ســليمان أبنايـــس (ابــن عايـــش) (1520-1603)
Solomon Abenaes (Aben-Ayesh)
رجل دولة من يهود المارانو. وُلد في البرتغال تحت اسم الفارو منديز، وحقق ثروة من خلال استغلال مناجم الماس في الهند، ثم عاد إلى أوربا حيث حصل على لقب فارس سانتياجو، وعاش متنقلاً بين مدريد وفلورنسا وباريس ولندن. وعندما استولت إسبانيا على البرتغال عام 1580، تَبنَّى أبنايس (أصلها بالعربية: ابن عايش) قضية دوم أنتونيو المطالب بعرش البرتغال، وكان من أشد وأنشط مناصريه. وفي عام 1585، استقر في تركيا وعاد ليُظهر يهوديته متخذاً اسم سليمان (أبنايس). وقد نجح في اكتساب مكانة مهمة في البلاط العثماني بفضل ثرائه وعلاقاته واتصالاته الواسعة، وخصوصاً شبكة المعلومات المتطورة والمحكمة التي كانت تتبعه في أوربا والتي استفادت منها الدولة العثمانية خير استفادة. وقد مُنح أبنايس حق جباية عائدات الجمارك، كما عُيِّن دوقاً لإحدى جزر بحر إيجة.

وقد كرس أبنايس مجهوداته لإقامة تَحالُف تركي بريطاني مضاد لإسبانيا تأييداً لمطالب دوم أنتونيو بعرش البرتغال. وساهم هذا التحالف بالفعل في وقف تَوسُّع القوة الإسبانية خلال أواخر القرن السادس عشر. وقد استعان أبنايس في ذلك بجماعة يهود المارانو في إنجلترا وعلى رأسهم هكتور نونييز وطبيب الملكة رودريجو لوبيز الذي كان أيضاً صهره. وقد وضع أبنايس خطة جريئة لاستيلاء دوم أنتونيو على عرش البرتغال مفادها أن يضع يده على مستعمرات البرتغال في الهند ثم يبحر على رأس قوات ضخمة للاستيلاء على البرتغال. لكن هذه الخطة لم تنجح واختلف أبنايس ودوم أنتونيو، فتخلى أبنايس عنه، واتهمه دوم أنتونيو بالخيانة. ودخل الاثنان في مواجهة تخللتها المكائد والمؤامرات لعب فيها بعض اليهود المنافسين لأبنايس في إستنبول دوراً كبيراً، كما أرسل أبنايس إلى ملكة إنجلترا ممثلين عنه لتوضيح موقفه. ولم يتأثر مركزه حتى بعد اتهام صهره رودريجو لوبيز بمحاولة دس السم للملكة إليزابيث.

وقد نجح أبنايس، عقب مجيئه إلى تركيا، في الحصول على ولاية طبرية التي كانت ممنوحة ليوسف ناسي من قبله والذي كان أيضاً مستشاراً يهودياً في البلاط العثماني.

صمــويل بالاشـي (؟ -1616(
Samuel Palache
دبلوماسي مغربي يهودي، وُلد لعائلة من اللاجئين اليهود الإسبان الذين استقروا في المغرب وحققوا مكانة مرموقة بها. كان صمويل وشقيقه يوسف من كبار المستشارين الماليين في المغرب، وقد اختارهما سلطان المغرب للقيام بمهمة التفاوض مع ملك إسبانيا. وفي إحدى زياراتهما لإسبانيا اتهمتهما محاكم التفتيش بتشجيع المارانو على الرحيل عن إسبانيا والعودة إلى اعتناق اليهودية، وهو ما اضطرهما إلى الاختباء في بيت السفير الفرنسي قبل أن ينجحا في الفرار من إسبانيا بعد ذلك بقليل. وفي عام 1608، قام سلطان المغرب بتعيين صمويل سفيراً للمغرب في أمستردام. وقد كان صمويل أول يهودي يستقر في هولندا بشكل علني وينجح في الحصول على إذن يسمح باستيطان اليهود بها. كما انعقد أول منيان (النصاب اللازم لإقامة الصلاة اليهودية) في أمستردام في بيته، ويُقال إنه ساهم أيضاً في بناء أول معبد يهودي في هولندا. وفي عام 1610، تولَّى صمويل إجراء المفاوضات التي انتهت بإبرام أول معاهدة تحالف بين دولة مسيحية (هولندا) ودولة إسلامية (المغرب). وفي عام 1614، قام صمويل بإذن من السلطان المغربي بقيادة أسطول مغربي صغير واستولى على عدد من السفن الإسبانية وأخذ حمولتها الثمينة حيث كانت إسبانيا والمغرب آنذاك في حالة حرب. وفي أعقاب ذلك، نجح السفير الإسباني لدى إنجلترا (أثناء وجود صمويل بها) في إقناع السلطات البريطانية بإلقاء القبض عليه بتهمة القرصنة وكذلك بتهمة الارتداد عن المسيحية والرجوع لاعتناق اليهودية، وطالب السفير الإسباني بتنفيذ عقوبة الإعدام فيه. وقد أثار ذلك احتجاج هولندا والمطالبة بالإفراج عنه. وفيما بعد قُدِّم صمويل للمحاكمة ولكنه بُرِّىء حيث استند دفاعه إلى أنه رعية مغربية في خدمة السلطان المغربي وفي حالة حرب مع إسبانيا. وقد عاد صمويل بعد ذلك إلى هولندا وقام بالهجوم على سفينة إسبانية في بحر المانش والاستيلاء على حمولتها انتقاماً من إسبانيا. وتُوفي صمويل في هولندا وأُقيمت له جنازة كبيرة.

