جيرزي كوزينسكي (1933-1991(
Jerzy Kosinski
كاتب أمريكي يهودي، وُلد في مدينة لودز في بولندا، وكان والده أستاذاً مرموقاً في جامعة لودز. تعرَّض كوزينسكي، خلال الاحتلال النازي لبولندا، لتجارب مريرة وقاسية، وعاش متشرداً في الريف البولندي، وفَقَد القدرة على النطق لمدة 6 سنوات. وقد تركت تجاربه المؤلمة خلال فترة الحرب آثارها العميقة في نفسيته وشخصيته، انعكست في كتاباته التي غلب عليها الطابع المظلم والسوداوي. وتعبِّر روايته العصفور الملون عن جزء كبير من هذه التجارب.
عاش كوزينسكي في بولندا حتى عام 1957 حيث هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ونال درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة لودز عام 1953، ثم الماجستير في التاريخ عام 1955 من الجامعة نفسها، وعمل أستاذاً في معهد العلوم الاجتماعية والتاريخ الثقافي. وبعد هجرته إلى الولايات المتحدة، التحق بالدراسات العليا في جامعة كولومبيا في الفترة بين عامي 1958 و1965. وعمل محاضراً وأستاذاً زائراً وزميلاً لعدة جامعات ولعدد من مراكز الدراسات الأمريكية المرموقة.
ولكوزينسكي مؤلفات عديدة من أهمها إستبس، أي خطوات، التي نال عنها الجائزة القومية (الأمريكية) للكتاب عام 1969، ومن أشهر أعماله أيضاً أن تكون هناك Being There (1971) الذي تحوَّل إلى فيلم سينمائي كتب له كوزينسكي السيناريو ونال عنه عدة جوائز.
زار كوزينسكي بولندا عام 1988 لأول مرة منذ 31 عاماً، وأكد خلال زيارته على العلاقات التاريخية بين البولنديين واليهود، وأدان جميع أشكال التحيُّز سواء ضد البولنديين أو ضد اليهود. كما أن كوزينسكي، الذي يترأس الصندوق الأمريكي للبحوث البولندية ـ اليهودية، نجح خلال زيارته هذه في عقد اتفاق لإقامة مؤسسة للتراث البولندي ـ اليهودي في كازيميز، وهو الحي اليهودي القديم في كراكوف. وفي العام نفسه، كان كوزينسكي قد حوَّل شقته الصغيرة في نيويورك إلى مقر مؤسسة «برزنس»، وهي مؤسسة تعمل للحفاظ على ما يُسمَّى «التراث اليهودي».
زار كوزينسكي إسرائيل في عام 1988 أيضاً، وأثار الدهشة والاستياء عندما دافع عن معاملة البولنديين لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وهاجم فيلم «شواه» الذي يتناول أحداث الإبادة النازية (الهولوكوست)، حيث اعتبره فيلماً متحيِّزاً وغير عادل على الإطلاق. كما أعرب عن رفضه أن يظل يُعرَّف مدى الحياة باعتباره أحد الناجين من الإبادة النازية.
وقد تعرَّض كوزينسكي في أوائل الثمانينيات إلى بعض الاتهامات التي ألقت بظلالها على سمعته الأدبية، حيث ادعت مجلة فيليج فويس Village Voice على صفحاتها أن مساعدي كوزينسكي كتبوا أجزاء من كتبه، وأن أعماله الأولى المعادية للشيوعية كانت مموَّلة من المخابرات المركزية الأمريكية، وأنه اختلق بعض تفاصيل أحداث حياته.
وقد تركت هذه الاتهامات آثارها في كوزينسكي، كما أصابه الاكتئاب بعد الاستقبال الفاتر الذي قوبل به كتابه الأخير ناسك شارع 69 (1988) الذي كان بمثابة سيرة ذاتية في قالب روائي خيالي. وكان كوزينسكي يعاني كذلك من تدهوُّر صحته، الأمر الذي كان يعوقه عن العمل. ولعل كل هذه الأسباب مجتمعة هي التي أدَّت إلى انتحاره باستخدام أحد الأساليب التي أوصت بها جمعية هيملوك (السم)، وهي إحدى الجمعيات التي تدعو إلى القتل الرحيم لمن يشكو مرضاً عُضَالاً، وهو نفسه الأسلوب الذي استخدمه عالم النفس الشهير برونو بتلهايم للانتحار قبل كوزينسكي بعام واحد.
