وأثناء محاكمات نورمبرج، صرح جوليوسسترايخر بوجوب محاكمة لوثر بدلاً منه لأن كل ما قاله هو عن اليهود قاله لوثر منقبله، وإن كان بشكل أكثر تطرفاً وحدة. ومن الأمور الجديرة بالتأمل أن ألمانيا هيبلد الإصلاح الديني أي البلد الذي فك الحلول الإلهي (النعمة) من الكنيسة وأطلقعقاله ليفيض على كل الدنيا وكل الناس فيتوحدوا بالإله. وبلد لوثر هو أيضاً البلدالذي ظهر فيه هيجل صاحب المنظومة الحلولية المتطرفة التي تصل إلى مرحلة وحدة الوجودالتاريخية أو مرحلة نهاية التاريخ، وهو أيضاً بلد نيتشه الذي اكتشف أن وحدة الوجودتؤدي إلى موت الإله، وهو أخيراً بلد هتلر الذي نصب نفسه إلهاً يحكم بلده في إطار منالحلولية بدون إله.

ومع هذا، يُلاحَظ أن موقف الكنيسة اللوثرية من اليهودأثناء الفترة النازية يختلف باختلاف البلد والانتماء السياسي، فالأوساط المحافظةكانت تؤيد النازيين في حين وقفت العناصر الليبرالية ضدهم. وبينما كان موقف الكنيسةفي ألمانيا ممالئاً للنازيين، وقفت الكنيسة اللوثرية ضدهم في السويد والدنمارك. بلإن بعض كبار المفكرين اللوثريين الألمان تنبهوا إلى العلاقة الوثيقة بين فكرة الشعبالواحد الصهيونية، والأفكار النازية التي تُقدِّس التراث القومي. وفي عام 1982،عُقد مؤتمر بمناسبة مرور خمسمائة عام على مولد لوثر وحضره ممثلون عن الكنائساللوثرية، وأعلن الحاضرون فيه رفض أفكار مؤسس الكنيسة اللوثرية المتصلة باليهود.

ولا يتسم موقف المفكر الديني البروتستانتي جون كالفن (1509 ـ 1564) بهذاالوضوح والعنف، فلم تكن لديه علاقة كبيرة بأعضاء الجماعات اليهودية سواء في فرنساأو سويسرا. ومع هذا، فقد كتب كالفن كتيباً أخذ شكل حوار بين يهودي ومسيحي يحاول كلمنهما أن يدافع عن عقيدته ويدحض عقيدة الآخر.

ولكن أثر كالفن في أعضاءالجماعات اليهودية يظهر بشكل غير مباشر، فقد أباح كالفن الربا، وهو ما أسبغ شرعيةعلى أحد النشاطات الاقتصادية الأساسية للجماعات اليهودية. كما أن البروتستانتيةالكالفنية التي ابتدعها كالفن، والتي سيطرت على معظم العالم الأنجلو ـ ساكسوني،ساهمت في ظهور الرأسمالية حسب أطروحة ماكس فيبر. وهو الأمر الذي ترك أثراً عميقاًفي اليهود. وقد كان اهتمام كالفن بالعهد القديم بالغاً، كما ركز تركيزاً قوياً علىالنزعة القانونية والتقيد الحرفي والمفرط بالقانون. ومن هنا كان قربه من روحالعقيدة اليهودية واتهامه، مثل كثير من المفكرين البروتستانت الأوائل، بأنه يهوديأو من دعاة التهويد. وثمة صدى لهذا الاتهام حتى في كتابات ماركس الذي وصف سيطرةالبورجوازية على المجتمع بأنها عملية تهويد له.