دوروثيــا شــليجـل (1764 – 1839(
Dorothea Schlegel
كبرى بنات موسى مندلسون، تزوجت في سن العشرين من المصرفي الألماني سيمون فيت (من أسرة فيت الشهيرة في عالم المصارف) وأنجبت منه أربعة أولاد، وكان ينعقد فيمنزلها واحد من أشهر الصالونات الأدبية. وقد صوَّرها الفيلسوف والكاتب الرومانسيالألماني فريدريش فون شليجل (1772 - 1829 ) في روايته التي لم يكملها لونسيد علىأنها المثل الأعلى للمرأة. وتقبلت دوروثيا مبدأه الخاص بالحب الحر (أي ممارسة الجنسبلا أية حدود أو قيود أخلاقية) وذهبت وعاشت معه وكتبت رواية رومانسية تحت تأثيره (وتحت تأثير جوته) تُسمَّى فلورنتين كما ترجمت رواية مدام دي ستايل كورنين. وفي عام 1802، تنصَّرت على المذهب البروتستانتي، وبعد ستة أعوام تكثلكلت مع شليجل، وعندهاتزوجا زواجاً شرعياً واستقرا في فيينا حيث أصبح منزلهما مركزاً اجتماعياً وثقافياً. وقد أقنعت ابنيها فيليب وجوناس بأن يتكثلكا، وعاشت بقية حياتها مع ابنها فيليب فيفرانكفورت.

وحياة دوروثيا شليجل حياة مثيرة، ولكنها مع هذا تنتمي إلى نمطآخذ في الشيوع وهو نمط اليهودي غير اليهودي.وإذا كان الجيل الأول هو موسى مندلسونالذي بدأ يترك عالم اليهودية الحاخامية وراءه، فإن ابنته بدأت تُسرع الخطى نحو عالمأوربا للحصول على تأشيرة دخول فتنصَّرت،ومع الجيل الثالث يصبح التنصُّر حدثاًعادياً. ولذا تنصَّر كل أولاد مندلسون وتيودور هرتزل.كما أن صالونها الأدبي تعبيرعن الظاهرة نفسها،أي رغبة كثير من أعضاء الجماعات اليهودية في أن يتركوا عالمهماليهودي لينضموا لعالم الأغيار، فكان الصالون هو الأرضية التي يلتقون فيها بأقرانهممن الأغيار.

راحـيل فارنهاجـن (1771-1833(
Rahel Varnhagen
سيدة صالون ألمانية وُلدت لعائلة يهودية ثرية في برلين، واسمها الأصلي راحيلليفاين. نشأت راحيل في بيئة يهودية أرثوذكسية، ولكنها كانت تخجل من أصلها اليهوديالذي اعتبرته «كالخنجر الذي غُرس في قلبها » وسعت للهروب منه. وقد تنصَّر أخوها بعدوفاة والدهما، ولم تمانع راحيل، هي الأخرى، فكرة التنصُّر، ولكنها لم تقدم على ذلكبسبب اعتمادها مالياً على والدتها. وأتاحت لها خطبتها لنبيل بروسي الدخول في دائرةالأرستقراطية الألمانية. وبرغم أن هذه الخطبة فُسخت بعد أربع سنوات بسبب رفض عائلةالنبيل الألماني زواجه من يهودية، إلا أن بيتها كان قد تحوَّل إلى ملتقى للأدباءوالمفكرين والسياسيين وغيرهم من الشخصيات اللامعة آنذاك يمثلون مختلف التياراتوالاتجاهات الفكرية والأدبية والسياسية. وكان من بين راود صالونها الأديب الألمانيالكبير جوته.

وفي عام 1801 خُطبت راحيل للمرة الثانية لسكرتير المفوضيةالإسبانية لدى بروسيا وفُسخت الخطبة مرة أخرى عام 1804. وفي عام 1810، اتخذت راحيلاسم روبرتس بدلاً من اسم ليفاين وهو نفسه الاسم الذي اتخذه أخوها بعد أن تنصَّر. وفي عام 1814، تزوجت من دبلوماسي بروسي يصغرها بأربعة عشر عاماً اسمه كارل أوجستفارنهاجن، واعتنقت المسيحية البروتستانتية. وبعد زواجها، تحوَّل بيتها مرة ثانيةإلى ملتقى للشخصيات الفكرية والسياسية، وغلب على صالونها هذه المرة الطابع السياسيحيث ضم كثيراً من المتعاطفين مع حركة ألمانيا الفتاة أمثال هنريش هايني. واكتسبتراحيل بفضل شخصيتها وذكائها إعجاب الكثيرين من رواد صالونها، وتمتعت بنفوذ واسع،وتعتبر راحيل إحدى ألمع السيدات اليهوديات الأوربيات في عصرها. وظلت راحيل طوالحياتها رافضة ليهوديتها، واعتبرتها نوعاً من البلاء ابتليت به وأحد أسباب تعاستها. ومع هذا، يُقال إنها اتجهت في أواخر أيامها لقبول أصلها اليهودي، ويبدو أن هذاالتحول بدأ عقب اندلاع مظاهرات معادية لليهود في ألمانيا أثار تعاطفها مع اليهود.

