حركـــة الكنعانيــــــــين
Canaanite Movement; Semitic Action
«حركة الكنعانيين» حركة سياسية ثقافية ذات نظرة خاصة لمايُسمَّى «التاريخ اليهودي». بدأت نشاطها في الأربعينيات في فلسطين. وينطلق دعاتهامن أسطورة مفادها أن اليهود عندما عادوا من مصر إلى أرض كنعان لم يجدوا قبائلمعادية لهم أو مختلفة عنهم من الناحية العرْقية، وإنما وجدوا شعباً يتكلم العبريةويُشبههم في الملامح والخصائص البدنية، ولذلك فإن اليهود أو العبرانيين ليسوا إلاكنعانيين وما الإسرائيليون المحدثون سوى «الكنعانيين الجدد»، وبهذا تكون للأمةالإسرائيلية الجديدة جذور راسخة في الأرض الفلسطينية، وهي جذور تمتد إلى العبرانيينالقدامى قبل أن تنتشر بينهم اليهودية، وهم بهذا يؤكدون وحدة الشعب الإسرائيلي وتربةفلسطين، أو كما يقول يتسوري (الذي اشترك في اغتيال اللورد موين في القاهرة عام 1934): « نحن لسنا صهاينة، نحن الأبناء الطبيعيون لتربة إسرائيل».

وعن طريقتأكيد هذه الوحدة، يُسقط الكنعانيون من حسابهم تراث يهود الدياسبورا (أعضاءالجماعات اليهودية في العالم) بل والتراث اليهودي كله، فيهود الدياسبورا ـ حسبتَصوُّرهم ـ ليست لهم أية سمات قومية متميِّزة، فلغتهم وأنماطهم الثقافية وجنسيتهمأو مواطنتهم، تنتمي جميعاً إلى البلدان التي يعيشون فيها، فهم من البولنديين أوالإنجليز أو الأمريكيين، ولهذا السبب فإن لهم أثراً ضاراً على الإسرائيليين لأنهميعوقون تَطوُّر الأمة العبرانية الجديدة. وهذه الأمة الجديدة تتكون من كل المولودينفي إسرائيل، حتى ولو كانوا مسلمين أو مسيحيين، شريطة أن يَتقبَّلوا الهويةالكنعانية الجديدة.

ويمكن القول بأن فكر حركة الكنعانيين هو تعبير عن وجهةنظر إسرائيلية تختلف عن وجهة النظر الصهيونية، فهو تعبير متطرف عن إحساس جيلالصابرا باختلافهم عن يهود العالم وانفصالهم النفسي والثقافي والعرْقي عنهم. ولعلأهم نقط الاختلاف بين وجهتي النظر تتلخص في محاولة الكنعانيين التملص من التصورالصهيوني لما يُسمَّى «الشعب اليهودي» و«القومية اليهودية» ذات الأبعاد الدينيةالقومية، فالكنعانيون يحاولون إضفاء شيء من السواء على الظاهرة الإسرائيلية عن طريقإلغاء الجانب الديني من المقدَّسات القومية الإسرائيلية والإبقاء على الجانب القوميوحده، آملين أن يتحوَّل النمط الإسرائيلي عن طريق ذلك إلى نمط قومي عادي يشبه بقيةالأنماط القومية المعروفة، أي أن فكرة الشعب المختار صاحب الحقوق المطلقة وموضعالحلول الإلهي والذي يضم اليهود أينما كانوا تحل محلها فكرة الشعب الإسرائيليالموجود في الشرق الأوسط في فلسطين والذي له حقوق قومية عادية. وإذا كان المفكرالصهيوني يتباهى عادةً بأن الشعب اليهودي لا يُصنَّف، فإن الكنعانيين يؤكدون أنهمأمة مثل كل الأمم. ويؤمن الكنعانيون بأن أمامهم بديلين لا ثالث لهما: إما أن يكونواآخر اليهود أو أن يكونوا بداية لأمة جديدة (على حد قول بيرديشفسكي) وهم يفضلونالبديل الثاني. ولذلك فالكنعاني يؤمن بأن الدولة الجديدة هي نهاية المنفى والجيتوبل ونهاية اليهودية ذاتها، وأن أية سمات «يهودية» للدولة الجديدة هي سمات متخلفةورواسب من الماضي الميت، وأن على الإسرائيليين أن يخلقوا حضارة جديدة مستقلة تماماًعن التراث اليهودي ومرتبطة بحضارة الشرق الأدنى القديم (ولذلك كانوا يطالبون بعبادةعشتروت زوجة الإله بعل الكنعاني). وفكر الحركة الكنعانية متأثر ببيرديشفسكي وأفكارهالكونية وبالنزعات النيتشوية الفلسفية، وزعيم الحركة هو الكاتب يوناثان رطوش (اسمهالحقيقي: أويل هالبرين شيلا)، ومن بين أعضائها الكاتب آهارون أمير وبنيامين تموز. ورغم أن هذه الحركة لا تؤثر بأي شكل في الحياة السياسية في إسرائيل، فإن لها بعضالأثر في الحياة الثقافية. كما أنها تُعبِّر عن مدى الأزمة التي يعيشها الوجدانالإسرائيلي وعن محاولة الإسرائيلي أن يتعامل بشكل ما مع الواقع الغريب الذي يحيطبه. وقد انحلت حركة الكنعانيين، وحلت محلها حركة العمل السامي (نسبة إلى الجنسالسامي)، والتي اختفت بدورها وحلت محلها جماعة «هاعولام هازه/قوة حاداش» (هذاالعالم/القوة الجديدة).

ويبدو أن الكنعانيين لم يختفوا تماماً، إذ أنهمعاودوا الظهور عام 1969 وطالبوا بتجنيد العرب في الجيش الإسرائيلي، وتعليمهم اللغةالعبرية باعتبارهم عبرانيين، وتحقيق المساواة بينهم وبين العبرانيين، وإلغاء كلالمزايا التي يتمتع بها المواطنون اليهود لكونهم يهوداً. كما نادوا بضرورة إنشاءجيش قوي والاحتفاظ بالأراضي المحتلة، وتصعيد الهجرة اليهودية، وزيادة نسبةالمواليد، وإنشاء علاقات قوية مع الأقليات الأخرى في المنطقة مثل الأكراد والدروز. وطالبوا أيضاً بإنشاء فيدرالية تضم إسرائيل وجبل الدروز والموارنة في لبنان.

ورغم اختلاف الكنعانيين مع الصهاينة في محتوى تفكيرهم، فإن ثمة تشابهاًطريفاً بينهم من الناحية البنيوية. فكلا الفريقين يلغيان المنظور التاريخيويُبسِّطان التاريخ ويختزلانه ويحولانه إلى أسطورة تخدم أهواء الحركة وبرنامجهاالسياسي وتُسهِّل لها التعامل مع الواقع دون مجابهته، كما أن كلاًّ من الفريقينيقابل الوجود الفلسطيني مسلحاً بأسطورته الاختزالية المُسبَقة.