الأجانب من الإيطاليين والمالطيين وغيرهم. ومن المعروف أن بعض المموِّلين اليهود في الدولة العثمانية كانوا يتعاونون مع الإنكشارية بل مولوا تمردهم ضد السلطان العثماني.
المفضلات