هجرات أعضاء الجماعات اليهودية في العصرالحديث
Migrations of Memebers of Jewish Communities in Modern Times


تغيَّر اتجاه هجرة أعضاء الجماعات اليهودية مع بداية عصر النهضة في أوربالثلاثة أسباب أساسية:

1
ـ شهد عصر النهضة بدايات الانقلاب التجاريالرأسمالي الحقيقية بما تبعه من اكتشافات جغرافية ومشاريع استعمارية غربية: إسبانيةوبرتغالية ثم هولندية وإنجليزية. وكانت إسبانيا والبرتغال قد طردتا اليهود منأراضيهما، أما هولندا وإنجلترا فقد فتحتا أبوابهما لهجرة اليهود نظراً لحاجتهما إلىأيد عاملة ورؤوس أموال وخبرات تجارية، ثم تبعتهما فرنسا. وأدَّى هذا الوضع إلىتَدفُّق المهاجرين اليهود إلى هذه البلاد وإلى مستعمراتها فيما بعد.

2
ـكانت الدولة العثمانية قد بدأت تدخل مرحلة الجمود التي أدَّت إلى سـقوطها في نهايةالأمر، ولم تَعُـد قادرة على اســتيعاب المزيد من اليهـود.

3
ـ وفي تلكالمرحلة، كان معظم يهود أوربا مُركَّزين في بولندا التي شهدت ثورة الزعيم الشعبيالأوكراني بوجدان شميلنكي عام 1648 والذي قـاد ثورة الفـلاحين الأوكرانيين ضدالاحتلال البولندي، وضد النبلاء البولنديين (شلاختا) المستفيدين من هذا الاحتلال،وضد عمال النبلاء وممثليهم من يهود الأرندا الذين كانوا يقومون بجمع الضرائب وتوقيعالعقوبات على الفلاحين. وقد هزت هذه الثورة جذور الدولة البولندية على وجه الخصوص،ثم تبع ذلك غزو السويد وروسيا لها.

وقد أدَّى تَزامُن هذه الأحداث (طرداليهود السفارد من شبه جزيرة أيبريا، ثم اهتزاز الأساس الاقتصادي والسياسي لليهودالإشكناز في بولندا مع فَتْح أبواب الهجرة إلى أوربا الغربية، ودخول الدولةالعثمانية في طور الجمود)، إلى تغيير مسار هجرة أعضاء الجماعات اليهودية في أورباوظهور النمط الحديث، أي هجرة اليهود من البلاد المتخلفة في شرق أوربا إلى البلادالمتقدمة في وسطها وغربها وإلى العالم الجديد. والهجرة اليهودية في العصر الحديث هيأساساً جزء من حركة الاستعمار الاستيطاني التي بدأت في القرن السادس عشر، خصوصاًالتشكيل الأنجلو ساكسوني (بعد بداية قصيرة مع الاستعمار الإسباني ثم الهولندي). وماالهجرة الصهيونية إلا تعبير عن هذا النمط العام. ومع هذا، ظلت الولايات المتحدة هينقطة الجاذبية الأساسية للهجرة اليهودية من البداية حتى الوقت الراهن، للأسبابالتالية:

1
ـ تشكل الولايات المتحدة أهم وأنجح تجربة استيطانية غربية. وقداجتذبت ثم استوعبت أعداداً كبيرة من المهاجرين من أوربا بلغت أكثر من 80%

2
ـ الولايات المتحدة دولة علمانية لم تعرف أية تقاليد أو حتى أية رموز دينية إلالفترة وجيزة للغاية من تاريخها، كما أنها نجحت في إقامة مؤسسات علمانية لاستيعابوصَهْر المهاجرين و«أمركتهم» وأتاحت لهم فرصة الانتماء الثقافي الكامل لوطنهمالجديد الأمر الذي زاد من جاذبيتها، وذلك على عكس أمريكا اللاتينية التي احتفظتبكاثوليكيتها وبالتالي استبعدت البروتستانت واليهود.

3
ـ كان اليهود يشكلونجماعة وظيفية مالية تعمل بالتجارة والمال، وبالتالي لم تكن بينهم أعداد كبيرة منالعمال أو الفلاحين. والمجتمع الأمريكي هو مجتمع الاقتصاد الحر الذي يشكل القطاعالتجاري والمالي أكبر قطاعاته، والذي سادت فيه القيم التجارية الموضوعية. ومن ثمفهو مجتمع ذو جاذبية خاصة بالنسبة إلى المهاجر اليهودي.

