صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 88
 

العرض المتطور

  1. #1
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي




    1 سورة المائدة، الآية 89.

    ص -149- ومعنى: "جعل الله بضاعته"؛ أي: جعل الحلف بالله بضاعته؛ ففيه شدة الوعيد على كثرة الحلف؛ لأن ذلك يدل على الاستخفاف بحق الله تعالى وعدم احترام أسمائه.
    ومن إجلال الله وتعظيمه أنه لا يستشفع به على خلقه؛ لما في ذلك من تنقصه - سبحانه؛لأنالمستشفَع به يكون أقل درجة من المشفوع عنده.
    قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "إنما يشفَعُ عند من هو أعلى منه، تعالى الله عن ذلك".
    وقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكى إليه القحط وهلاك الأموال، وطلب منه أن يستسقي لهم، وقال: "فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله".
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "سبحان الله! أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، وأنه لا يستشفع بالله على أحد من خلفه"، رواه أبو داوه؛ فشأن الله عظيم، وهو ذلك يشفع عنده بإذنه - سبحانه -.
    منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته:
    منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية في أسماء الله وصفاته إثباتها؛ كما جاءت في الكتاب والسنة، مع اعتقاد ما دلت عليه، وأنها على ظاهرها، ولا يلزم من إثباتها تشبيه الله بخلقه، تعالى الله عن ذلك؛ لأن صفات الخالق تخصه وتليق به، وصفات المخلوقين تليق بهم وتخصهم، ولا تشابه بين الصفتين، كما أنه لا تشابه بين ذات الخالق - سبحانه - وذات المخلوق.
    ومذهب أهل السنة والجماعة في ذلك ينبني على أسس سليمة وقواعد مستقيمة، وهذه الأسس هي:

    ص -150- أولاً: أن أسماء الله وصفاته توقيفية؛ بمعنى أنهم لا يثبتون لله إلا ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله في سنته من الأسماء والصفات، ولا يثبتون شيئا بمقتضى عقولهم وتفكيرهم، ولا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسول في سنته، لا ينفون عنه بموجب عقولهم وأفكارهم؛ فهم لا يتجاوزون الكتاب والسنة، وما لم يصرح الكتاب والسنة بنفيه ولا إثباته؛ كالعرض والجسم والجوهر؛ فهم يتوقفون فيه؛ بناء على هذا الأصل العظيم.
    ثانيا: أن ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو حق على ظاهره، ليس فيه أحاج ولا ألغاز، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه؛ فأهل السنة يثبتون ألفاظ الصفات ومعانيها؛ فليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسول صلى الله عليه وسلممن المتشابه الذي يفوَّض معناه؛ لأن اعتبار نصوص الصفات مما لا يفهم معناه يجعلها من الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، والله تعالى قد أمرنا بتدبر القرآن كله، وحضنا على تعقله وتفهمه، وإذا كانت نصوص الصفات مما لا يفهم معناه؛ فيكون الله قد أمرنا بتدبر وتفهم ما لا يمكن تدبره وتفهمه، وأمرنا باعتقاد ما لم يوضحه لنا، تعالى الله عن ذلك.
    إذاً؛ فمعاني صفات الله تعالى: معلومة يجب اعتقادها، وأما كيفيتها؛ فهي مجهولة لنا، لا يعلمها إلا الله - تعالى، ولهذا يقول الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - لما سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}1؛ كيف استوى؟ قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
    وما قال الإمام مالك في الاستواء هو قاعدة في جميع الصفات، وهو قول أهل السنة والجماعة قاطبة، فمن نسب إلى السلف أنهم يفوضون معاني الأسماء والصفات، ويجعلون نصوصها من المتشابه الذي استأثر الله بعلم

    --------------------------------

    1 سورة طه، الآية 5.
    ص -151- معناه؛ فقد كذب عليهم؛ لأن كلامهم يخالف ما يقوله هذا المفتري.
    ثالثا: السلف يثبتون الصفات إثباتا بلا تمثيل؛ فلا يمثلونها بصفات المخلوقين؛ لأن الله ليس كمثله شيء، ولا كفء له، ولا ند له، ولا سمي له، ولأن تمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء لمعرفة كيفيتها، وكيفيتها مجهولة لنا مثل كيفية الذات؛ لأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، والله تعالى لا يعلم كيفية ذاته إلا هو.
    والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات؛ فكذلك له صفات لا تشبه الصفات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}1؛ أي: لا يشبهه أحد لا في ذاته ولا صفاته ولا في أفعاله؛ فيجب الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا أحد أعلم من الله بالله، {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}2؛ فهو أعلم بنفسه وبغيره.
    كما يجب الإيمان بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى}3؛ فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وينزه ربه جل وعلا من أن تشبه صفته صفة الخلق.
    فمن قدم بين يدي الله ورسوله وتجرأ على الله، فنفى عنه ما أثبته لنفسه من الصفات العظيمة وما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا الذي وصفت به نفسك ووصفك به رسولك لا يليق بك وفيه من النقص كذا وكذا؛ فأنا أؤوله وألغيه وآتي ببدله من تلقاء نفسي؛ كما قال بعضهم:
    وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
    فلا أرجع إلى كتابك ولا إلى سنة نبيك في ذلك؛ لأن ما فيهما يوهم التشبيه، وإنما أرجع إلى قواعد المتكلمين وأقاويل الجهمية والمعتزلة والأشاعرة
    --------------------------------

    1 سورة الشورى، الآية 11.
    2 سورة البقرة، الآية 140.
    3 سورة النجم، الآية 3.

