ثانياً: متحف الإبادة فى لوس أنجلوس:

يبدو أن بعض قطاعات الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة بدأت تدرك خطورة احتكار دور الضحية، ولذا نجد أن متحف الإبادة الذي شُيِّد في لوس أنجلوس (الذي افتُتح في فبراير 1979) يُدعَى «بيت شواح (أي بيت الإبادة) ومتحف التسامح». ولهذا الاسم المزدوج أعمق دلالة، فهو يضع الدائرة اليهودية داخل دوائر أخرى مشابهة. تتسم واجهة المتحف بأنها حديثة محايدة، فهي مصنوعة من الجرانيت والزجاج، ويمكن القول بأن معمار المتحف ككل يتسم بالحداثة (ولا يتحيَّز إلى ما بعد الحداثة). فهو بواجهته وأدواره الأربعة لا يختلف عن كثير من المباني المحيطة به.

وكما أسلفنا ينقسم المتحف إلى قسمين، ولنبدأ بالقسم المُخصَّص للتسامح، وهو يغطي تاريخ التعصب في الولايات المتحدة منذ إبادة السكان الأصليين (الهنود الحمر) حتى حادثة ضرب رودني كينج وتبرئة ضباط الشرطة الذين قاموا بضربه. وتتضح حداثة المتحف في استخدامه التكنولوجيا المتقدمة بشكل مكثف. فحينما تدخل المبنى يقابلك إنسان مكوَّن من 10 أجهزة فيديو، يخبرك أنك إنسان فوق المتوسط، لا تشعر بأي تعصُّب ضد الآخرين، ولكنه يستمر في الحديث ليُبيِّن بعض أشكال التعصب الكامنة في النفس البشرية. وحينما تتركه، ستجد أمامك بابين: واحد للمتعصبين وواحد لغير المتعصبين.وبطبيعة الحال،سيتجه الجميع وبشكل تلقائي للباب الثاني،ولكنهم سيكتشفون أنه مغلق (فهل هذا يعني أن كل البشر متعصبون؟).ثم يدلـف المتفـرجـون إلى صــالة يسمعون فيهــا همســات المتعصــبين،ويشــاهدون فيها أفلاماً عن إبادة الأرمن والكمبوديين وسكان أمريكا الأصليين في أمريكا اللاتينية.

أما القسم الثاني الخاص بالإبادة، فتوجد به صالة الشهادة التي يمكنك فيها أن تسمع التواريخ الشفهية التي يرويها الضحايا، وشهادات من لا يزال على قيد الحياة. وهناك إحياء لذكرى الأغيار الأتقياء «رايتيوس جنتايلز righteous gentiles» ممن ساعدوا أعضاء الجماعات اليهودية في محاولة الفرار من النازيين، كما توجد غرفة يمكنك أن تجد فيها تقارير متجددة عن جرائم الكره والتعصب. وفي الوقت الحالي، على سبيل المثال، يمكن أن يتابع الزوار أولاً بأول جرائم التطهير العنصري في البوسنة. وكما هو الحال في متحف إحياء ذكرى الإبادة في واشنطن، فإن كل زائر في المتحف يُعطَى بطاقة تحمل صورة أحد الضحايا يمكنه أن يتابع قصة حياته من خلال شاشات العرض المختلفة في المتحف.

وتوجد في الولايات المتحدة بضعة مراكز تذكارية ومتاحف أخرى صغيرة مُخصَّصة للإبادة النازية (مركز دالاس التذكاري لدراسات الإبادة ـ مركز الإبادة النازية التذكاري في ميشحان). ويبدو أن من المقرر إقامة متحف في نيويورك باسم «ذكرى الإبادة النازية ـ متحف التراث اليهودي».

ويذهب بعض المعلقين إلى أن هذه المتاحف لن تؤدي إلى إحياء ذكرى الإبادة، وإنما سيتم من خلالها أمركة الهولوكوست، وأن الإبادة النازية ليهود أوربا ستصبح مثل ميكي ماوس وكوكاكولا وماكدونالد وألعاب الأتاري الإلكترونية المسلية. وبعد عدة سنين ستصبح الإبادة ماركة تجارية مسجلة (De Shoah Business على حد قول المجلة الألمانية دير شبيجل) لا علاقة لها بأوشفيتس، وإنما بمتحف في لوس أنجلوس أو واشنطن.