فيليـب روث (1933-)
Philip Roth
أهم روائي أمريكي يهودي، وُلد ونشأ في مدينة نيو آرك التابعة لولاية نيوجرسي لأسرة أمريكية يهودية بورجوازية مندمجة. وتدور قصصه حول الصراع الحاد الذي يدور داخل الأمريكيين اليهود بين ميراثهم اليهودي (اليديشي) من جهة، وجاذبية الحضارة الأمريكية (المسيحية) والعلمانية التي يعيشون فيها من جهة أخرى. أثارت أعمال روث جدلاً كبيراً، ولعل هذا يعود إلى صراحته غير العادية وإلى أن شخصياته اليهودية شخصيات كوميدية مريضة تكشف عن نفسها من خلال علاقات جنسية شرعية وغير شرعية، صحيحة ومرضية. وقد وصفه البعض بأنه يهودي كاره لنفسه وليهوديته.
ومن أهم قصصه المدافع عن العقيدة، و تحوُّل اليهود عن عقيدتهم (1962)، ودرس التشريح (1983) حيث يحاول روث أن يتكشف التناقض الكامن في بعض التعريفات الأمريكية للهوية اليهودية، ويُبيِّن التضمينات الكوميدية الكامنة في مفاهيم مثل الشعب المختار والشعب المقدَّس، كما يكشف التناقض الكامن في الانشغال الزائد لدى اليهود بما حاق بهم من عذاب في الماضي وحساسيتهم الزائدة، بينما يعيشـون الآن في مجتمع علماني لا يكـترث بهـم ولا يُكن لهـم حباً ولا كُرهاً. ويتناول روث عادةً علاقات الأبناء بآبائهم، خصوصاً الأمهات، فموضوع الأم اليهودية شديدة الطموح والتسلط موضوع أساسي في رواياته. كما أن اهتمامه ينصرف كذلك إلى علاقة الرجال بالمرأة. إن الأنثى، خصوصاً اليهودية، متسلطة، زوجة كانت أم عشيقة، مخططاتها مختلفة عن مخططات الذكر. وهو يطلق على مثل هذه الأنثى «الأميرة الأمريكية اليهودية»، وقد أصبح هذا المصطلح شائعاً في الخطاب الأمريكي ويحمل معنى قدحياً. وفي مقابل ذلك، تشير روايات روث إلى الشيكسا، أي الأنثى غير اليهودية، التي تشكل جاذبية خاصة لليهودي. وأهم الروايات التي تتناول هذا الموضوع هي شكوى بورتنوي (1969) التي تأخذ شكل اعتراف رجل يهودي يبلغ من العمر 33 عاماً لمحلله النفسي.
وتُعَدُّ رواية شكوى بورتنوي ذات أهمية خاصة من منظور هذه الموسوعة، إذ أن بطلها ينتقل بين الولايات المتحدة (الدياسبورا) وإسرائيل. وفي الولايات المتحدة، يكتشف أن هويته اليهودية إنما هي مصدر آلام له وليس لها قوام أو مضمون واضح، وتدفع به إلى ما يسميه روث المستنقع الأوديبي: أي الاهتمام المرضي بعلاقة الابن اليهودي بأمه اليهودية، وإحساسه العميق بالذنب حينما تتجه عواطفه نحو الشيكسا من بنات الواسب (Wasp)، أي الفتاة البيضاء (عادةً شقراء) من أصل أنجلو ساكسوني بروتستانتي.