    ص -152- والماتريدية!! فهل يكون يا عباد الله هذا مؤمنا بالله وبكتابه وسنة رسوله؟! وهل يكون هذا معظما لربه؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
    رابعا: وكما أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله على وجه يليق بجلاله ولا يشبهونه بخلقه؛ فهم ينزهونه عن النقائض والعيوب تنزيها لا يفضي بهم إلى التعطيل بتأويل معانيها أو تحريف ألفاظها عن مدلولها بحجة التنزيه؛ فمذهبهم في ذلك وسط بين طرفي التشبيه والتعطيل، تجنبوا التعطيل في مقام التنزيه وتجنبوا التشبيه في مقام الإثبات.
    خامسا: وطريقة أهل السنة والجماعة فيما يثبتون لله من الصفات وما ينفون عنه من النقص هي طريقة الكتاب والسنة، وهي الإجمال في النفي والتفصيل في الإثبات؛ كما في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}1؛ فأجمل في النفي وهو قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وفصل في الإثبات وهو قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
    وكل نفي في صفات الله؛ فإنه يتضمن إثبات الكمال، وليس هو نفيا محضا، لأن النفي المحض ليس فيه مدح لأنه عدم محض والعدم ليس بشيء.
    ومن أمثلة النفي المتضمن لإثبات الكمال؛ قوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}2؛ أي: لكمال عدله - سبحانه -.
    وقوله: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا}3؛ أي: لكمال قدرته وقوته.
    وقوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}4؛ أي: لكمال حياته وقيوميته.
    وهكذا كل نفي عن الله؛ فإنه يتضمن إثبات ضد المنفي من الكمال والجلال.
    هذا ونسأل الله البصيرة في دينه والعمل بطاعته ومعرفة الحق والعمل به.
    --------------------------------
    1 سورة الشورى، الآية 11.
    2 سورة الكهف، الآية 49.
    3 سورة البقرة، الآية 255.
    4 سورة البقرة، الآية 255.