وقد تنبأ المؤرخالروسي اليهودي دبنوف بأن مسار الهجرة اليهودية سيكون إلى الولايات المتحدة، وطالببأن يتم تقنين العملية وتنظيمها.

ويمكن القول بقدر من التبسيط غير المخلبأن هجرة أعضاء الجماعات اليهودية تدور حول قطبين أساسيين هما: شرق أوربا (روسيا/بولندا) كقوة طاردة ومصدر للمادة البشرية، والولايات المتحدة كقوة جاذبة. وقد كان النمط الأساسي القديم للهجرة اليهودية هو تَحرُّك أعضاء الجماعات داخل أُطرالإمبراطوريات الكبرى (الفارسية أو الرومانية أو الإسلامية)، أما في القرن العشرينفقد كانت هناك إمبراطوريتان أو قوتان عظميان تحددان من خلال سياستهما حركة هجرةأعضاء الجماعة اليهودية، وقد تَطوَّر الأمر بعض الشيء بعد ذلك في منتصف القرنالعشرين.

ولكن هناك مصادر أخرى ثانوية طاردة للمادة البشرية مثل أورباالشرقية أو أمريكا اللاتينية أو جنوب أفريقيا أو بقايا يهود الشرق والعالمالإسلامي. كما أن هناك مناطق جذب ثانوية أخرى مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا وبعضبلاد أوربا. إلا أن النمط الأساسي الذي أشرنا إليه ظل سائداً. وتمثل إسرائيل نقطةمُبهَمة، فهي مصدر طَرْد حيث يبلغ عدد النازحين منها بين 700 ألف ومليون، كما أنهامصدر جذب ليهود البلاد العربية والشرق حيث إنها تحقق حراكاً اجتماعياً. كما تمثلمحطة انتقال لهؤلاء اليهود الذين لا يمكنهم الوصول إلى الولايات المتحدة مباشرةً أوأولئك الذين لا توجد عندهم الكفاءات المطلوبة للعمل فيها.

ويمكن تقسيمهجرات أعضاء الجماعات اليهودية في العصر الحديث إلى المراحل التالية:

أ)المرحلة الأولى: ابتداءً من القرن السادس عشر حتى بداية القرن التاسع عشر.

وهي مرحلة البدايات الأولى للثورة التجارية الرأسمالية الصناعية في أوربا. وهي الفترة التي شهدت توطين السفارد من يهود المارانو في هولندا وفرنسا وإنجلترا،كما شهدت بدايات الهجرة الاستيطانية اليهودية إلى العالم الجديد. وكانت الهجرة تتبعالنمط التالي: تهاجر مجموعة صغيرة من السفارد (عادةً من كبار المموِّلين وعائلاتهم) يلحق بهم أعداد ضخمة من الإشكناز، كما حدث في أمستردام بعد استقلالها عن إسبانيا،وكما حدث في إنجلترا وفرنسا وبعض مدن ألمانيا. وقد زاد عدد أعضاء الجماعة اليهوديةفي أمستردام من 200 سفاردي عام 1690 إلى 2400 سفاردي و21 ألف إشكنازي عام 1795. أمالندن، فقد كان يوجد فيها عام 1695 نحو 458 سفاردياً و203 من الإشكناز. ومع حلول عام 1720، زاد عدد الإشكناز عن عدد السفارد. وفي عام 1800، كان يوجد ألفا سفاردي وحسببين العشرين ألف يهودي. ولم يستوطن فلسطين أي عدد يذكر من اليهود في تلكالمرحلة.


ب) المرحلة الثانية: من القرن التاسع عشر حتى عام 1880.