ويعتقد الكثيرون، بناء على المنطق والملاحظة المباشرة، أن إنشاء متاحف الإبادة في الولايات المتحدة هو مؤشر آخر على الهيمنة الصهيونية واليهودية. ولكن من المفارقات أننا لو تعمقنا بعض الشيء لاكتشفنا شيئاً مدهشاً ومغايراً تماماً لما نتصور، فمما لا شك فيه أن هذا المتحف تعبير عن قوة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة. ولكن هل هذا يعني بالضرورة تعاظُم قوة إسرائيل؟ إن الربط الذي يقوم به العقل العربي بين النفوذ اليهودي والنفوذ الإسرائيلي هي عملية منطقية لا علاقة لها بالواقع المتعيِّن. فقد اعترضت الصحف الإسرائيلية على إقامة هذا المتحف وبقوة. وفي إسرائيل يوجد ضريح ياد فاشيم (النصب والاسم) الذي أُقيم لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة. وقد أصبح هذا النصب المزار الأساسي الذي يتعيَّن على كبار الزوار زيارته حينما يذهبون إلى إسرائيل. ويرى المستوطنون الصهاينة أن إسرائيل هي المركز القومي والحضاري والمعنوي ليهود العالم الذين يُشكِّلون بالنسبة لها مجرد الهامش أو الأطراف، ومن ثم لابد أن يظل المزار الأساسي للشعب اليهودي في الوطن القومي. ولذا، فإن إقامة متحف لإحياء ذكرى الإبادة النازية على هذا المستوى في عاصمة الولايات المتحـدة، وآخر في لـوس أنجلوس، يُشكِّل تحـدياً لوجهة النظر الصهيونية، ويُشكِّل محاولة من جانب يهود الولايات المتحدة لخلق مسافة بينهم وبين المستوطَن الصهيوني ليزيدوا قوة استقلالهم. ومن ثم، فإن متاحف الإبادة قد تكون تعبيراً عن مدى قوة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، ولكنها لا تُشكِّل تعاظماً للنفوذ الصهيوني وإنما تحدياً له.

متاحـف أعضــاء الجماعــات اليهوديــة فـي أوربــا
Museums of the Jewish Communities in Europe
إذا حاولنا المقارنة بين المتاحف اليهودية الأمريكية والمتاحف اليهودية الأوربية، فسنجد أن مثل هذه المتاحف تعبِّر عن اتجاه داخل المجتمع الأمريكي وبين أبناء وأحفاد المهاجرين الذين جرى صهرهم وأمركتهم تماماً مع احتفاظهم بقشرة إثنية تعبِّر عن جذورهم وتراثهم الثقافي والإثني. أما في أوربا، فإن المتاحف اليهودية تهتم بالدرجة الأولى بعرض تراث الجماعات اليهودية التي عاشت في المجتمعات الأوربية، وهو تراث وتاريخ لا ينفصل عن تراث وتاريخ هذه المجتمعات، أو عن تطوراتها الاجتماعية والاقتصادية عبر الزمان.

إنجلترا:

تضم إنجلترا المتحف اليهودي في لندن، كما تم مؤخراً افتتاح متحفين جديدين:

ـ متحف لندن للحياة اليهودية الذي تأسَّس عام 1983، وهو مُخصَّص لعرض جوانب من الحياة الاجتماعية للجماعة اليهودية في لندن في بداية القرن العشرين.

ـ متحف مانشستر اليهودي، الذي افتُتح عام 1984، وهو مُخصَّص لعرض تاريخ الجماعة اليهودية المحلية.

فرنسا:

تضم فرنسا متحف الفن اليهودي في باريس، وأغلب مقتنياته تخص الشعائر الدينية، كما يضم قطعاً من الفن الحديث. كذلك تضم بعض المتاحف الفرنسية، في باريس وفي الأقاليم، أقساماً مُخصَّصة لتاريخ وتراث الجماعة اليهودية في فرنسا.

