--------------------------------
سورة الأنعام، الآية: 121.
2 سورة النساء، الآيتات: 60 ـ 65.
3 سورة البقرة، الآية: 256.
4 سورة النساء، الآية: 60.
5 سورة النساء، الآية: 61.

ص -89- الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}1، فالتحاكم إلى غير الله من أعمال المنافقين، وهو من أعظم الفساد في الأرض.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - على هذه الآية: "قال أكثر المفسرين: ولا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى طاعة غير الله بعد إصلاح الله لها ببعثة الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره بالشرك ومخالفة أمره؛ فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره وطاع متبع غير الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والإتباع للرسول ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته؛ فلا سمع ولا طاعة، ومن تدبر أحوال العالم؛ وجد كل صلاح في الأرض؛ فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك؛ فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله".
وقد سمى الله كل حكم يخالف حكمه بأنه حكم الجاهلية؛     :{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}2.
قال ابن كثير - رحمه الله -: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله تعالى، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات، وكما تحكم به التتار من السياسات المأخوذة عن جنكيز خان، الذي وضع لهم "الياسق"، وهو عبارة عن


--------------------------------
1 سورة البقرة، الآيتان: 11 ـ 12.
2 سورة المائدة، الآية: 50.
ص -90- كتاب أحكام اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا، يقدمونها على الحكم بالكتاب والسنة، فمن فعل ذلك؛ فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله؛ فلا يحكم بسواه في قليل أو كثير..." انتهى كلامه - رحمه الله -.
ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلاً من الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر الأحكام وألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية؛ إلا فيما يسمونه بالأحوال الشخصية.
والدليل على كفر من فعل ذلك آيات كثيرة: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}1، وقوله:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}2، وقوله تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}3.
وكما قلنا قريبا: إنه يجب تحكيم الشريعة عقيدة ودينا يدان الله به، لا من أجل طلب العدالة فقط.
هذا؛ ولا بد للعبد من قبول حكم الله، سواء كان له أم عليه، وسواء وافق هواه أم لا؛     :{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}4، و    :{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}5، و    : {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