وهي المرحلة التي وقعت فيها الحروب النابليونية والاضطرابات السياسية التيأعقبتها، الأمر الذي تَسبَّب في هجرة بعض الجماعات اليهودية من ألمانيا وبوهيمياوالنمسا إلى فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها. ولم يزد عددالمهاجرين اليهود إلى خارج القارة الأوربية على 200.000. ويمكن تفسير ذلك بعدةأسباب، من بينها أن الانفجار السكاني الذي حدث بين يهود اليديشية في شرق أوربا،والذي أدَّى إلى تَزايُد أعدادهم بين عامي 1800 و1933 بنحو ستة أضعاف، لم يكن قدظهر أثره بعد، كما أنه وصل إلى ذروته بعد عام 1880. وفضلاً عن ذلك، كان معظم يهودالعالم مُركَّزين في شرق أوربا وروسيا وبولندا التي كان قد تم ضمها إلى روسيا. ولمتكن معدلات العلمنة والتحديث قد ازدادت بينهم بعد، الأمر الذي كان يعني أنهم لايزالون جماعة متماسكة تَصعُب الحركة على أعضائها، كما كان كثير من اليهود لا يزالونيلعبون دورهم الاقتصادي التقليدي كجماعة وظيفية. وحتى عندما تزايدت عمليات التحديثوالعلمنة في روسيا، وتركت تلك العملية أثرها على الجماعة اليهودية التي بدأت تفقدشيئاً من تماسكها وبدأ يختفي كثير من مؤسساتها التقليدية التي تربط بين الفردوالجماعة مثل الأسرة والدين، فإن هذا لم يتسبب في أية هجرة خارج أوربا إذ لم تكنمحاولات التحديث في الإمبراطورية الروسية قد كابدت من التعثر بعد، وكان الاقتصادالروسي قادراً على استيعاب اليهود الذين كانوا يتزايدون ويتركون قراهم وأماكنإقامتهم الأصلية. ولذا، فقد كانت هجرة اليهود داخلية؛ من المناطق الكثيفة سكانياًفي منطقة الاستيطان إلى روسيا الجديدة على شواطئ البحر الأسود. كما هاجرت أعدادصغيرة إلى بعض الدول الأوربية والولايات المتحدة.

وشهدت هذه المرحلة هجرةيهود المناطق البولندية التي ضمتها ألمانيا (1772 ـ 1815). وفي بروسيا بالذات، كانيوجد عام 1837 نحو 145.364 يهودياً 70% منهم (حوالي 101.152) كانوا في المناطقالبولندية، أي أن أغلبية يهود بروسيا كانوا مُركَّزين هناك. ولكن، مع عام 1871،تَناقُص عددهم عن طريق الهجرة إلى ألمانيا ذاتها، وأصبحت نسبة اليهود في المناطقالبولندية 31.8% ثم انخفضت عام 1890 إلى 24.8% وإلى 17.4% عام 1910. وقد اتجه هؤلاءاليهود إلى برلين التي ارتفع عدد اليهود فيها من 47.489عام 1871 إلى 181.141عام 1925. وقد ساهم هذا الارتفاع في تغذية الدعاية العنصرية النازية بشأن تَكاثُراليهود والخطر اليهودي ومحاولة سيطرة اليهود على كل شيء.

جـ) المرحلةالثالثة: من عام 1881 حتى عام 1939.

وهي مرحلة الهجرة الكبرى اليهودية وغيراليهودية، والتي بدأت عام 1881 مع تَعثُّر التحديث في روسيا وتَزايُد العنصرية فيكل أوربا، وانتهت عام 1939 بصدور قوانين عام 1924 التي حدَّت من هجرة يهود شرقأوربا، ثم بالكساد الاقتصادي وإغلاق أبواب الهجرة من روسيا تماماً.
ووفقاًلإحصاءات الموسوعة اليهودية ، بلغ عدد المهاجرين في هذه الفترة أربعة ملايين، فيحين يذهب آرثر روبين إلى أن العدد أكبر من ذلك، فهو يرى أن الفترة من عام 1881 إلىعام 1930 هاجر خلالها نحو 3.975.000. فإذا أضفنا إلى ذلك، وفقاً لليستشنكي، الرقـم 507.845 وهـو عدد الذين هـاجروا من عام 1931 إلى عام 1939، فإن العدد الكلي يصبح 4.482.845. ويجب أن نضيف إلى هذه الهجرة حركة اليهود داخل الإمبراطوريات العظمى فيأوربا، الأمر الذي قد يصل بالعدد إلى خمسة ملايين. وقد أخذت الحركة داخلالإمبراطورية النمساوية اتجاهها من الشرق (جاليشيا وبكوفينا وبوزنان) إلى الغرب،وحدث الشيء نفسه في ألمانيا. أما في روسيا، فقد اتجهت الهجرة نحو الجنوب، إلىأوديسا ومناطق البحر الأسود. وكان عدد اليهود الذين انتقلوا في هذه الفترة من بلدأوربي إلى آخر هو 350 ألفــاً، ويرى روبين أنهم 490 ألفاً.