علْــــــم اليهوديـــــــــة
Wissenchaft des Judentums (Science of Judaism)
«علْم اليهودية» علم أسسه في القرن التاسع عشر المفكرون الألماناليهود ذوو التوجه العلماني والاهتمام التاريخي، بهدف دراسة اليهودية واليهوددراسةً تاريخية وعلمية لاكتشاف الخصوصية اليهودية. وكلمة «علم» ترجمة للكلمةالألمانية «فيزنشافت» وهي تشير إلى الدراسة المنهجية في العلوم الإنسانية والتاريخوالتي تتبنَّى طريقة علمية تعتمد كل وسائل البحث الدقيق وتنطوي على احترام الحقائقوالخصوصية التاريخية. ويُلاحَظ أن ثمة تناقضاً كامناً في الأهداف، فهي من ناحيةموضوعية متطرفة فيما يتعلق بناحية البحث العلمي، ولكنها ذاتية ذات قصد محدَّد فيمايتعلق بالبحث عن الخصوصية التاريخية. ويعود هذا التناقض الأساسي إلى ذلك التناقضالكامن في فكر حركة الاستنارة آنذاك. فهي حركة عقلانية تؤكد أهمية الموقف العلميوالموضوعي والتجريدي والحقائق العامة والعالمية. ولكن هناك أيضاً جانباً آخر وهوالجانب التجريبي الحسي الذي يؤكد أهمية التجربة المباشرة والخصوصية. ودعَّم ذلكظهور الحركة الرومانسية التي تهتم بالعاطفة والماضي واللون المحلي والخصوصيةوالتطور. وتأثر أعضاء النخبة المثقفة اليهودية بحضارتهم الغربية، فمندلسون مثلاًيرى أن اليهودية دين عام عقلاني ولكن شعائرها خاصة مقصورة على اليهود. ونتيجةًللتطور التاريخي، يُلاحَظ تناقص رقعة العام واتساع مساحة الخصوصية حتى تصبح هيالرقعة الأساسية بين أعضاء الجيل الثاني من دعاة التنوير اليهودي الذين دعوا منالناحية النظرية إلى دراسة اليهودية لاكتشاف الماضي وليس رفضه أو تقديسه.

وأحد الافتراضات الأساسية الكامنة وراء علْم اليهودية أن المؤسسات والأفكاراليهودية تطوَّرت بحسب قوانين تطوُّر المجتمعات التي وُجدت فيها، وأن هذه المؤسساتلم تكن أحسن أو أسوأ حالاً من أية مؤسسات اجتماعية أو ثقافية غير يهودية أخرى. ولكنهناك افتراضاً آخر يتناقض تماماً مع الأول وهو أن ثمة خصوصية يهودية تُعبِّر عننفسها من خلال هذه المؤسسات.

وينعكس هذا التناقض في أهداف علْم اليهوديةعلى النحو التالي:

1
ـ ستؤدي عملية اكتشاف اليهودية إلى اكتشاف جوهرهاالحقيقي، وبالتالي يمكن التخلص من التراكمات الخرافية التلمودية التي علقت بها. ومنثم يمكن القول بأن علم اليهودية هو جزء من حركة الإصلاح الديني اليهودي. وقد حاولهذا العلم أن يبين دنيوية وتاريخية التراث الديني اليهودي، أي أنه نتاج ظروفتاريخية محددة، وبالتالي نزع عنه أية قداسة أو مطلقية وهو ما فتح الطريق أمامإمكانية التحرر منه ورفضه واكتشاف سوابق تاريخية داخله تبرر الإصلاح. فعلى سبيلالمثال، تمكَّن ليوبولد زونز، من خلال الدراسة العلمية التاريخية، أن يبيِّن أن لغةالصلوات اليهودية لم تكن دائماً العبرية، ومن ثم لا يوجد أي مبرر للسلطات الألمانيةلأن تغلق معبداً يهودياً كانت تُقام فيه الصلوات بالألمانية على أساس أن هذا منافللتراث اليهودي كما ادعى اليهود الأرثوذكس، أي أن اليهودي أصبح بوسعه التحرر منقبضة تراثه الذي كان يكرس عزلته المقدَّسة وأن يندمج في مجتمعه. كما أن تدهوروتخلُّف المؤسسات اليهودية، وهي جزء من تشكيلات حضارية أكبر، لا يمكن أن يُستخدَممسوغاً للتمييز ضد اليهود باعتبار أن هذا التخلف جزء من كل أكبر غير يهودي. وإذاكان التخلف نتيجةً لاعتبارات تاريخية وبيئية، فإن من الممكن تجاوزه من خلال عمليةالإصلاح.