ولا يختلف الأمر كثيراً عندما يذهب البطل إلى إسرائيل، فإنه لا يعجبه ما يرى، إذ لا يجد ذاته الأمريكية اليهودية المركَّبة هناك. ولذا، فهو حينما يقابل فتاتين إسرائيليتين في أرض الميعاد، تنتهي العلاقة نهاية مأساوية ملهاوية، إذ تسأله الأولى، وهي ملازم في الجيش الإسرائيلي، إن كان يفضل الجرارات أو البلدوزرات أو الدبابات. أما الثانية (ناعومي)، فهي إسرائيلية حقة، وُلدت في إحدى المستعمرات بالقرب من الحدود اللبنانية، وأتمت خدمتها في الجيش الإسرائيلي، ثم استقرت في إحدى المستعمرات الواقعة على الحدود السورية، وهي لا تكف عن الثرثرة عن الاشتراكية وعن الفساد الذي يسود المجتمع الأمريكي.
وقد لقنته هذه الفتاة المحاربة درساً في التاريخ اليهودي من وجهة نظر صهيونية، فأخذت تتحسر على تلك القرون الطويلة التي عاشها اليهود بلا ديار ولا مأوى، والتي أفرزت أمثاله من الرجال "الخائفين المخنثين الذين لا يعرفون قدر أنفسهم، والذين أفسدتهم الحياة في عالم الأغيار". بل إنها تلومه على ما حدث لليهود في ألمانيا النازية "فيهود الشتات، بسلبيتهم، هم الذين ساروا بالملايين إلى غرف الغاز دون أن يرفعوا يداً ضد مضطهديهم... الشتات! إن الكلمة ذاتها تثير حنقي". ولا غرو أن بورتنوي لم يُوفَّق بعد هذا في العثور على فتاة أحلامه في إسرائيل.
وتعكس روايات روث واقع يهود الولايات المتحدة الأمريكية الذين يتمتعون بمعدلات عالية من الاندماج (أو يعانون منها حسب الرؤية الصهيونية). ولذا، فإن رؤيتهم للواقع، وأحلامهم، وطموحاتهم، لا تختلف كثيراً عن رؤية وأحلام وطموحات أعضاء الأغلبية، فحلمهم هو الحلم الأمريكي. وهذا أمر مُتوقَّع من أبناء مهاجري اليديشية الذين تركوا أوطانهم واستقروا في أمريكا ليحققوا الحراك الاجتماعي، وإذا وجد الشاب اليهودي أن الشيكسا ذات جاذبية خاصة فهذا أمر منطقي لأقصى حد.
وفي رواياته الأخيرة، بدأ روث يتجه نحو داخله باعتبار أنه فنان يهتم بعملية الإبداع بشكل خاص، وذلك في روايات مثل حياتي كرجل (1974)، والكاتب الشبح (أي الذي يصوغ كتابة ما يكتبه الآخرون صياغة أدبية) عام 1979، و زوكرمان طليقاً (عام 1981)، وتدور روايتا الكاتب الشبح، و زوكرمان طليقاً حول حياة الروائي زوكرمان الذي تشبه حياته حياة روث نفسه، وهي حياة مليئة بالمتناقضات. إنه متعطش للنجاح ولكنه لا يود أن يطارده المعجبون، ويتصرف كابن بار بأسرته ثم لا يُطيع أوامر أبيه، وينشر رواية تدور أحداثها عن أسرته ثم يتبيَّن مساوئها، ويتوق للإثارة والهدوء، ويتزوج من نساء مثقفات متزنات ثم يرفضهن لأنهن مثقفات متزنات، ويقوم بعمليات مطاردة جنسية للنساء ثم يرفض أي نقد موجه لهذه المطاردات، ويكتب روايات فاضحة عن اليهود ولكنه لا يفهم لماذا تستجيب المؤسسة اليهودية لرواياته استجابة سلبية.
وقد صدرت لروث روايات أخرى، مثل: حينما كانت خيِّرة (1967)، و عصابتنا (1971)، و الرواية الأمريكية العظمى (1973)، و قراءة نفسي والآخرين (1975)، و أستاذ الرغبة (1977). ومن آخر رواياته رواية الحياة المضادة (1986) حيث يستكشف معنى حياة اليهود في إسرائيل وخارجها و عملية شيلوك (1992).