    ص -153- منهج الجهمية وتلاميذهم في أسماء الله وصفاته:
    يجب على المسلم إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته على وفق ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأن هذا يدخل في باب الإيمان بالله - عز وجل، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، متخذين كتاب الله وسنة رسوله الدليل والمرجع في ذلك، عكس ما عليه الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة الذين ينفون ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، أو ينفون بعضا منها ويثبتون البعض الآخر تحكما منهم، ويجعلون مرجعهم في ذلك ما قررته عقولهم القاصرة أو قرره لهم أئمة الضلال، وفرق بين من جعل دليله الكتاب والسنة ومن جعل دليله نحاتة الأفكار وزبالة الأذهان، كما يقوله واحد منهم:
    وكُل نص أوهم التشبيها أَوَّله أو فوَّض وَرُم تَنزِيها
    هذا تعاملهم مع نصوص الكتاب والسنة في باب أسماء الله وصفاته، التأويل هو صرف هذه النصوص عما دلت عليه من المعاني الجليلة إلى ما تقرره عقولهم من الأفكار العقيمة والآراء الباطلة، وما عجزت عنه عقولهم؛ فوضوه واعتقدوا خلاف ما يدل عليه، سبحانك ربي! ما أعظم شأنك! وما أحلمك على عبادك. إنهم نفوا عنك ما أثبته لنفسك من صفات الكمال ونعوت الجلال وخالفوا كتابك، وقدموا ما أملته عليهم عقولهم على ما أنزلته في كتابك، نفوا عنك أسماءك وصفاتك، ونفوا عن كتابك حجيته وهدايته.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في هؤلاء: "ومن يظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل، وترك الحق لم يخبر به، وإنما رمز إليه رموزًا بعيدة وأشار إليه إشارات ملغزة ولم يصرح به وصرح دائما بالتشبيه والتمثيل الباطل، وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف
    ص -154- كلامه عن مواضعه وتأويله على غير تأويله، ويتطلبوا له وجوه الاحتمالات المستكرهة والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابة، بل أراد منهم أن يحملوا كلامه على ما يعرفونه من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل؛ فلم يفعل، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان؛ فقد ظن به ظن السوء، فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبَّر به هو وسلفه؛ فقد ظن بقدرته العجز. وإن قال: إنه قادر ولم يبين وعدل عن البيان وعن التصريح بالحق إلى ما يوهم، بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد؛ فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء. ومن ظن أنه هو وسلفه عبروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله، وأن الهدى والحق في كلامهم وعباراتهم، وأما كلام الله؛ فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهر كلام المتهوكين والحيارى هو الحق والهدى؛ فهذا من أسوأ الظن بالله..." إلى أن قال: "ومن ظن أنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا إرادة ولا كلام يقول به، وأنه لم يكلم أحدًا من الخلق، ولا يتكلم أبداً، ولا قال ولا يقول، ولا له أمر ولا نهي يقوم به؛ فقد ظن به ظن السوء. ومن ظن به أنه ليس له فوق سماواته على عرشه بائنا من خلقه، وأن نسبة ذاته إلى عرشه كنسبتها إلى أسفل السافلين؛ فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه..." انتهى كلامه - رحمه الله -.
    وهو يعني به أولئك الذين يفوا ما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، ومعلوم أن من نفى عن الله صفات الكمال؛ فقد أثبت له أضدادها من صفات النقص، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيرا.
    ثم يلزم من هذا أن يكون هؤلاء الضلال أعلم بالله وما يستحقه من الله؛ لأهم نفوا عنه ما أثبته لنفسه، وزعموا أنه لا يليق به! وأي ضلال أعظم من
    ص -155- هذا؟ وأي جرأة على الله أعظم من هذه الجرأة !
    ويلزم من ذلك - أيضا - أن يكونوا أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلمأثبت لله هذه الصفات، وهم نفوها وقالوا: إنها لا تليق بالله! وأي ضلال أعظم من هذا الضلال لو كانوا يعقلون؟! كيف يكون هؤلاء الجهال الضلال أعلم بالله من نفسه، تعالى الله عما يقولون، والله تعالى يقول: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}1، ولا أحد من الخلق أعلم بالله وما يستحقه وما يليق به من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
    إن الذي حمل الجهمية وأتباعهم على نفي صفاتالله - عز وجل - هو جهلهم بالله وسوء أفهامهم، حيث ظنوا أنه يلزم من إثبات هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله؛ يلزم منها التشبيه؛ لأنهم يرون هذه الصفات في المخلوقين، ولا يفرقون بين صفات الخالق وصفات المخلوق، ولم يفهموا من صفات الخالق إلا ما فهموا من صفات المخلوقين، ولم يعلموا أن صفات الخالق سبحانه تخصه به وصفات المخلوقين تخصهم وتليق بهم، ولا تشابه بين صفات الخالق وصفات المخلوق، كما أنه لا تشابه بين ذات الخالق وذوات المخلوقين؛ كما قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}2؛ فأثبت لنفسه السمع والبصر، ونفى عنه مشابهة الأشياء، فدل ذلك على إثبات الصفات لا يلزم منه المشابهة بين الخالق والمخلوق.
    وهذا هو الأصل الذي سار عليه أهل السنة والجماعة في إثبات أسماء الله وصفاته؛ أثبتوا له ما أثبته لنفسه بلا تمثيل ونزهوه عما نزه نفسه عنه بلا تعطيل.
    أما الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة؛ فإنهم بنوا مذهبهم على أصل باطل أصلوه من عند أنفسهم، وهو أن إثبات هذه الصفات يقتضي
    --------------------------------

    1 سورة طه، الآية 110.
    2 سورة الشورى، الآية 11.

    ص -156- التشبيه، فيلزم حيال النصوص الواردة بذلك أحد أمرين عندهم: إما تأويلها عن ظاهرها، وإما تفويضها مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، ولهذا يقول ناظم عقيدتهم:
    وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
    سبحانك ربي عما يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كييرًا.
    وقد أجرى الله الحق على لسان هذا الناظم؛ حيث قال "وكل نص أوهم التشبيها" فبين أن مذهبهم مبني على الوهم لا على الحق؛ لأنهم توهموا أن هذه النصوص تقتضي التشبيه؛ فراحوا يؤولونها.
    وهل الوهم يا عباد الله تعارض به النصوص وتبنى عليه عقيدة؟!
    إن الوهم أقل درجة من الظن، والله تعالى: يقول في الظن {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}1
    الرد على المنحرفين عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته من المشبهة والمعطلة:
    المنحرفون عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته طائفتان: المشبهة والمعطلة.
    1 - المشبهة:
    وهؤلاء شبهوا الله بخلقه، وجعلوا صفاته من جنس صفات المخلوقين، ولذلك سموا ب (المشبهة)، وأول من قال هذه المقالة هو هشام بن الحكم الرافضي وبيان بن سمعان التميمي الذي تنسب إليه البيانية من غالية الشيعة؛ فالمشبهة غلوا في إثبات الصفات، حتى أدخلوا في ذلك ما نفاه الله ورسوله. ما لا يليق به سبحانه من صفات النقص، تعالى الله عما يقولون علوّا كبيراً،
    --------------------------------

    1 سورة النجم، الآية 28.

