البابالسابع: الأدب اليهودي والصهيوني



الأدب اليهودى
Jewish Literature
«الأدب اليهودي» عبارة تُستخدَم لتصنيف بعض الأعمال الأدبية، إما من منظور مضمونها أو من منظور الانتماء الإثني أو الديني (الحقيقي أو الوهمي) لكاتبها إذ تُصنَّف الأعمال الأدبية التي تتناول موضوعاً يهودياً أو مُستمَّداً من حياة أعضاء الجماعات اليهودية (بغض النظر عن لغة العمل أو التقاليد الفكرية أو الحضارية التي يدور في إطارها) باعتبارها «أدباً يهودياً». ويمكن تصنيف الأعمال الأدبية من منظور انتماء كاتبها، فإن كان يهودياً صُنِّف ما كتبه على أنه «أدب يهودي». وهذا التعريف الأخير يستبعد الأدباء غير اليهود الذين تناولوا موضوعات يهودية في أدبهم. والمقدرة التفسيرية والتصنيفية لهذا المصطلح محدودة للغاية لعدة أسباب:

1 ـ إن أخذنا بالتصنيف الذي يستند إلى مضمون العمل الأدبي، فنحن بذلك نكون قد تجاهلنا لغة الأدب والتقاليد الحضارية والأدبية والشكلية التي يَصدُر عنها وصرنا نختزله تماماً في بُعْد واحد. فالأعمال الأدبية التي كتبها أدباء مثل برنارد مالامود وسول بيلو وفيليب روث هي أدب يهودي (بالمعنى الإثني لا بالمعنى الديني، فهم لا يؤمنون باليهودية) إذ يتناولون فيها موضوعات وشخصيات يهودية في أدبهم. ولا شك في أن تصنيفنا لأدبهم على هذا النحو سيحد من توقعاتنا، وسييسر علينا فهم أعمالهم الأدبية اليهودية وتفسيرها. ولكن هذا التصنيف رغم فائدته قاصر عن أن يحيط بأدبهم بكل تركيبيته، فهو أدب مكتوب بالإنجليزية وينتمي إلى التقاليد الأدبية الأمريكية. والموضوعات والشخصيات التي يتناولونها ليست يهودية بشكل عام ومجرد، وإنما هي أمريكية يهودية تحددت هويتها داخل التشكيل الحضاري الأمريكي، بل إن البُعْد الأمريكي في نهاية الأمر أكثر أهمية من البُعد الإثني اليهودي.

2 ـ يربط مصطلح «الأدب اليهودي» بين أعمال أدبية كُتبت داخل تقاليد أدبية مختلفة باعتبار أنها جميعاً «أدب يهودي»، وكأن ثمة موضوعات متواترة وأنماطاً متكررة تبرر تصنيف هذه الأعمال الأدبية داخل إطار واحد. فقصيدة كتبها شاعر روسي يهودي عن اليهود باللغة الروسية، ورواية كتبها مؤلف فرنسي يهودي عن اليهود باللغـة الفرنسية، وقصة قصيرة كتبها كاتب أمريكي يهودي عن اليهـود باللغـة الإنجليزية، ومقال أدبي كتبه أديب من ليتوانيا باليديشية، ودراسة نقدية كتبها أديب إسرائيلي بالعبرية، تُصنَّف كلها باعتبارها «أدب يهودي». أي أنه مصطلح يفترض وجود أطر ثقافية وفكرية يهودية عالميـة. ومثل هذا الافتراض لا يسانده الكثير في واقع أعضاء الجماعات اليهودية، وهو يؤكد الوحدة والتجانس والعمومية على حساب التنوع وعدم التجانس والخصوصية، وفيه تأكيد للمضمون اليهودي للعمل الأدبي على حساب أبعاده الفكرية والشكلية الأخرى، أي أنه مصطلح يُفقد الأدب ما يُميِّزه كأدب.

ويمكن أن يُقال إن هناك موضوعات مثل الإحساس بالغربة أو انتظار الماشيَّح تربط بين هذه الآداب. ولكن سيُلاحَظ أن هذه الموضوعات من العمومية بحيث نجد أن ما يربط بينها هنا ليست يهودية المؤلف، وإنما أحاسيسه الإنسانية، أي أن المرجعية النهائية هي إنسانيتنا المشتركة، أو البُعْد الإنساني في تجربة عضو الأقلية في مجتمع الأغلبية، بكل ما يحيق بهذه التجربة من مخاطر.