كما شارك اليهودفي حركة الهجرة من القرية إلى المدينة، فزاد عدد يهود فيينا (بلدة تيودور هرتزلمؤسِّس الحركة الصهيونية)، على سـبيل المثال، من سـتة آلاف في عـام 1857 إلى 99ألفاً في عام 1890، وإلى 175 ألفاً عام 1910، وهي زيادة تمت أساساً عن طريق الهجرةحيث إن معدلات الزيادة الطبيعية كانت آخذة آنذاك في التناقص.

وربما يكونالدافع الأكبر وراء الهجرة في هذه الفترة هو تَعثُّر محاولات التحديث في روسيا ثمتَوقُّفها تقريباً، وهو ما انعكس في شكل الاضطهاد الروسـي القيصري ضــد جميعالأقليات في الإمبراطورية. ولذلك هاجرت أعداد كبيرة من يهود الإمبراطورية الروسيةإلى خارجها بحثاً عن مجالات جديدة للحراك الاجتماعي، وللحصول على الحقوق المدنيةوالسياسية. وكانت الأغلبية العظمى من المهاجرين اليهود من بين يهود اليديشية، ويهودروسيا على وجه الخصوص، حيث كانوا يشكلون ما بين 70% و80% من جملة يهود العالم، وقدكان عددهم نحو عشرة ملايين، وهو ما يعني أن نصفهم تقريباً، أي واحد من كل اثنين،كان في حالة حركة وهجرة وانتقال في الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأولمن القرن العشرين. وهذه نسبة عالية للغاية ولا شك في أنها أسهمت في تفتيت كثير منالمؤسسات والروابط والأواصر. ومع أن نسبة الهجرة بين يهود اليديشية كانت أعلى مننسبتها بين الإيطاليين، فإنها كانت أقل من نسبتها بين الأيرلنديين. وقد كان عددالأيرلنديين عام 1830 ثمانية ملايين يشكلون نصف سكان إنجلترا، وقد هاجر منهم أربعةملايين بين عامي 1830 و1900.

وهاجر معظم اليهود في الفترة من عام 1881 إلىعام 1914، خصوصاً الأربعة عشر عاماً الأخيرة منها. وتذكر الموسوعة اليهودية أن عددالمهاجرين بلغ 2.750.000. فإذا أنقصنا من هذا العدد حوالي 250 ألفاً هاجروا داخلأوربا، وذلك على اعتبار أن عدد المهاجرين في الفترة من 1881 حتى 1935 هو حوالي 490ألفاً، يكون عدد المهاجرين إلى خارج القارة هو 2.550.000 بمعدل هجرة سنوية تصل إلى 135 ألفاً. وتُعَدُّ سنة الذروة هي 1905ـ 1906 حيث هاجر ما بين 200 و250 ألفاً فيذلك العام وحده. لكن الهجرة توقفت أثناء الحرب. وعند استئنافها عام 1907، تَدفَّقالسيل مرة أخرى إذ هاجر في ذلك العام وحده 141 ألفاً. ثم صدر أول قانون لتحديدالهجرة في العام التالي، الأمر الذي أدَّى إلى تغيير الصورة.
وإذا كانتروسيا نقطة الطرد الكبرى، فقد كانت الولايات المتحدة نقطة الجذب الكبرى في أواخرالقرن التاسع عشر، وهي الفترة التي أحرزت فيها الرأسمالية الأمريكية تَقدُّمهاالضخم بعد أن هزمت الجنوب وفتحت أسواقه. وفي هذه الفترة، بدأت الرأسمالية الأمريكيةتجربتها الإمبريالية في أمريكا اللاتينية والفلبين حيث كانت في حاجة ماسة إلىالأيدي العاملة التي لم يكن من الممكن تجنيدها من خلال الزيادة الطبيعية. وقداستوعبت الولايات المتحدة نحو 85% من المهاجرين اليهود بل واستوعبت النسبة نفسهاتقريباً من جملة المهاجرين في العالم. ولا توجد سجلات بأعداد المهاجرين اليهود إلىالولايات المتحدة إلا ابتداءً من عام 1899.
وقد هاجر من روسيا في خلالستة عشر عاماً (1899 - 1924) نحو مليون ونصف المليون يهودي. وفيما يلي جدول بأعداداليهود الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة من روسيا وغيرها في الفترة من عام 1899إلى عام 1914:
37415 -1899)
مهاجر ) ( 1900 - 60764 مهاجر ) ( 1901 - 85098مهاجر(
57688- 1902)
مهاجر ) ( 1903 - 76203 مهاجر ) ( 1904 - 106236 مهاجر( 1299001905)مهاجر ) ( 1906 - 153748 مهاجر ) ( 1907 - 149182 مهاجر(
103387-1908)
مهاجر ) ( 1909 - 57551 مهاجر ) ( 1910 - 84260مهاجر(
91223-1911)
مهاجر ) ( 1912 - 80595 مهاجر ) ( 1913 - 101330 مهاجر(
138051- 1914)
مهاجر(