    ص -157- ومن هؤلاء هشام بن سالم الجواليقي، وداود الجواربي.
    وقد نفى الله في كتابه مشابهته لخلقه، ونهى عن ضرب الأمثال له؛ ف    : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}1،
    {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}2، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}3، {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ}4، فمن شبه صفات الله بصفات خلقه؛ لم يكن عابدًا لله في الحقيقة، وإنما يعبدون وثنا صوَّره له خياله ونحته له فكره؛ فهو من عباد الأوثان، لا من عباد الرحمن.
    قال العلامة ابن القيم:
    لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان
    ومن شبه الله بصفات خلقه؛ فهو مشابه للنصارى الذين يعبدون المسيح بن مريم عليه السلام.
    يقول العلامة ابن القيم:
    من مثل الله العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك نصراني
    وقال نعيم بن حماد شيخ البخارى رحمهما الله: "من شبه الله بخلقه؛ فقد كفر، ومن نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله؛ فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه".
    2 - المعطلة:
    وهؤلاء نفوا عن الله ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من صفات الكمال، زاعمين أن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم؛ فهم على طرفي نقيض مع المشبهة.
    ومذهب التعطيل مأخوذ من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين.
    --------------------------------






  2. #2
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة التوبة، الآية 105.
    2 سورة طه، الآية 46.
    3 سورة النحل، الآية 79.
    4 سورة هود، الآية 37.
    5 سورة الطور، الآية 48.
    6 سورة المائدة، الآية 83.
    7 سورة ص، الآية 75.
    8 سورة المائدة، الآية 64.
    ص -163- معنى لا يعلمه إلا الله؛ فيفوضون معناها إلى الله، ويزعمون أن هذه طريقة السلف، وقد كذبوا على السلف ونسبوا إليهم ما هم برآء منه؛ لأن عقيدة السلف إثبات صفات الله عزَّ وجلّض كما دل عليها الكتاب العزيز والسنة النبوية، وأنها على ظاهرها، ويفسرون معناها على ما يليق بجلال الله، ولا يفوضونها، بل وهي عندهم من المحكم لا من المتشابه.
    قال - رحمه الله -: "وأما على قول أكابرهم [ يعني: نفاة الصفات ]: إن معاني هذه النصوص لا يعلمه إلا الله، وإن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها، فعلى قول هؤلاء يكون
    الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني نا أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ؛ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كرما لا يعقلون معناه...".
    إلى أن قال - رحمه الله -: "ومعلوم أن هذا قدح في
    القرآن والأنبياء، إذا كان الله أنزل القرآن، وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتدبُّر القرآن وعقله، ومع هذا؛ فأشرف ما فيه، وهو ما أخبر به الرب عن صفاته، أو عن كونه خالقا لكل شيء، وهو بكل شيء عليم، أو عن كونه أمر ونهى، ووعد وتوعد، أو ما أخبر به عن اليوم الآخر: لا يعلم أحد معناه؛ فلا يعقل، ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بيَّن للناس ما نُزَّلَ ولا بلَّغ البلاغ المبين".
    وقال - رحمه الله - نافيا هذا القول عن السلف: "وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله؛ فنقول: ما الدليل على ذلك؟ فإنَّي ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة ولا أحمد
    ص -164- ابن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية [ يعني: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ...}1 الآية ، ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: تمر كما جاءت، نهوا عن تأويلات الجهمية، وردوها، وأبطلوها، التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بيِّنة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية، يقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها؛ فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا، وأن لا يسكت عن بيانه وتفسيره، بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة؛ من غير تحريف له عن مواضعه، أو إلحاد في أسماء الله وآياته".
    هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله، وحكاه عن الأئمة والسلف؛ أنهم لا يجعلون نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يفهم معناه ويجب تفويضه، بل كانوا يعلمون معاني هذه النصوص ويفسرونها، وإنما يفوِّضون علم كيفيتها إلى الله - عز وجل؛ كما قال الإمام مالك وغيره: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" .
    قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: "وأما قوله تعالى: {مَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}2؛ فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدّا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت؛ من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله؛ فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}3، بل الأمر كما قال الأئمة؛ منهم نعيم بن حماد







  3. #3
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    1 سورة آل عمران، الآية 7.
    2 سورة الأعراف، الآية 54. وسورة يونس، الآية 3.
    3 سورة الشورى، الآية 11.
    ص -165- الخزاعي شيخ البخاري؛ قال: من شبه الله بخلقه؛ فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه؛ فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائص؛ فقد سلك سبيل الهدى..." انتهى.
    هذا مذهب السلف في أسماء الله وصفاته، وهو إثباتها كما جاءت في الكتاب والسنة، من غير تشبيه لها بصفات المخلوقين، ومن غير تعطيل ونفي لها، بل إثبات بلا تشبيه، وتنزيه لله بلا تعطيل، على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}1، فمن نسب إلى السلف أن مذهبهم التفويض؛ فقد كذب وافترى عليهم ورماهم بما هم بريئون منه.
    نسأل الله العفو والعافية.
    --------------------------------

    1 سورة الشورى، الآية 11.