2
ـ ستؤدي عملية اكتشاف اليهودية إلى اكتشاف خصوصيتها وقوانينهاالعضوية. وسيؤدي اكتشاف الخصوصية إلى إظهار الشخصية اليهودية المستقلة وإنجازاتهاالحضارية، الأمر الذي سيعيد لليهود هويتهم واحترامهم أمام الشعوب الأوربية. كما أناكتشاف هذه الخصوصية سيقوي وعي اليهود بأنفسهم وتراثهم وهويتهم المستقلة ووعيهمبذاتهم القومية.

فكأن الهدف الثاني مناقض تماماً للهدف الأول. وقد اكتسبالهدف الثاني إلحاحاً غير عادي نظراً لتزايد انصراف الشباب من اليهود عن اليهوديةبعد حركة الإعتاق والدمج ونظراً لبعدهم عن تراثهم الديني بل احتقارهم اليهودية (وهذا أمر لم يكن مقصوراً على الشباب من اليهود فالموقف نفسه كان شائعاً بين كلشباب أوربا مع تزايد معدلات العلمـنة). وأدَّى كل ذلك إلى تراجُـع اليهـودية وإلىانصـهار اليهود، ومن ثم أصبح اكتشاف التراث ضرورة ملحة لوقف هذا التراجع وهذاالانصهار، أي أن هذه العملية كانت، من هذا المنظور، تصدياً لحركة الإصلاح الدينيولليهودية الإصلاحية. وبالتدريج، أصبح الهدف الأساسي من الاكتشاف ليس الدراسة وإنماتقديس التراث. وبالتالي، نجد أن علم اليهودية مرتبط باليهودية المحافظة. ومع هذا،كان لمفكري اليهودية الإصلاحية بعض الإسهامات في هذا الحقل (والفكر الديني الإصلاحياليهودي تعبير عن الجانب العقلي العقلاني في فكر حركة الاستنارة). ولم يكن منالممكن أن تنشأ حركة علم اليهودية من داخل المدارس التلمودية العليا (يشيفا)، حيثإن خريجي هذه المعـاهد الدينية لـم يكونوا مُعَـدِّين الإعـداد الثقـافي اللازملكتـابة دراسـات تاريخيــة أو اجتماعية في التراث الديني. ومن هنا نجد أن كلالمشتغلين في حقـل علـم اليهـودية من خريجـي المـدارس التي أسستها الحكومات الغربيةالتي كانت مقرراتها غير دينية أو مُختلَطة (أي دينية دنيوية).
وقد قامليوبولد زونز، وصديقه إدوارد جانز (1798 ـ 1839)، وهو قانوني من أتباع هيجل، وموسىموزر (1796 ـ 1838)، وهو تاجر مثقف، وآخرون، بتأسيس رابطة الثقافة اليهودية وعلماليهودية. وكان من أعضاء هذه الجماعة الشاعر هايني. وكانت الجماعة تهدف إلى اكتشافالثقافة اليهودية، ونشرها بين الشباب، وتشجيعهم على الاشتغال بالزراعة والحرفاليدوية والإنتاجية. وقد حُلَّت الرابطة عام 1824 بعد أن تنصَّر رئيسها جانز وتبعههايني. ولكنها، مع هذا، كانت قد أسست هذا النوع من الدراسة وجمعت تحت مظلتها كثيراًمن الدارسين، مثل: المؤرخ كروكمال والمؤرخ جرايتز وجايجر وفرانكل وصموئيل ولوتساتووستاينشنايدر وغيرهم. كما أصدرت حولية نشرت عشرات الدراسات المهمة. وتفرَّع علماليهودية إلى كثير من المجالات والموضوعات، مثل: نقد العهد القديم ودراسة التلمودوالأعمال الأدبية التي كتبها مؤلفون يهود والتاريخ والآثار والفلسفة الدينية. وكانيُشار إلى علم اليهودية في بعض بلدان أوربا بعبارة «الدراسات اليهودية»، أو بالكلمةاللاتينية «جودايكا».

وكان التركيز الأساسي على تاريخ الأفكار والأدب، حتىأصبح ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» تاريخ أفكار أساساً، في حين احتل التاريخالاقتصادي والاجتماعي مكاناً ثانوياً تحت تأثير الفلسفة الألمانية المثالية، كما أنالدراسات اليهودية كانت تحتوي على قدر كبير من الاعتذاريات.وأدَّت هذه الدراسات إلىتراكُم قدر كبير من المعلومات والحقائق عن التجارب التاريخية للجماعات اليهودية،وبالتالي ساهمت في الترويج لمفهوم وجود هوية يهودية تاريخية إثنية مستقلة.

واستمرت الدراسات العلمية لليهودية وأُسِّست كراسٍيّ في الجامعات وأنشئتمعاهد مستقلة لهذا الغرض. ولم يعد يُستخدَم مصطلح «علم اليهودية» في الوقت الحاضر،ويُستخدَم بدلاً منه مصطلح «الدراسات اليهودية».