3 ـ إن أخذنا بالتصنيف الذي يستند إلى خلفية الكاتب اليهودية، نكون قد أخذنا بأساس تصنيفي ليس له مقدرة تفسيرية عالية. فكثير من الأعمال الأدبية التي يكتبها مؤلفون يهود (مثل الناقد الأمريكي ليونيل تريلنج) ليس لها مضمون يهودي.

ونحن نرى ضرورة عدم استخدام هذا المصطلح بسبب قصوره عن الإحاطة بشكل ومضمون الأعمال الأدبية التي كتبها مؤلفون يهود عن موضوعات يهودية، فالبُعْد اليهودي ليس هو المحدِّد الأساسي للعمل الأدبي، كما أنه لا يوجد بُعْد يهودي عالمي واحد.

وبطبيعة الحال، يثير مصطلح «أدب يهودي» مشكلة بشأن أديب مثل هايني الذي تمرَّد على يهوديته ليدخل الحضارة الغربية، فتنصَّر. ولكنه بعد تنصره بدأ يحن ليهوديته! أو أديب مثل نيثان وينشتاين الذي رفض انتماءه اليهودي تماماً وغيَّر اسمه إلى «ناثانيل وست» وكَتَب أدباً عدمياً يهاجم فيه المسيحية واليهودية ومختلف العقائد الدينية.

ونحن في هذه الموسوعة نرفض التعميمات التصنيفية الكاسحة مثل «أديب يهودي» ونُصنِّف كل أديب حسب الأبعاد الحقيقية لأعماله الأدبية، ولهذا نستخدم مصطلحات مثل « الأدباء من أعضاء الجماعات اليهودية»، و«الأدب الصهيوني»، و«الآداب المكتوبة بالعبرية»، و«الأدب اليديشي». ولتصنيف أي كاتب من أعضاء الجماعات اليهودية لابد من استخدام مصطلح مُركَّب. فمثل هذا الأديب لا يعيش خارج التاريخ، حتى ولو توهَّم هو نفسه ذلك، بل يعيش داخل حضارة معينة ويكتب أدباً بلغة معيَّنة. لكل هذا، يُستحسَن وصف تشرنحوفسكي، على سبيل المثال، بأنه شاعر روسي يهودي يكتب بالعبرية. ورغم أنه يَصدُر عن التقاليد الأدبية الروسية والغربية، فهو صهيوني النزعة في معظم قصائده، ولذا فهو يكتب أدباً يمكن أن يُسمَّى «أدباً صهيونياً». أما سول بيلو فهو كاتب أمريكي يهودي يكتب أدباً ذا طابع أمريكي باللغة الإنجليزيـة، ويتعرض أحياناً للموضوعات اليهـودية وأحيـاناً أخرى يهملها، وأعماله الأدبية لا تنم عن نزعة صهيونية، وإن كانت إحدى أعماله الصحفية تعبِّر عن هذه النزعة. وبهذا نكون قد وصفنا الانتماء الحقيقي للأديب قومياً وحضارياً وأدبياً (وهذا هو الإطار العام)، ثم ذكرنا الأداة اللغوية والتقاليد الأدبية التي يدور في إطارها (أي انتقلنا إلى الخاص وحددنا الأداة التي يستخدمها)، ثم ذكرنا موقفه السياسي بعد انتمائه الحضاري واللغوي.