  4. #4
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    ص -29- فتارة يقولون: هذا العلم وجد نتيجة للطبيعة التي هي عبارة عن ذات الأشياء من النبات والحيوان والجمادات؛ فهذه الكائنات عندهم هي الطبيعة، وهي التي أوجدت نفسها.
    أو يقولون: هي عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وخشونة، وهذه القابليات من حركة وسكون ونمو وتزاوج وتوالد، هذه الصفات وهذه القابليات هي الطبيعة بزعمهم، وهي التي أوجدت الأشياء.
    وهذا قول باطل على كلا الاعتبارين؛ لأن الطبيعة بالاعتبار الأول - على حد قولهم - تكون خالقة ومخلوقة؛ فالأرض خلقت الأرض، والسماء خلقت السماء... وهكذا، وهذا مستحيل، وإذا كان صدور الخلق عن الطبيعة بهذا الاعتبار مستحيلاً؛ فاستحالته بالاعتبار الثاني أشد استحالة؛ لأنه إذا عجزت ذات الشيء عن خلقه؛ فعجز صفته من باب أولى؛ لأن وجود الصفة مرتبط بالموصوف الذي تقوم به؛ فكيف تخلقه وهي مفتقرة إليه؟! وإذا ثبت بالبرهان حدوث الموصوف؛ لزم حدوث الصفة، و أيضا، فالطبيعة لا شعور لها؛ فهي آلة محضة؛ فكيف تصدر عنها الأفعال العظيمة التي هي في غاية الإبداع والإتقان، وفي نهاية الحكمة، وفي غاية الارتباط؟!
    ومن هؤلاء الملاحدة من يقول: إن هذه الكائنات تنشأ عن طريق المصادفة؛ بمعنى أن تحميع أن الذرات والجزئيات عن طريق الماصادفة يؤدي إلى ظهور الحياة بلا تدبير من خالق مدبر ولا حكمة.
    وهذا قول باطل، ترده العقول والفطر؛ فإنك إذا نظرت إلى هذا الكون المنظم بأفلاكه وأرضه وسمائه وسير المخلوقات فيه بهذه الدقة والتنظيم العجيب؛ تبين لك أنه لا يمكن أن يصدر إلا عن خالق حكيم.
    ص -30- قال ابن القيم: "فسل المعطل الجاحد: ماذا تقول في دولاب دائر على نهر، وقد أحكمت آلاته، وأحكم تركيبه، وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه؛ بحيث لا يرى الناظر فيه خللاً في مادته ولا في صورته وقد جعل على حديقة عظيمة، فيها من كل أنواع الثمار والزروع، يسقيها حاجتها، وفي تلك الحديقة من يلم شعثها ويحسن مراعاتها وتعهدها والقيام بجميع مصالحها؛ فلا يختل منها شيء، يقسم قيمتها عند الجذاذ على أحسن المخاج بحسب حاجتهم وضروراتهم، فيقسم لكل صنف منهم ما يليق به، ويقسمه هكذا على الدوام؛ أترى هذا اتفاقا بلا صانع ولا مختار ولا مدبر، بل اتفق وجود ذلك الدولاب والحديقة وكل ذلك اتفاقا من غير فاعل ولا قيم ولا مدبر؟! أفترى ما يقول لك عقلك في ذلك لو كان؟! وما الذي يفتيك به؟! وما الذي يرشدك إليه؟! ولكن من حكمة العزيز الحكيم أن خلق قلوبا عميا لا بصائر لها؛ فلا ترى هذه الآيات الباهرة إلا رؤية الحيوانات البهيمية، كما خلق أعينا لا إبصار لها" انتهى كلامه رحمه الله.
    ثانيا: توحيد الألوهية.
    توحيد الألوهية: هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة؛ ف (الألوهية) معناها العبادة، و(الإله) معناه المعبود، ولهذا يسمى هذا النوع من التوحيد ب (توحيد العبادة).
    و(العبادة) في اللغة: الذل؛ يقال: طريق معبد: إذا كان مذللاً قد وطئته الأقدام.
    وأما معنى العبادة شرعا: فقد اختلفت عبارات العلماء في ذلك مع اتفاقهم على المعنى: فعرفها طائفة منهم بأنها ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي
    ص -31- ولا اقتضاء عقلي. وعرفها بعضهم بأنها كمال الحب مع كمال1الخضوع. وعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – "بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة". وهذا التعريف أدق وأشمل؛ فالدين كله داخل في العبادة، ومن عرفها بالحب مع الخضوع؛ فلأن الحب التام مع الذل التام يتضمان طاعة المحبوب والانقياد له؛ فالعبد هو الذي ذلله الحب والخضوع لمحبوبه؛ فبحسب محبة العبد لربه وذله له تكون طاعته؛ فمحبة العبد لربه وذله له يتضمنان عبادته له وحده لا شريك له.
    فالعبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، وهي تتضمن ثلاثة أركان؛ هي: المحبة، والرجاء، والخوف، ولا بد من اجتماعها، فمن تعلق بواحد منها فقط؛ لم يكن عابدًا لله تمام العبادة؛ فعبادة الله بالحب فقط هي طريقة الصوفية، وعبادته بالرجاء وحده طريقة المرجئة، وعبادته بالخوف فقط طريقة الخوارج، والمحبة المنفردة عن الخضوع لا تكون عبادة، فمن أحب شيئا ولم يخضع له؛ لم يكن عابدًا؛ كما يحب الإنسان ولده وصديقه، كما أن الخضوع المنفرد عن المحبة لا يكون عبادة؛ كمن يخضع لسلطان أو ظالم اتقاء لشره، ولهذا لا يكفي أحدهما عن الآخر في عبادة الله - تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء.
    والعبادة هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له، وهي التي خلق الخلق من أجلها؛ كما -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ}2، وبها أرسل جميع الرسل؛ كما -: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً







  5. #5
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    ص -36- وبهذا يتبين بطلان ما يزعمه علماء الكلام والصوفية أن التوحيد المطلوب من العباد هو الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر، ومن أقر بذلك؛ صار عندهم مسلما، ولهذا يعرفون التوحيد في الكتب التي ألفوها في العقائد يما ينطبق على توحيد الربوبية فقط؛ حيث يقولون مثلاً: التوحيد هو الإقرار بوجود الله وأنه الخالق الرازق... إلخ، ثم يوردون أدلة توحيد الربوبية.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع؛ فيقولون: هو واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له، وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث، وهو توحيد الأفعال، وهو أن خالق العالم واحد، وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، وأن هذا هو معنى قولنا: لا إله إلا الله، حتى معنى الألوهية القدرة على الاختراع، ومعلوم أن المشتركين من العرب الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أولاً لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء، حتى إنهم كانوا يقرون بالقدر - أيضا، وهم مع هذا مشركون...".
    هذا كلام الشيخ - رحمه الله، وهو واضح في الرد على من اعتقد أن التوحيد المطلوب من الخلق هو الإقرار بتوحيد الربوبية.
    ويؤيد هذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}1؛ فالرسل لم يقولوا لأممهم: أقروا أن الله هو الخالق؛ لأنهم مقرون بهذا، وإنما قالوا لهم: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - أيضا -: "التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده؛ بأن يشهد أن لا إله إلا الله، لا يعبد إلا










  6. #6
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    سورة النحل، الآية: 36.
    ص -37- إياه...".
    إلى أن قال: "وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، كما يظن ذلك من يظنه أهل الكلام والتصوف، ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل؛ فقد أثبتوا غاية التوحيد، وأنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه؛ فقد فنوا في غاية التوحيد".
    فإن
    الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات، ونزهه عن كل ما ينزه عنه، وأقر بأنه وحده خالق كل شيء؛ لم يكن موحدًا، حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده؛ فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة، ويلزم بعبادة الله وحده لا شريك له.
    والإله هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة، وليس الإله بمعنى القادر على الاختراع، فإذا فسر الإله بمعنى القادر على الاختراع، واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله، وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد، كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفايتة، وهو الذي يقولونه عن أبي الحسن وأتباعه؛ لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، وكانوا مع هذا مشركين، -: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ}1، قال طائفة من السلف: تسألهم: من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله. وهم مع هذا يعبدون غيره!.
    -: {قُلْ لِمَنِ الآرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}2.








  7. #7
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    سورة يوسف، الآية: 106.
    2 سورة المؤمنون، الآيات: 84 - 89.

    ص -38- فليس كل من أقر بأن الله تعالى رب كل شيء وخالقه يكون عابدًا دون ما سواه، داعيا له دون ما سواه، يوالي فيه ويعادي فيه ويطيع رسله.
    وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شيء، وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به، وجعلوا له أندادًا...".
    إلى أن قال - رحمه الله -: "ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب، ويدعوها، ويصوم وينسك لها، ويتقرب إليها، ثم يقول: إن هذا ليس بشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لي، فإذا جعلتها سببا وواسطة؛ لم أكن مشركا، ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك..." انتهى كلام.
    قلت: وهذا ما يقوله عباد القبور اليوم؛ يتقربون إليها بأنواع العبادة، ويقولون: هذا ليس بشرك؛ لأننا لا نعتقد فيها أنها تخلق وتدبر، وإنما جعلناها وسائط نتوسل بأصحابها.
    أساليب القران في الدعوة إلى توحيد الإلهية:
    لما كان توحيد الربوبية قد أقر به
    الناس بموجب فطرهم ونظرهم في الكون، وكان الإقرار به وحده لا يكفي للإيمان بالله ولا ينجي صاحبه من العذاب؛ ركزت دعوات الرسل على توحيد الإلهية، خصوصا دعوة خاتم الرسل نبينا محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام؛ فكان يطالب الناس بقول لا إله إلا الله، المتضمنة لعبادة الله وترك عبادة ما سواه، فكانوا ينفرون منه، ويقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}1، وحاولوا مع الرسول "أن يترك هذه الدعوة، ويخلي بينهم وبين عبادة الأصنام، وبذلوا في ذلك معه كل الوسائل؛ بالترغيب تارة، وبالترهيب تارة، وهو عبيه الصلاة