ليكون إجمالي عدد المهاجرين هو 1.512.631.

ويُعَدُّ عام 1906 عام الذروة بالنسبة إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة. ويبلغ متوسط عددالمهاجرين سنوياً 93 ألفاً، وقد استقر كل هؤلاء المهاجرين في الولايات المتحدة بشكلدائم، ولم يهاجر منهم سوى نسبة ضئيلة تبلغ 8% مقابل 30.76% من بقية الجماعاتالمهاجرة، وكانت نسبة الأيرلنديين العائدين أقل إذ كانت لا تزيد على 7%. وكانالمهاجر اليهودي يصل إلى الولايات المتحدة ولديه النية في الاستقرار الدائم، وليسادخار بعض الأموال ثم العودة إلى الوطن الأم، ومن ثم فقد كان يُحضر معه أسرته. وكانت نسبة النساء والأطفال بينهم عالية، فكان نحو 44% من جملة المهاجرين اليهود منالإناث مقابل 31.7% بالنسبة إلى الجماعات المهاجرة الأخرى. وكان 24% من المهاجريناليهود أطفالاً تحت سن الثالثة عشرة، أما في الجماعات الأخرى فكانت النسبة 12.4%. وكان يوجد بين المهاجرين اليهود نسبة عالية من العمال الصناعيين تصل إلى 66% منالأجراء، على عكس الإيطاليين والأيرلنديين الذين كانوا من أصول فلاحية. وبحسبإحصاءات الهجرة الأمريكية (1899 - 1914)، كان المهاجرون اليهود يشكلون 31% من جملةالعمال الصناعيين، وكانوا يشكلون أحياناً الأغلبية المطلقة في بعض الفروع مثل صناعةالملابس. وكان عدد العمال الزراعيين بين اليهود هو 2.6% مقابل 28.1% بالنسبة إلىجملة المهاجرين. وكان عدد العاملين في صناعة الملابس 39.6% وفي الصناعات الأخرى 26% (أي 65.6% من الأجراء) مقابل 17.8% بين غير اليهود. كما أن 9.2% من المهاجريناليهود كانوا يعملون في التجارة والنقل مقابل 6.7% من جملة المهاجرين. وقد ساهم ذلكفي سرعة اندماجهم في المجتمع وتحقيقهم حراكاً اجتماعياً أعلى مما حققته كثير منجماعات المهاجرين الأخرى. وهذا هو الذي ساهم في نهاية الأمر في «أمركتهم» الكاملـةوفي تَركُّزهم فـي صناعـات بعينها دون غيرهـا. وكان التركيب الإثني للمهاجريناليهود خلال الفترة بين عامي 1899 و1914 كما يلي حسب بلد الأصل:
(
روسيا - 71.7% ) (الامبراطورية النمساوية و المجرية - 16.2% ) ( رومانيا 4.2% ) ( بريطانياالعظمى 4% ) ( كندا 1.2% ) ( المانيا 0.7% ) ( بلاد اخرى 2.0(%

ولكن معظماليهود الذين جاءوا من خارج روسيا هم من يهود اليديشية أيضاً. وقد توقفت الهجرةأثناء الحرب العالمية الأولى، ولكن أبوابها فُتحت مرة أخرى عام 1914. وكان عددالمهاجرين في البداية ضئيلاً ثم أخذ في الازدياد إلى أن وصل إلى الذروة في عام 1921ثم انخفض في أعوام 1922 و1923 و1924 بسبب نظام النصاب. وفيما يلي بيان بأعدادالمهاجرين:
1915 - 26.497)
مهاجر ) ( 1916 - 15108 مهاجر ) ( 1917- 17342مهاجر(
1918 – 3762)
مهاجر ) ( 1919 - 3055 مهاجر ) ( 1920 - 14292 مهاجر(
1921 – 119036)
مهاجر ) ( 1922 - 53524 مهاجر ) ( 1923 - 49719 مهاجر(
1924 – 49989)
مهاجر(

ليكون إجمالي عدد المهاجرين هو 352.324.