تدور الرواية الأخيرة حول الكاتب نفسه (فيليب روث) الذي يذهب إلى إسرائيل لإجراء مقابلة مع كاتب إسرائيلي معروف، وهناك يجد نظيراً له يحمل الملامح نفسها والاسم نفسه ويزعم أنه هو نفسه فيليب روث. يدعو فيليب روث الثاني هذا إلى ما يسميه «نظرية النية» ومفادها أن الأجدى لليهود الهجرة من إسرائيل إلى أوربا لأن واقعهم الثقافي الحقيقي كان دائماً هناك ولأن إسرائيل ستكون الموقع الجديد لإبادة اليهود في حرب نووية مع العرب، كما يصبح المؤلف/البطل محور العديد من الأحداث التي تدور في إسرائيل في زمن الانتفاضة. ومن أطرف المواقف في الرواية أن فيليب روث الحقيقي توقفه دورية إسرائيلية ليلاً وتشتبه في أنه عربي فيمر بلحظات رعب قبل أن ينجح في إثبات هويته. وتؤكد الرواية «أن على اليهود واجباً أخلاقياً لا مفر منه، هو تعويض الفلسطينيين عما اقترفه اليهــود ضدهم من طرد وتعذيب وقتـل ». ثم يؤكـد بطـل الروايـة « بغض النظر عن كل شيء: الفلسطينيون كشعب، أبرياء بالكامل، واليهود كشعب، مُعذَّبون بالكامل».
سينثياأوزويك (1928-)
Cynthia Ozick
روائية أمريكية يهودية وكاتبة قصة قصيرة،وُلدت ونشأت في نيويورك حيث تلقت تعليمها. قرأت أعمال ليو بايك، ومارتن بوبر،وفرانز روزنزفايج، وهرمان كوهين. وأولى رواياتها ثقة (1966) وتدور أساساً حولالصراع الناشئ بين الوثنية والدين، أو بين الطبيعي المادي والمقدَّس الروحي، وهيهنا ترى أن اليهودية وحدها هي التي تُجسِّد النزعات الدينية والروحية. وقد تناولتالموضوع نفسه في مجموعة قصصها القصيرة الحاخام الوثني وقصص أخرى (1971). ففي إحدىالقصص يظهر الحاخام كورن فيلد، أي حقل القمح، الذي تنجذب روحه إلى الطبيعة، وتبتعدعن طريق الروح والدين حتى ينتهي به الأمر إلى عبادة إله الطبيعة فيشنق نفسه علىشجرة. ويتواتر الموضوع نفسه في كتابها الثاني إراقة الدم وثلاث روايات قصيرة (1976)، وأخيراً في التنين: خمس روايات (1982)، حيث نجـد أن الشـخصيات المسيحيةتختار الطبيعة، أما الشخصيات اليهودية فتتجاوز عالم المادة والطبيعة، الأمر الذييعني أن الوثنيين (المسيحيين) سيظلون دائماً ملتصقين بالمادة، أما اليهود فهم وحدهمالقادرون على التسامي والتجاوز. ويُلاحَظ أن الشخصيات المتهودة تظل ذات طابع وثنيطبيعي رغم تبنيها اليهودية ديناً. ذلك أن التهود، كما يبدو، لا يكفي لتغيير طبيعتهمالوثنية المسيحية. ومثل هذه الرؤية تُبيِّن أثر الفكر القبَّالي الوسيط والعرْقيالحديث على أوزيك.
وقد كتبت أوزيك مجموعة مقالات ضمتها في كتاب الفنوالحماس (1983) حيث تتناول الموضوع السابق نفسه، كما حاولت أن تتناول موضوع المرأة. أما آخر كتبها ماشيَّح ستوكهولم (1987)، فيتناول موضوع النزعة المشيحانية.
المفضلات