والواقع أن ارتباط يهودي مثل بالاشي بالمغرب وبالتراث المغربي الإسلامي قد يبدو غريباً في العصر الحديث، ولكنه كان أمراً مألوفاً في الماضي، إذ كانت أوربا تنظر إلى اليهودي باعتباره عميلاً للمسلمين العرب. بل يُقال إن جذور معاداة اليهود (أو معاداة السامية) تعود إلى هذا التوحد بين اليهود والعرب المسلمين في الوجدان الغربي.

باســيفي التروينبرجـي (يعقـوب بــن صمـويل) (1570-1634)
Bassevi of Treuenberg (Jacob ben Samuel)
من يهود البلاط في براغ، وأول يهودي في أوربا خارج إيطاليا يُرفَع إلى طبقة النبلاء. كما كان من أبرز يهود البلاط العاملين في مجال سك العملات، وهو مجال زادت أهميته بشكل كبير في خلال فترة حرب الثلاثين عاماً (1618 ـ 1648). وتُعتبَر هذه الحرب بداية تَخصُّص المموِّلين والتجار اليهود في مجال تمويل الحروب وتموين الجيوش في أوربا، وهو ما ظل حكراً على بعض أعضاء الجماعة اليهودية لمدة قرن من الزمان، وذلك بفضل تراثهم التجاري وخبراتهم المالية وعلاقتهم الدولية المتشعبة التي أهلتهم لمثل هذا الدور.

وقد شكل باسيفي، بالتعاون مع أمير ليختنشتاين ووالنشتاين قائد الجيوش الإمبراطورية، اتحاداً مالياً لسك وإصدار العملات النقدية المغشوشة، إذ أن قيمتها الحقيقية أقل من القيمة المسكوكة عليها وذلك لسد احتياجات الإمبراطور لتمويل نفقات الحرب.

وقد قدَّم باسيفي خبراته المالية للاتحاد، وتولى شراء الفضة اللازمة من الخارج. ومقابل خدماته للاتحاد رُفع إلى طبقة النبلاء، وسُمح له بحرية الاتجار في جميع أنواع السلع، وبحرية الإقامة في أي مكـان، وهو ما كان محظــوراً على يهـود الإمبراطورية النمـساوية. إلا أن ما تَرتَّب عليه نشاط الاتحاد من خفض حاد لقيمة العملة وتزايد التضخم، أدَّى إلى تزايد سخط الجماهير والذي انصب بصفة خاصة على باسيفي. وبعد وفاة أمير ليختنشتاين، اتخذت السلطات إجراءات ضد أعضاء الاتحاد السابقين وتم القبض على باسيفي عام 1631 والاستيلاء على ممتلكاته. إلا أن مساعي والنشتاين نجحت في الإفراج عنه. وبعد وفاته بعامين، اعتُبرت جميع الامتيازات التي نالها في حياته باطلة.

صـمويــــل أوبنهايمــر (1635-1703(
Samuel Oppenheimer
من أشهر يهود البلاط. كان يعمل متعهد مؤن وجامعاً للضرائب في إحدى الإمارات الألمانية، ثم انتقل إلى فيينا حيث حصل على حق الإقامة الدائمة فيها وعلى امتيازات تجارية غير محدَّدة. ولذا، سُمح له هو وتابعوه بالبقاء فيها حينما طُرد يهود فيينا عام 1670.