ولناأن نُلاحظ أن هذه الفترة الثانية هي فترة ظهور الصهيونية ونشاطها أيضاً. ولابد أنندرك أن حركة أعضاء الجماعات اليهودية الضخمة كانت مصدر قلق الدول الغربية، لخوفهاعلى أمنها الداخلي، وليهود الغرب المندمجين الذين كان وصول يهود الشرق يهدد مكانتهمالاجتماعية.

ويَنبُع تأييد الدول الغربية وأثرياء اليهود المندمجينللمشروع الصهيوني من مخاوفهم هذه. ومن هنا كان تَبنِّيهم لما نسميه «الصهيونيةالتوطنية». ويمكن أن نضرب مثلاً على ذلك بإنجلترا التي اتجه إليها نحو 210 آلاف منالمهاجرين اليهود في الفترة من عام 1881 إلى عام 1935. وقد كان لوصولهم أثره فيإثارة قلق السلطات البريطانية. وظهرت المحاولات الرامية إلى تحويل تيار الهجرةاليهودية بعيداً عن إنجلترا ابتداءً بمشروع شرق أفريقيا لإنشاء دولة صهيونية هناك،مروراً بقانون الأجانب عام 1906 للحد من دخول اليهود إلى إنجلترا (وهو المشروع الذيكان بلفور من أكبر المدافعين عنه)، وانتهاءً بوعد بلفور الذي حوَّل فلسطين إلى أرضيُلقَى فيها الفائض البشري اليهودي، كما كان يُطلَق على المهاجرين اليهود آنذاك.

ولم يتجه إلى ألمانيا في الفترة نفسها سوى مائة ألف يهودي، ولكن هذا لايتضمن اليهود الذين هاجروا من المقاطعات البولندية وهم من يهود اليديشية غيرالمندمجين. وبالتالي، قام النازيون بالدعاية ضد اليهود وببث السموم عن خطر التكاثراليهودي والهيمنة اليهودية في وقت كانت فيه أعداد اليهود آخذة في التناقص الفعلي. وإذا كان بلفور قد حل المسألة اليهودية في إنجلترا بالتخلص من اليهود عن طريقإرسالهم إلى فلسطين، فإن هذا الحل لم يكن متاحاً لهتلر لعدم وجود مستعمرات لدىألمانيا، ولهذا تَخلَّص منهم بإبادتهم.

ونُلاحظ أن عدد المهاجرين إلىفلسطين كان في بداية الفترة 1.806، وبلغ 8.175 عام 1923، أي بعد فتح أبواب الهجرةوإنشاء المؤسسات الصهيونية الاستيطانية، ثم قفز العدد إلى 13.892عام 1924. وشهدتالفترة من عام 1925 إلى عام 1933 احتدام الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية،وهو ما أدَّى إلى خوف كثير من الدول من الأيـدي العاملة المهاجرة لأنها قـد تؤديإلى تفاقم ظروف البطالة فيهـا، فأخذت الدول تغلق أبواب الهجرة وتسمح بدخولالمهاجرين بالقدر الذي تسمح به مقدرتها الاستيعابية، ومن هذه البلاد كنداوالأرجنتين والبرازيل وجنوب أفريقيا وأستراليا. وقد أدَّى تَصاعُد المقاومة العربيةفي فلسطين إلى الحد من الهجرة الاستيطانية، ولكن فلسطين ظلت مع هذا مفتوحة الأبوابأمام الهجرة. ولعل أكبر مَثَل على محاولة الدول الغربية الحد من الهجرة الأجنبية هوالولايات المتحدة التي أصدرت أولاً قانون النصاب في عام 1923 وأعقبته بقانون جونسونفي عام 1924، حيث لم يكن يُسمَح ـ بحسب هذا القانون ـ إلا بهجرة ما يساوي نسبة 2% من عدد أعضاء كل جماعة قومية تعيش في الولايات المتحدة وفق إحصاء عام 1890. وقدعُرِّفت المجموعة القومية بنسبتها إلى البلد الأم وليس بنسبتها إلى الانتماء الدينيأو الإثني. وكان العدد المسموح له بالهجرة من شرق أوربا وروسيا هو 10.341 مقابل نحو 50 ألفاً عام 1924 و153.748عام 1906. وكانت أعداد المهاجرين في تلك الفترة كما يلي:

1925 - 10.292)
مهاجر ) ( 1926 - 10.267مهاجر ) ( 1927 -11.483 مهاجر)
1928 - 11.639)
مهاجر ) ( 1929 - 12.479مهاجر ) ( 1930 -11.526 مهاجر)
1931 - 119.692)
مهاجر ) ( 1932 - 2.755مهاجر ) ( 1933 -2.372 مهاجر)

أيأن الهجرة بلغت الحد الأقصى المسموح به حتى عام 1930. وهكذا، فبعد أن كانت الولاياتالمتحدة تستوعب 85% من جملة المهاجرين اليهود في الفترة من عام 1881 إلى عام 1914،انخفضت النسبة إلى 25% في الفترة من عام 1926 إلى عام 1930، وقد أغلق كثير منالبلاد أبوابه. وكما يقول روبين، أصبحت معظم البلاد مُغلَقة أمام المهاجرين عام 1933، ولم يبق أمامهم سوى فلسطين (المُستعمَرة)، بمعنى أن الدول الغربية خلقتصهيونية بنيوية، أي بنية قانونية وظروفاً موضوعية تفرض على اليهود الهجرة إلىفلسطين شاءوا أم أبوا. وبالفعل، قفز عدد المهاجرين الاستيطانيين من 4000 عام 1931إلى 12.553 عام 1932 وإلى 37.337 عام 1933. ولذا، يمكننا القول إن عنصر الطردمن الولايات المتحدة وليس الجذب إلى أرض الميعاد هو الذي حدد مسار الهجرة. ومع هذا،يُلاحَظ أن الفترة من عام 1926 إلى عام 1930، حيث كانت أبواب أمريكا اللاتينية أكثرانفتاحاً، هاجر إليها 72.387 من مجموع المهاجرين اليهود البالغ عددهم 172.908 (أي 42%) ولم يهاجر في الفترة نفسها سوى 10.179 إلى فلسطين.

ورغم تَبَاكي الدولالغربية على مصير اليهود، فإن معظمها أوصدت أبوابها دونهم.كما أن المنظماتالصهيونية كانت تؤيد هذا الموقف انطلاقاً من العقيدة الصهيونية التي تدعو إلى توطيناليهود في فلسطين وفلسطين فقط.ومن هنا، كانت جهود الصهاينة المكثفة من أجل إفشالمؤتمر إفيان لحل مشكلة اللاجئين والمهاجرين ورَفْض أية عروض لتوطين اليهود خارجفلسطين لخَلْق ما سميناه «الصهيونية البنيوية». وفي الفترة من عام 1933 حتى عام 1948،والتي يمكن أن تُسمَّى المرحلة النازية،بلغ عدد المهاجرين من ألمانيا النازيةوالبلاد التي يهيمن عليها النازيون،والمهاجرون من كل أوربا 540 ألفاً، بخلاف عشراتالألوف من اليهود الذين هجَّرهم الاتحاد السوفيتي إبان الحرب لإنقاذهم، وعشراتالألوف الذين لجأوا إلى الاتحاد السوفيتي فراراً من النازي. وقد هاجر 250 ألفاً (أي 46%) منهم إلى فلسطين بسبب سياسة إغلاق الأبواب، وهاجر الباقون وهم 290 ألفاً إلىبلاد أخرى أهمها الولايات المتحدة التي هاجر إليها 110 آلاف (أي 20%). وهاجر فيالفترة من عام 1940 إلى عام 1948 نحو 300 ألف يهودي، منهم 120 ألفاً (أي 40%) إلىفلسطين. والباقون، وهم 180 ألفاً (أي 60%)، هاجروا إلى بلاد أخرى أهمها الولاياتالمتحدة التي هاجر إليهــا 125 ألفاً (أي 42%). وهكذا أصبحت الولايات المتحدة، مرةأخرى، بلد الجذب الأكثر، حتى أثناء سنى الحرب والإبادة النازية. ويمكننا أن نقول إنالمُستوطَن الصهيوني لم يشكل ملجأ ليهود أوربا، فمن مجموع 750 ألف مهاجر (ويمكن أننضيف إليهم مئات الألوف من المهاجرين إلى الاتحاد السوفيتي) لم يهاجر إلى فلسطينسوى 370 ألفاً، أي أن مسار الهجرة لم يتجه إلى فلسطين رغم شراسة الصهيونية البنيويةولا إنسانيتها.