  8. #8
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    سورة ص، الآية: 5.
    ص -39- والسلام يقول: "والله؛ لو وضعوا الشمس بيميني، والقمر بشمالي، على أن أترك هذا الأمر؛ لا أتركه، حتى يظهره الله أو أهلك دونه"، وكانت آيات الله تتنزل عليه بالدعوة إلى هذا التوحيد، والرد على شبهات المشركين، وإقامة الراهين على بطلان ما هم عليه.
    وقد تنوعت أساليب القرآن في الدعوة إلى توحيد الإلهية، وها نحن نذكر جملة منها؛ فمن ذلك:
    1- أمره - سبحانه - بعبادته وترك عبادة ما سواه؛ كما في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}1، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...} إلى قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}2.
    2- ومنها: إخباره - سبحانه - أنه خلق الخلق لعبادته؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ}3.
    3- ومنها: إخباره أرسل جميع الرسل بالدعوة إلى عبادته والنهي عن عبادة ما سواه؛ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}4.
    4- ومنها: الاستدلال على توحيد الإلهية بانفراده بالربوبية والخلق والتدبير؛ كما في قوله - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...}5، وقوله: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ}6، وقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ}7.
    5- ومنها الاستدلال على وجوب عبادته - سبحانه - بانفراده بصفات الكمال وانتفاء ذلك عن آلهة المشركين؛ كما في قوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ







  9. #9
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    سورة مريم، الآية: 65.
    2 سورة الأعراف، الآية: 148.
    3 سورة مريم، الآية: 42.
    4 سورة فاطر، الآية: 14.
    5 سورة الأعراف، الآية: 148.
    6 سورة الأعراف، الآيتان: 191 - 192.
    7 سورة الإسراء، الآية: 56.
    8 سورة النحل، الآية 73.
    9 سورة الحج، الآية: 73.
    10 سورة الأنبياء، الآيتان: 66 - 67.
    11 سورة الأحقاف، الآية: 5.
    ص -41- شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}1، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}2، وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ الله مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}3، و -: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}4، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}5.
    9 - ومنها رده - سبحانه - على المشركين في اتخاذهم الوسائط بينهم وبين الله بأن الشفاعة ملك له - سبحانه، لا تطلب إلا منه، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه بعد رضاه عن المشفوع له؛ قال - سبحانه -: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}6، وقوله - سبحانه -: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بِإِذْنِهِ}7، وقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ الله لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}8.
    فبين - سبحانه في هذه الآيات أن الشفاعة ملكه وحده، لا تطلب إلا منه، ولا تحصل إلا بعد إذنه للشافع ورضاه عن المشفوع له.
    10- ومنها: أنه بين - سبحانه - أن هؤلاء المعبودين من دونه لا يحصل منهم


    --------------------------------
    1 سورة البقرة، الآية: 165.
    2 سورة فاطر، الآية: 14.
    3 سورة الأحقاف، الآيتان: 5 - 6.
    4 سورة سبأ، الآيتان: 40 - 41.
    5 سورة المائدة، الآية: 116.
    6 سورة الزمر، الآيتان: 43 - 44.
    7 سورة البقرة، الآية: 255.
    8 سورة النجم، الآية: 26.
    ص -42- نفع لمن عبدهم من جميع الوجوه، ومن هذا شأنه لا يصلح للعبادة؛ كما في قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}1.
    11- ومنها: أنه - سبحانه - ضرب أمثلة كثيرة في القرآن يتضح بها بطلان الشرك، من ذلك قوله - سبحانه -: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}2.
    شَبَّه - سبحانه - التوحيد في علوه وارتفاعه وسعته وشرفه بالسماء، وشبه تارك التوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل السافلين؛ لأنه سقط من أوج الأيمان إلى حضيض الكفر، وشبه الشياطين التي تقلقه بالطير التي تمزق أعضاءه، وشبه هواه الذي يبعده عن الحق بالريح التي ترمي به في مكان بعيد.
    هذا مثال واحد من أمثلة كثيرة في القرآن، ذكرها الله - سبحانه - لبيان بطلان الشرك وخسارة المشرك في الدنيا والآخرة.
    وما سقناه في هذا البحث من أساليب القرآن في الدعوة إلى توحيد الألوهية وإبطال الشرك قليل من كثير، وما على المسلم إلا أن يقرأ القرآن بتدبر؛ ليجد الخير الكثير، والأدلة المقنعة، والبراهين الساطعة، التي ترسخ عقيدة التوحيد في قلب المؤمن، وتقتلع منه كل شبهة...
    حدوث الشرك في توحيد الإلهية:
    مطلوب من المسلم بعدما يعرف الحق أن يعرف ما يضاده من الباطل ليجتنبه؛ كما يقال:
    عرفت الشر لا للش ر لكن لتوقيه





  10. #10
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي




    1 سورة سبأ، الآية: 22.
    2 سورة الحج، الآية: 31.