الأدب الصهـــيوني
Zionist Literature
«الأدب الصهيوني» عبارة يمكن استخدامها للإشارة لبعض الأعمال الأدبية ذات المضمون الصهيوني الواضح، بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو الحضاري أو اللغوي للمؤلف. فرواية دانيال دروندا، التي ألَّفتها الكاتبة المسيحية جورج إليوت بالإنجليزية، تنتمي إلى هذا الأدب الصهيوني، بينما نجد أن بعض الروايات التي كتبها يهود عن الحياة اليهودية لا تنتمي إلى الصهيونية من قريب أو بعيـد، بل إن بعضـها يتبنى رؤية معادية للصهيـونية بـل ولليهودية. وما يُسمَّى «الأدب الصهيوني» هو عادةً أدب من الدرجة الثالثة (أو كما نقول «أدب صحفي»، أي أنه كُتب ليُنشَر في الصحافة كما أنه ذو توجُّه دعائي واضح. ومن أهم أعمال الأدب الصهيوني رواية الخروج للكاتب الأمريكي اليهودي ليون أوريس وأعمال الكاتب الأمريكي اليهودي مائير لفين). والأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية أو اليديشية أو التي كتبها أدباء يهود في مختلف أرجاء العالم نجد أن منها ما هو صهيوني - وهو القليل - ومنها ما هو معاد للصهيونية، وغالبيتها غير مكترثة بها.

ولا يصف مصطلح «الأدب الصهيوني» شكل الأدب ولا محتواه ولا حتى لغته، وإنما يصف اتجاهه العقائدي العام، تماماً مثل عبارة «الأدب الرأسمالي» أو «الأدب الاشتراكي». ولذلك، فهو مصطلح عام ومجرد مقدرته التفسيرية والتصنيفية ضعيفة للغاية ولا يُعَدُّ تصنيفاً أدبياً، شأنه في هذا شأن مصطلح «الأدب اليهودي».

الأدبـــاء مـن أعضــاء الجماعــات اليهوديـة
Men of Letters from Jewish Communities
«الأدباء من أعضاء الجماعات اليهودية» مصطلح نستخدمه بدلاً من مصطلحات مثل «الأدب اليهودي» أو حتى «الأدباء اليهود» (انظر: «الأدب اليهودي» ـ «الأدب الصهيوني»). وقد أشرنا في المداخل الخاصة بهؤلاء الأدباء إشكالية البُعْد اليهودي في أدبهم، فبعضهم تنصَّر والبعض الآخر وُلد مسيحياً وبعضهم هاجم اليهودية بعنف والبعض الآخر لم يكترث بها، وهناك من تناول يهوديته باعتبارها موضوعاً إنسانياً (وحسب)، أما خصوصيته اليهودية فهي مسألة عرضية تشكل جزءاً من الكل الإنساني. وكل أديب من هؤلاء ينتمي إلى التشكيل الحضاري الذي يعيش في كنفه بشكل شبه كامل، ومن ثم أمكنه أن يبدع من خلاله.

هاينريش هـايني (1797-1856(
Heinrich Heine
واحد من أشهر شعراء ألمانيا الرومانسيين، وُلد لأب يهودي ثري يعمل بالتجارة. تلقَّى هايني تعليماً بروتستانتياً ثم التحق بمدرسة ابتدائية يهودية ثم بمدرسة ثانوية كاثوليكية. كما أن المدينة التي وُلد فيها (دوسلدورف) تغيَّر انتماؤها بحيث أن هايني غير جنسيته ست مرات دون أن يغيِّر مكان إقامته. وربما ساهم هذا في إضعاف هويته وتقـوية عـدم انتمائه إلى وطـنه ألمانيا وحماسـه لفرنسا وللثقافة الفرنسية. كان هايني ينوي الالتحاق بخدمة نابليون ولكن هزيمة الجنرال الفرنسي قضت على هذه الآمال، فاشتغل بعض الوقت في أمور المال والتجارة ولكن لم يحالفه النجاح. ثم درس القانون وتأثر بفلسفة هيجل. وقد تنصَّر، وهو أمر كان شائعاً بين يهود ألمانيا، وعلى وجه الخصوص بين دارسي القانون، إذ أن الوظائف في السلك القانوني كانت مقصورة على المسيحيين. ولكن لم تكن الاعتبارات العملية وحدها هي السبب في تنصُّره، فكما أشرنا لم يكن هناك انتماء محدَّد لهايني.