وفيما يلي جدول بعدد المهاجرين ونسبهم المئوية - حسبالموسوعة اليهودية - بين عامي 1881 و1948.
الولايات المتحدة من 1881 - 1914عدد المهاجرين 2.040.000 بنسبة 85% ومن 1915 - 1948عدد المهاجرين 650000بنسبة 41%
كندا من 1881 - 1914 عدد المهاجرين150000بنسبة 4% ومن 1915 - 1948عدد المهاجرين 60000بنسبة 4%
الارجنتين من 1881 - 1914 عدد المهاجرين 113000 بنسبة 5% ومن 1915 - 1948عدد المهاجرين115000بنسبة 7%
بقية امريكا الاتينية من 1881 - 1914عدد المهاجرين 14000بنسبة 0.6% ومن 1915 - 1948عدد المهاجرين140000بنسبة 9%
جنوب افريقيا من 1881 - 1914 عدد المهاجرين 43000 بنسبة 2% ومن 1915 - 1948عددالمهاجرين25000بنسبة 1.6%
فلسطين من 1881 - 1914 عدد المهاجرين 70000 بنسبة 3% ومن 1915 - 1948عدد المهاجرين485000بنسبة 30%
بلاد اخرىمن 1881 - 1914 عددالمهاجرين 15000 بنسبة .6% ومن 1915 - 1948عدد المهاجرين125000 بنسبة 8%
مجموعالمهاجرين من 1881 -1914 ( 2400000 مهاجر)
مجموع المهاجرين من 1915 - 1948 ( 1600000مهاجر)

والجدول هنا يبيِّن أن الولايات المتحدة هي بلد الهجرة بلا منازع أو منافس. وتشغل الأرجنتين وكندا المرتبتين الثانية والثالثة، ولا تأتي فلسطين إلا في المرتبة الرابعة - وهي مرتبة رابعة تَجاوُزاً لأن مجموع عدد المهاجرين إليها يظل أقل كثيراً من مجموع عدد المهاجرين إلى بلاد الاستيطان الأخرى. أما في الفترة من 1915 إلى 1948، فإن الولايات المتحدة كانت لا تزال تشغل المرتبة الأولى وكانت فلسطين تشغل مرتبة ثانية قريبة من المرتبة الأولى. ومن الطريف أن مجموع عدد المهاجرين إلى أمريكا اللاتينية وكندا خلال الفترتين يساوي تقريباً عدد المهاجرين إلى فلسطين. ولكن أحد المصادر الأخرى يذهب إلى أن عدد المهاجرين إلى أمريكا اللاتينية وحدها، من عام 1881 حتى عام 1948، يعادل مجموع عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين خلال الفترة نفسها. وإذا استبعدنا الولايات المتحدة، وعقدنا مقارنة بين عدد المهاجرين إلى فلسطين من جهة وبقية بلاد العالم من جهة أخرى، لوجدنا أن عدد المهاجرين إلى فلسطين هو 555 ألفاً مقابل 682 ألفاً هاجروا إلى بقية بلاد العالم، أي أن عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين أقل من عدد المهاجرين إلى بقية البلاد. وحتى في الفترة من عام 1915 إلى عام 1948، وهي الفترة التي شهدت قمة النشاط الصهيوني، حيث فتحت حكومة الانتداب أبواب فلسطين أمام الهجرة الاستيطانية، وحيث أغلقت بلاد العالم الحر أبوابها دون المهاجرين اليهود وغير اليهود، كان عدد المهاجرين إلى فلسطين 485 ألفاً مقابل 465 ألفاً للبلاد الأخرى فيما عدا الولايات المتحدة. وكل هذه الإحصاءات تبيِّن أن فلسطين ليست نقطة الجذب لليهود كما تدَّعي الأدبيات الصهيونية وأن الحركة الصهيونية لم تُحرز نجاحاً فيما كانت تهدف إليه. ويُلاحَظ أن جميع البلاد التي يهاجر إليها اليهود هي بلاد شهدت تجارب استعمارية استيطانية أسسها الرجل الأبيض. ومن ثم، فإن الهجرة اليهودية ليست ظاهرة يهودية بمقدار ما هي جزء من الظاهرة الاستعمارية الاستيطانية الغربية.