هولندا:

تضم هولندا المتحف التاريخي اليهودي الذي أُعيد افتتاحه في مقره الجديد عام 1987، ويعتبر أكبر متحف من نوعه في أوربا الغربية. والمقر الجديد للمتحف يتكون من أربعة معابد إشكنازية يرجع تاريخها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وقد تم ترميمها ووصلها ببعضها البعض. وتعبِّر معروضات المتحف الفنية والتاريخية عن التراث الثقافي للجماعة اليهودية في هولندا. وتعكس المعروضات المتصلة بالديانة اليهودية الاختلاف بين المذاهب اليهودية المختلفة. كما تعكس القطع المتصلة بالشعائر الدينية الاختلافات بين السفارد والإشكناز. ويُقدِّم المتحف أيضاً معروضات تتناول موضوعات الاضطهاد وتفاعُل الجماعة مع مجتمع الأغلبية والعلاقة مع إسرائيل.

ألمانيا:

تضم مدينة كولونيا متحفاً يهودياً، كما تم تحويل كثير من المعابد اليهودية في المقاطعات الألمانية المختلفة إلى متاحف تعرض تاريخ الجماعة اليهودية وتراثها المحلي. كما تم تحويل أحد المباني اليهودية القديمة في بلدة ورمز إلى متحف يعرض تاريخ يهود ورمز منذ القرون الوسطى وحتى الوقت الحاضر.

وفي عام 1988، تم افتتاح متحف يهودي جديد في فرانكفورت مقره بيت عائلة روتشيلد. ويعتبر هذا المتحف أكبر متحف من نوعه في ألمانيا. ويعرض تاريخ وثقافة الجماعة اليهودية في ألمانيا بصفة عامة وفرانكفورت بصفة خاصة ومساهمتهم في المجتمع الألماني. كما يضم متحف برلين قسماً يهودياً.

وقد تم استخدام المقر السابق للجستابو لعرض مقتنيات تتصل بفترة الإبادة النازية.

النمسا:

تضم النمسا المتحف اليهودي النمساوي الذي تأسَّس عام 1982 في ايزنشتادت في منزل يهودي البلاط سامسون فرتايمر (1658 ـ 1724). وهو مُخصَّص لعرض دور ومساهمة الجماعة اليهودية في المجتمع النمساوي منذ القرون الوسطى وحتى الوقت الحاضر. ومن المقرر افتتاح متحف يهودي في فيينا.

إيطاليا:

تضم إيطاليا عدة متاحف يهودية، من أهمها:

ـ المتحف اليهودي في البندقية الذي افتُتح عام 1952. وتضم مقتنياته قطعاً من الفضة والمنسوجات المتصلة بالشعائر الدينية والتي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، وكذلك عقود زواج من عدة مدن إيطالية.

ـ المتحف اليهودي في فلورنسا وتأسَّس عام 1982.

ـ كما يوجد متحف يهودي في روما افتُتح عام 1977.

اليونان:

تضم اليونان المتحف اليهودي اليوناني في أثينا الذي تأسَّس عام 1977. وتضم مقتنياته قطعاً تخص الشعائر الدينية والأزياء التقليدية للجماعة اليهودية في اليونان والتي يعود تاريخ وجودها في اليونان إلى 2400 سنة مضت.

بولندا:

تم إعادة ترميم المعبد اليهودي في كراكوف، وتحويله إلى متحف عام 1980، وهو مُخصَّص لعرض تاريخ وثقافة يهود كراكاوف. كما يضم المعهد اليهودي التاريخي متحفاً إلى جانب مكتبة وأرشيف.

المجر:

تضم المجر متحفاً يهودياً في بودابست تأسَّس عام 1895، وهو مُخصَّص لعرض تاريخ وتراث الجماعة اليهودية في المجر منذ القرن الثالـث وحتى الوقت الحـاضر. ويضم المتحف قسـماً يتناول الفترة النازية، وقسماً آخر يتناول الحياة المعاصرة لأعضاء الجماعة اليهودية في المجر. وقد تمت إعادة ترميم بعض المعابد القديمة في أنحاء المجر، وقُدِّمت بعض المعروضات من خلال هذه المعابد.

تشيكوسلوفاكيا:

تضم تشيكوسلوفاكيا المتحف اليهودي التابع للدولة الذي أسَّسه النازيون وجمعوا فيه 200 ألف قطعة فنية من تشيكوسلوفاكيا، بل ومن كل أنحاء أوربا، وتُعَدُّ أهم مجموعة تُحَف تخص الجماعات اليهودية في العالم من ناحية الكم والكيف. ولا يزال هذا المتحف من أهم المتاحف اليهودية في العالم، ولا تزال نشراته ذات مستوى علمي رفيع. وللمتحف فروع في بعض المدن التشيكية