ويمكن القول بأن هايني أدرك تماماً أن الحلولية (الكمونية) هي المدخل الحقيقي لفهم الفلسفة الغربية. فالحلولية بالنسبة له هي تقديس (تأليه) الطبيعة وهي أيضاً تأليه الإنسان وهو تَناقُض أساسي: إذ كيف يمكن لإله أن يُقدِّس الأشياء المتألهة، وأيهما يسبق الآخر: الإنسان المتأله، أم الطبيعة المتألهة؟

ويرى هايني أن إسبينوزا هو نبي الحلولية، وأن الفلسفة الألمانية المثالية هي الوريث الحقيقي لهذه الحلولية، ولذا فهي فلسفة «هدَّامة» ولكن ديباجاتها أكاديمية ضبابية تُخبِّئ معناها الإلحادي العميق، بل وأحياناً تظهرها بمظهر إيماني. وقد قام كانط - حسب تصوُّر هايني ـ باستكمال ما بدأه إسبينوزا فأسقط فكرة الألوهية في ألمانيا (تماماً كما أسقط الثوار النظام القديم في فرنسا). بل إن كانط في تصوُّر هايني أكثر إرهابية من روبسبير، فالثورة الفرنسية لم تقتل سوى ملك، أما كانط (وتلاميذه) فقتلوا إلهاً. ودفاع شلنج عن فلسفة الطبيعة هو ذاته حلولية إسبينوزا. أما في حالة جوته فإن القشرة الرياضية الصلبة التي تحيط بفلسفة إسبينوزا قد سقطت، وظهرت روح إسبينوزا الحقيقية ترفرف في شعره في فاوست وآلام فرتر.

وهيجل هو أيضاً وريث إسبينوزا. وإذا كان إسبينوزا قد ساوى بين الطبيعة والتاريخ أو بين الطبيعة والإنسان وجعل للطبيعة تاريخاً دون أن يجعل منه روحاً، فإن هيجل أعلى من شأن التاريخ وجعل منه روحاً. ويقف هايني مع إسبينوزا في إلغاء أية ثنائية وفي الإصرار على المساواة الكاملة بين الطبيعة والتاريخ وبين المادة والروح. هذه الحلولية تعبِّر عن نفسها في شعر هايني العميق، فهو شاعر نيتشوي (قبل ظهور نيتشه) يحتفي بالحياة، حياة تخبئ نفسَها بنفسها. وكما يقول في إحدى قصـائده « الحيـاة الحمراء تنبـض في عروقـي، وتحت قدمي تذعن الدنيا، وفي توهُّج الحب أعانق الأشجار والتماثيل، وتعيش هي في عناقي ». وهذا عالم عضوي يشير إلى ذاته؛ مات فيه الإله، ولذا فالإنسان هو سيد نفسه، خالق قيمه وعالمه.

وفي قصيدة « ألمانيا: قصة شتاء » يصل هايني إلى ألمانيا ليسمع فتاة صغيرة (رمز ألمانيا):

كانت تغني عن الحب وأحزان المحبين

عن التضحية، حتى نلتقي

في يوم آخر في عالم أفضل

لا يعرف الألم أو الأحزان.

غنت في وادي الدموع الدنيوي هذا

عن الحب الذي لا يُمسك به إنسان

عن العالم الآخر العظيم حيث تعيش الأرواح في غبطة

وقد تحوَّلت إلى نشوة أزلية.

ويدرك هايني أن هذا إن هو إلا الأفيون الديني الذي يُعطَى للجماهير (هذا العملاق الأحمق)، فيغني للفتاة أغنية أخرى:

أغنية جديدة، أغنية أفضل

يجب أن نلدها الآن يا رفاقي،

ولنبدأ على التو في بناء

مملكة السماء على الأرض،

فالتربة تعطينا خبزاً يكفي

لإطعام بني الإنسان كلهم،

وتعطيهم الزهرة والآس، والجمال والفرح،

كما تعطيهم البازلاء الخضراء.

ثم يضيف قائلاً:

بوسعنا أن نترك السماء بلا تردُّد للملائكة والطيور.

