1 سورة الحشر، الآية: 10.
ص -56- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغنثني أو ارزقني أو أنا في حسبك... ونحو هذه الأقوال؛ فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب، وإلا؛ قتل؛ فإن الله - سبحانه تعالى - إنما أرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له، ولا يدعى معه إله آخر، والذين يدعون مع الله إلها آخر مثل المسيح والملائكة والأصنام لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو يعبدون صورهم ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى}1، ويقولون: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله}2، فبعث الله - سبحانه - رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه؛ لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة..." انتهى كلام الشيخ - رحمه الله -.
وبه يتضح كشف شبهة هؤلاء القبوريين، الذين يسوغون فعلهم هذا بأنهم لا يعتقدون في الأولياء مشاركة الله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، وإنما يعتقدون فيهم أنهم وسائط بينهم وبين الله في قضاء حاجاتهم وتفريج كربتهم، وهي نفس الشبهة التي قالها مشركو الجاهلية كما ذكرها الله في كتابه وأبطلها.
والواقع أن الشرك هؤلاء المتأخرين زاد على شرك الجاهلية؛ فصاروا يهتفون بأسماء هؤلاء الأموات في كل مناسبة، ولا يذكرون اسم الله إلا قليلاً، وإنما يجري على ألسنتهم اسم الولي دائما، والأولون كاونوا يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، وهؤلاء شركهم دائم في الرخاء والشدة؛ كما قال الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني - رحمه الله -:
وكم هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد فيا علماء المسلمين! أنتم المسؤولون عن هذه القطعان الضائعة والتائهة
1 سورة الزمر، الآية: 3.
2 سورة يونس، الآية: 18.
ص -57- في الضلال:
لماذا لا تبينون لهم طريق الحق، وتنهونهم عن هذا الشرك العظيم، وأنتم تسكنون معهم وتخالطونهم؟!
لماذا ضيعتم ما أوجب الله عليكم من الدعوة والبيان بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}1؟!
أليس العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء جاؤوا بإنكار هذا الشرك وجهاد أهله حتى يكون الدين كله لله؟!
فاتقوا الله الذي حملكم هذه المسؤولية وسيسألكم عنها؛ فقد ورد في الحديث الصحيح أن العالم الذي لا يعمل بعلمه من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة.
إن كنتم ترون هذا شركا وتركتم الناس عليه؛ فالأمر خطير، وإن كنتم لا ترونه شركا؛ فالأمر أشد خطرًا؛ لأنكم جهلتم ما هو من أوضح الواضحات.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، واهد ضلالهم؛ إنك على كل شيء قدير.
10- التصوير وسيلة إلى الشرك.
والتصوير معناه: نقل شكل وهيئته بواسطة الرسم أو الالتقاط بالآلة أو النحت، وإثبات هذا الشكل على لوحة أو ورقة أو تمثال.
وكان العلماء يتعرضون للتصوير في مواضيع العقيدة؛ لأن التصوير وسيلة من وسائل الشرك وادعاء المشاركة لله بالخلق أو المحاولة لذلك. وأول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير، حينما أقدم قوم نوح على تصوير الصالحين ونصب صورهم
المفضلات