عمـل أوبنهايمر مدة أربعة وعـشرين عامـاً بعد ذلك كيهودي بلاط، فقام بتزويد الجيوش النمساوية والألمانية بالمؤن. واستخدم شبكة الاتصالات التجارية اليهودية بكفاءة، وأثناء الحرب بين النمسا وفرنسا (1673 ـ 1679) عهد له الإمبراطور ليوبولد الأول بتزويد كل الجيش النمساوي على نهر الراين بما يحتاج إليه من مؤن. وحصل أوبنهايمر على العقد الوحيد لهذه المهمة، فأرسل وكلاءه عبر جنوب ألمانيا للحصول على القمح وعلف الماشية وملابس الجنود، وعلى أحصنة وبارود وذخيرة من التجار اليهود في فرانكفورت. كما اشترى سلعاً أخرى من هامبورج وأمستردام من وكيله موسى جومبيريز الذي كان من كبار المموِّلين السفارد. كما بنى كباري من الطوف (عوامات مطاطية) لنقل البنادق والأحصنة والجند.

وقد ارتبط نفوذ أوبنهايمر تماماً بحالة الحرب. ولذا، تناقص نفوذه مؤقتاً حينما وُقِّعت اتفاقية سلام بين النمسا وفرنسا عام 1679، فرفضت الخزانة النمساوية أن تدفع له ما عليها من ديون. فقدَّم التماساً إلى الإمبراطور ولكن لم يدفع له سوى جزء صغير من الديون، ثم اتُهم هو وحاشيته بالغش والسرقة. ولكنه اشترى براءته في نهاية الأمر، كما اسـترد نفـوذه مـرة أخرى مع انـدلاع الحرب بين النمسـا وتركيا عام 1682. وقد قام أوبنهايمر أثناء حصار الأتراك لفيينا بتنظيم خطوط الإمداد. وبعد رفع الحصار، عُهد إليه بتدبير المؤن لقوات النمسا المتقدمة إلى المجر. وقد وصل نفوذه إلى قمة ازدهاره إبَّان حرب التسعة أعوام (1689 ـ 1698) حيث تولى توريد مؤن الجيوش النمساوية التي كانت تحارب ضد الفرنسيين. ولم يقم أوبنهايمر بتوفير الضروريات وحسب، بل إنه زود الضباط بالخمور التي يحتاجون إليها، والجنود بالتبغ، كما زوَّد البلاط في فيينا بالنبيذ والتوابل والمجوهرات وأردية سائقي المراكب الملكية والخدم. وقد احتكر أوبنهايمر كل عقود تزويد الجيش بالمؤن والأسلحة والذخائر، وأصبح متعهد المؤن العسكرية الوحيد للنمسا، وكان جزء كبير من دخل الخزانة النمساوية يُدْفَع نظير خدماته.

ومرة أخرى، تناقص نفوذ أوبنهايمر في عام 1698، عند نهاية الحرب، ولم يعد الإمبراطور في حاجة إليه. فهاجمت الجماهير الساخطة قصره ودمرت أروقته عام 1700. وعند موته عام 1703، كانت الخزانة الملكية مدينة له بمبالغ كبيرة، فأعلنت الدولة أن الدين ملغي تماماً. ولكن يهود البلاط قاموا في عدة إمارات ألمانية بتحريض الأمراء للضغط على الإمبراطور لدفع الديون. وقامت هولندا بممارسة الضغط أيضاً حتى يرد الإمبراطور المبالغ التي اقترضها أوبنهايمر من أمستردام. وفي نهاية الأمر، سوِّيت الأمور وعُيِّن مكانه وريثه عمانوئيل أوبنهايمر، فقام بتزويد القوات النمساوية بالمؤن خلال حرب النزاع على العرش الإسباني وبعدها. ولكنه لم يصل إلى مكانة صموئيل قط.

ويُعزَى نجاح صموئيل أوبنهايمر إلى قدراته التنظيمية وشبكة الاتصالات التي أسسها، والتي كانت تضم مقاولين ومقاولين من الباطن وكان من بين هؤلاء يهود بلاط في إمارات مختلفة. وقد كان صموئيل متزوجاً من ابنة يهودي سفاردي من مانهايم، وتزوَّج ابنه من ابنة ليفمان بيريز شريكه الذي كان من كبار المموِّلين. وكانت تتبع أوبنهايمر حاشية من المساعدين والوكلاء الذين كانوا موجودين في كل المراكز المالية والتجارية في أوربا، وكان غريمه سامسون فرتايمر واحداً منهم في وقت من الأوقات.