والنزعة الحلولية المشيحانية واضحة في هذه الأبيات. فالأرض هي مصدر كل القيم المادية والمعنوية، وثمة نزوع نحو الفردوس الأرضي ونهاية التاريخ. وتتضح نفس الحلولية في أفكار هايني السياسية. فقد كان ثورياً وارتبط اسمه بعض الوقت بالسان سيمونية (التي أسماها «المسيحية الجديدة»). ورحَّب بثورة 1830 في فرنسا (واستقر في باريس). ومن هنا عداوته للمسيحيين، بل لكل الأديان بما في ذلك اليهودية، فقد كان يكرهها بعمق. وقد كتب مرة يقول إنه يوجد أمراض ثلاثة شريرة: الفقر والألم واليهودية. بل كان يعتبر اليهودية قوة معادية للإنسانية، فهي « مصيبة وليست ديناً»، على حـد قوله. ورغـم احتقـاره لليهودية الحاخامية، أي الأرثوذكسية، فإنه كان يحتقر أيضاً اليهودية الإصلاحية التي ستقضي على اليهود.

وفي عام 1847 أصيب هايني بمرض في عموده الفقري بسبب أحد الأمراض السرية، وهو ما أقعده في الفراش. وهكذا أصبح شاعر المادة يعيش في « مقبرة المادة » على حد قوله. ولا ندري هل هذا هو الذي أدَّى به إلى إعادة النظر في حلوليته الإلحادية؟ إذ بدأ يُعبِّر عن مخاوفه من أن الشعب قد يتحوَّل إلى غوغاء يعبد المادة. وواكبت ذلك مراجعة لموقفه من كانط، إذ اكتشف أن كانط تَرك مسألة الإله دون اتخاذ قرار، أي أنه لم يَعُد كانط الملحد الذي بشَّر به هايني من قبل. وعبَّر هايني عن احتقاره لفلسفة هيجل التي أشار إليها بأنها " جدلية برلين العنكبوتية " التي لا يمكنها أن تقتل قطاً أو إلهاً. أما البروتستانتية التي كان يراها في الماضي بداية الإلحاد فقد أصبحت حينئذ بداية الإيمان، وأعلن تراجُعه عن عملية التسوية الحلولية بين الإنسان والطبيعة، وبدأ يحن إلى اليهودية كجزء من حنينه الديني العام. كما كان يوقع خطاباته برسم نجمة داود السداسية. وقد ازداد صيت هايني ذيوعاً بعد موته، ولحَّن شوبرت وشوبان وبرامز قصائده.

والحديث عن البُعْد اليهودي في شعر هايني سيكون حديثاً عن أمور هامشية ليس لها مقدرة تفسيرية. إذ أن القضية الكبرى في حياته هي نفسها القضية الكبرى التي شغلت المفكرين في عصره وهي قضية الحلولية. ولذا فمحاولة فهم رؤية هايني وأشعاره في إطار يهودي لن تفيد كثيراً، فمثل هذا الإطار قد يُفسِّر لنا تطرفه الحلولي المشيحاني وعلمانيته الشرسـة في المرحلـة الأولى، ولكنه لن يُفسِّر لنا جوهر الإشكالية، ولذا سيكون الإطار الألماني الغربي هو الأجدى والأكثر تفسيرية.

إمــــا لازاروس (1849-1887(
Emma Lazarus
شاعرة أمريكية يهودية، وُلدت في نيويورك لأبوين ثريين من يهود السفارد المندمجين. ولم تكن لازاروس ذات موهبة أدبية كبيرة. وهي تتناول في أعمالها موضوعات يهودية. قامت لازاروس بترجمة بعض قصائد ابن جبرول ويهودا هاليفي إلى الإنجليزية (عن الألمانية لأنها لم تكن تعرف العبرية(.

وفي عام 1883، كتبت لازاروس قصيدة «التمثال الضخم الجديد» من أجل جمع التبرعات لإقامة قاعدة لتمثال الحرية، وألهبت بقصيدتها هذه حماس الكثيرين. وحُفرت القصيدة على لوحة برونزية ووُضعت على مدخل التمثال عام 1903. والقصيدة من طراز السونت وتتحدث عن المثل الأعلى الأمريكي، ويتذكرها معظم الأمريكيين باعتبارها قصيدة وطنية أمريكية تُعبِّر عن رؤيتهم لأنفسهم. وبعد موتها، رفضت اختها أن تضم أعمالها الكاملة «أي شيء يهودي » (على حد قولها(.