    ص -43- وكان حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - يقول: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن أقع فيه".
    ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية".
    وقبل ذلك قال الخليل عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ}1.
    فهذا مما يوجب شدة الخوف من الشرك ومعرفته ليجتنبه المسلم:
    فالشرك هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله؛ كالدعاء، والذبح، والنذر، والاستغاثة بغير الله فيما لا عليه إلا الله.
    والتوحيد هو إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو أصيل في بني آدم، والشرك طارىء عليه، قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}2
    قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام".
    قال ابن القيم - رحمه الله -: "هذا القول هو الصحيح في الآية، وصحح هذا القول - أيضا - ابن كثير، وأول ما حدث الشرك في الأرض في قوم نوح، حين غلوا في الصالحين، {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}3.
    قال البخاري في (صحيحه) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "هذه

    --------------------------------


    1 سورة إبراهيم، الآيتان: 36 - 35.
    2 سورة البقرة، الآية: 213.
    3 سورة نوح، الآية 23.
    ص -44- أسماء رجال من قوم نوح، فلما هلكوا؛ أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم؛ عبدت".
    قال ابن القيم: "قال غير واحد من السلف: لما ماتوا؛ عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم".
    ومن هذا الأثر الذي رواه البخاري عن عباس في غلو قوم نوح في الصالحين وتصويرهم إياهم والاحتفاظ بصورهم ونضبها على المجالس، منه ندرك خطورة التصوير، وخطورة التصوير، وخطورة تعليق الصور على الجدران، وخطورة نصب التماثيل في الميادين والشوارع، وأن ذلك يؤول بالناس إلى الشرك؛ بحيث يتطور تعظيم تلك الصور والتماثيل المنصوبة، فيؤدي ذلك إلى عبادتها كما حدث في قوم نوح.
    ولهذا؛ جاء الإسلام بتحريم التصوير، ولعن المصورين، توعدهم بأشد الوعيد، وأنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة؛ سدًا لذريعة الشرك، وابتعادًا عن مضاهاة خلق الله - عز وجل -.
    وندرك من هذه القصة مدى حرص الشيطان لعنه الله على إغواء بني آدم، ومكره بهم، وأنه قد يأتيهم من ناحية استغلال العواطف ودعوى الترغيب في الخير؛ فإنه لما رأى في قوم نوح ولوعهم بالصالحين ومحبتهم لهم؛ دعاهم إلى الغلو في هذه المحبة؛ بحيث أمرهم بنصب الصور التذكارية لهم، وهدفه من ذلك التدرج بهم في إخراجهم من الحق إلى الضلال، ولم يقتصر نظره على الحاضرين، بل امتد إلى أجيالهم اللاحقة، الذين قل فيهم العلم، وفشا فيهم الجهل؛ فزين لهم عبادة هذه الصور، وأوقعهم في الشرك الأكبر، وكابروا نبيهم بقولهم {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ}.
    ص -45- قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وقد تلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام، بكل قوم على قدر عقولهم؛ فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صُوِّروا كما في قوم نوح، وهذا السبب هو الغالب على عوام المشركين، وأما خواصهم؛ فاتخذوا الأصنام على صور الكواكب المؤثرة في العالم بزعمهم، وجعلوا لهم بيوتا وسدنة وحجابا وقربانا، ولم يزل هذا في الدنيا قديما وحديثا، وأصل هذا المذهب من مشركي الصابئة، وهم قوم إبراهيم عليه السلام، والذين ناظرهم في بطلان الشرك، وكسر حجتهم بعلمه، وآلهتهم بيده، فطلبوا تحريفه، وطائفة أخرى اتخذت للقمر صنما، وزعموا أنه يستحق العبادة، وإليه تدبير هذا العالم السفلي، وطائفة تعبد النار، وهم المجوس، وطائفة تعبد الماء، وطائفة تعبد الحيوانات؛ فطائفة عبدت الخيل، وطائفة عبدت البقر، وطائفة عبدت البشر الأحياء والأموات، وطائفة تعبد الجن، وطائفة تعبد الشجر، وطائفة تعبد الملائكة" انتهى كلام ابن القيم - رحمه الله -.
    وبه تعرف معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}1وقوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إلاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إلاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}2، وقوله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً }3
    هؤلاء المشركون لما تركوا عبادة الله وحده لا شريك له، وهي التي خلقوا من أجلها، وبها سعادتهم؛ ابتلوا بعبادة الشياطين، وتفرقت بهم الأهواء والشهوات؛ كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -:










 

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قواعد الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة
    بواسطة أمـــة الله في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 2011-01-16, 08:38 PM
  2. كلمات في ميزان الاعتقاد (1- أهل السنة و الجماعة)
    بواسطة أبو صهيب المصري في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 2010-11-02, 06:22 AM
  3. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-11-01, 04:51 PM
  4. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-11-01, 04:48 PM
  5. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-10-30, 04:06 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML