موشـيه لوتسـاتو (1707-1747(Moses Luzzato
شاعر ومفكر قبَّالي من أتباع القبَّالاه اللوريانية. وُلد في بادوا بإيطاليا، وتلقى تعليماً دينياً، وكان يجيد عدة لغات منها الإيطالية والفرنسـية واليونانية. ونتيـجة تبـحُّره في القبَّالاه والعلوم الدينية اليهودية، سيطرت عليه حالة من التطرف الديني جعلته يؤمن بأنه على اتصال بأرواح أبطال العهد القديم تملي عليه القصائد الباطنية. واحتشد حوله جماعة من المريدين. وألَّف لوتساتو كتاب الزوهار الثاني، الأمر الذي جعل رجال الدين اليهودي في البندقية يُصدرون عام 1735 قراراً بحظر تداول كتبه واعتباره خارجاً على الدين، فهرب إلى فرانكفورت ومنها إلى أمستردام.
نادى لوتساتو بتحرير الشعر العبري من البحور والأوزان التي كان قد اقتبسها في العصور الوسطى من الشعر العربي. وقدَّم في أشعاره بحراً يحتوي على إحدى عشرة حركة للبيت الطويل وسبع حركات للبيت القصير مع تركيز خاص على النبرة. وظهر له عام 1743 قصيدة «مدح المستقيمين» التي يعتبرها نقاد الأدب الحديث المكتوب بالعبرية نقطة بداية هذا الأدب. وتُعتبَر هذه القصيدة انعكاساً رمزياً لتجربته الشخصية وصراعه مع اليهود، إذ كان يرى أنهم بدَّلوا التعاليم التوراتية بتعاليم أخرى. كتب مسرحية رعوية تُسمَّى برج عوز اعتبرها رواد التنوير بعد ذلك قصتهم هم.
وتأثر لوتساتو بالشعر الرعوي الذي انتشر في إيطاليا في القرن السادس عشر فكتب قصائد رعوية في وصف الطبيعة وجمالها، كما تظهر في أعماله روح الأدب اليوناني القديم. ولقد تركت أعماله أثراً واضحاً في شعر العبرية في أوربا.
جوزيف بيرل (1773-1839)
Joseph Perl
أديب روسي يكتب بالعبرية وله مؤلفات بالألمانية واليديشية. وُلد في جاليشيا، وتلقَّى تعليماً دينياً تقليدياً، ولكنه تحمَّس لفكر حركة التنوير وأصبح أحد رواد الحركة. أسَّس عام 1813 في بلدة تارنوبول أول مدرسة حديثة في جاليشيا، وعمل من خلالها على تحديث أعضاء الجماعة اليهودية في البلدة مستعيناً في ذلك بمعونة الحكومة الروسية، ثم بمعونة حكومة النمسا اعتباراً من عام 1815. كما أسَّس معبداً يهودياً كانت تُقام فيه الشعائر باللغة الألمانية.
وشن بيرل في أعماله هجوماً شديداً على الحسيدية إذ كان يرى أنها تنطوي على النفاق والجهل والتعصب والخداع، كما كان يعتقد أن المعارضة التي يبديها القادة الحسيديون هي العائق الأساسي أمام تحديث اليهود. ولم يكتف بيرل بذلك، بل عمل على تحريض السلطات الروسية ثم النمساوية في جاليشيا على اتخاذ إجراءات عنيفة ضد الحركة الحسيدية، وذلك من خلال المذكرات والشكاوى الكيدية التي كان يرســلها بانتظام إلى المسـئولين (وقد وُجدت هـذه الكتابات ونُشرت مؤخراً).
وتتَّسم كتابات بيرل، التي كان يوقعها باسم مستعار، بأنها ذات طابع هجائي ساخر. وأبرز هذه الكتابات هي: كاشف الأسرار (1819) حيث يثبت ما يدَّعي أنها نصوص حسيدية حصل عليها بعد أن تخفَّى بشكل سحري، أما امتحان الأتقياء (1838) الذي يُعَدُّ استمراراً لكتابه الأول، فإنه يصف بقية لوح سحري تسجَّل عليه كل الأحاديث سراً ولا يمكن محوها إلا بأنفاس رجل تقي صالح، ومما له دلالة أن جميع قادة الجماعة اليهودية يفشلون في محو الأحاديث المسجلة ولا ينجح في ذلك إلا المزارعون. وفي هذا العمل، يظهر البطل الجوَّال غير المرئي الذي يكتسب صفات عديدة غير طبيعية. ويصف الكاتب وضع اليهود الاجتماعي والأخلاقي المتدهور في جنوب روسيا من خلال تجواله ومغامراته. وفي كلا العملين، يظهر الحسيدي السابق الذي تمرَّد على حسيديته. وتأثر بيرل في قصصه هذه بالكتابات الهجائية الساخرة التي شاعت في الآداب الأوربية في القرن الثامن عشر، وعلى الأخص كتاب مونتسيكو رسائل فارسية (1721).
وقد كتب بيرل بعض أعماله، ومنها كاشف الأسرار، بكلٍّ من اللغة العبرية واللغة اليديشية، كما يُعتَقد أنه ترجم إلى اليديشية بعض الأعمال الأدبية الأوربية (مثل رواية فيدلنج توم جونز)، وكان له بذلك فضل الريادة في إثراء الفن القصصي في اليديشية. غير أنه لم يتبن الكتابة بتلك اللغة إلا لهدف عملي بحت وهو نشر الأفكار التنويرية في أوساط المتحدثين بها.
أبراهــــام ليبنــسون (1794-1878(
Abraham Lebensohn
شاعر ونحوي يكتب بالعبرية. وُلد وعاش معظم حياته في فلنا (ليتوانيا) حيث تلقى تعليماً دينياً تقليدياً. وظهر اهتمامه بدراسة نحو اللغة العبرية في سن مبكرة. وعمل ليبنسون بالتدريس لفترة قصيرة، ولكنه هجر عمله هذا لاعتلال صحته، وعمل لسنوات طويلة سمساراً في الوقت الذي كان يواصل فيه أنشطته الأدبية التي تفرَّغ لها تماماً خلال السنوات العشرين الأخيرة من عمره.
ويُعَدُّ ليبنسون من أبرز شعراء عصر التنوير ومن أبرز الشعراء الذين كتبوا بالعبرية على وجه العموم. ورغم أن قصائده المبكرة لم تتجاوز نطاق شعر المناسبات الذي يُكتَب تقرُّباً للوجهاء والمشاهير، إلا أن مجموعته الشعرية الأولى أناشيد اللغة المقدَّسة (1842) أثارت اهتماماً كبيراً حيث وُصفت بأنها فاتحة عهد جديد في الأدب الحديث المكتوب بالعبرية في روسيا، ووُصف صاحبها بأنه « أعظم شعراء العبرية في عصره »، وهي مبالغة لا أساس لها في الواقع.
وقد أصدر ليبنسون مجلدين آخرين من الأناشيد (في عامي 1856 و1869)، وشمل المجلد الثالث بعض قصائد ابنه الشاعر ميخا ليبنسون الذي خلَّف موته المأساوي في سن مبكرة أثراً عميقاً في حياة ليبنسون الأب وفي شعره على حدٍّ سواء، حيث غلبت على قصائده الأخيرة نبرة الكآبة واليأس والتبرم من ظلم الطبيعة والجنس البشري والإحساس بالعجز إزاء الموت. ومع ذلك، ظل شعر ليبنسون بوجه عام محتفظاً بخصائصه الأساسية التي ظهرت في مراحله الأولى، فهو شاعر نمطي يميل إلى التنميق اللفظي والحماس البلاغي، كما أنه يلتزم بالتقاليد القديمة في النظم والبناء دون أن يسعى إلى التجديد أو التجاوز. وعلى أية حال، فإن شعره يفصح عن أن صاحبه لم يكن ذا خلفية فكرية عميقة ولم يكن على دراية بالآداب الأوربية وما طرأ عليها من تطوُّر. وقد ظلت خبراته محصورة في نطاق حياته المحدودة في بلدته الصغيرة.
وبالإضافة إلى الشعر، كتب ليبنسون مسرحية بعنوان الحقيقة والإيمان (1867) لم تكن لها قيمة تُذكَر، ولكنها أصبحت حينذاك موضوعاً للسجال الأدبي حيث أثارت حفيظة اليهود الأرثوذكس بسبب سخريتها من التعصب الديني ودعوتها إلى إخضاع الدين اليهودي للواقع المادي وإلى ضرورة تطهير الدين من المبالغات، وذلك بينما نجد أن أنصـار حركة التنـوير نظروا إلى مضمـونها بوصفه أمراً عفَّى عليه الزمان. كما وضع ليبنسون كتاباً في نحو اللغة العبرية عام 1874، وأسهم في إصدار الطبعة الثانية من الترجمة العبرية التفسيرية للعهد القديم التي أعدها موسى مندلسون وأتباعه، ولكنه أضاف إليها شروحاً جديدة خلت منها الطبعة الأولى. وقد نُشرت الطبعة الثانية بالعنوان الفرعي شروح جديدة (1858) وقد كان لهذه الشروح دور كبير في ذيوع فكر حركة التنوير في أوساط يهود روسيا.
مردخــاي جينسـبرج (1796-1846(
Mordechai Ginsberg
قاص يكتب بالعبرية، وُلد في روسيا، وساهم في إدخال أفكار حركة التنوير الأدب الحديث المكتوب بالعبرية من خلال العديد من مؤلفاته. كان صاحب أسلوب بسيط وسلس، الأمر الذي جعل لغته سهلة على القراء ومحببة إليهم.
كتب في العديد من الموضوعات الحية التي عاشها أعضاء الجماعة اليهودية في روسيا مثل ضرورة إصلاح مؤسسات الإدارة الذاتية اليهودية، ووضع مؤلَّفاً عن جغرافية فلسطين وعن السامريين وعن تاريخ اليهود الروس، وترجم بعض القصص عن الأدب الألماني.
من أهم أعماله، قصته إليعازر وهي سيرته الذاتية، وقد جاءت على غرار السير الذاتية التي نُشرت بعد اعترافات جان جاك روسو. وكان الهدف من هذه القصة إظهار قصور التعليم اليهودي القديم ولَفْت الأنظار إلى الثقافة الحديثة. وكان من الممكن أن تُعتبَر هذه القصة حجر الأساس في تطوُّر القصة الطويلة المكتوبة بالعبرية، سواء في تصوير الحدث أو في رسم الشخصيات. لكن هذه القصة كان يعيبها غياب وحدة الحدث وافتقارها إلى كثير من الأسس التي تقوم عليها القصة الطويلة.
أبراهــام مابـــو (1808-1867)
Abraham Mapu
روائي يكتب بالعبرية، وُلد في كوفنو (ليتوانيا)، وتلقَّى تعليماً دينياً تقليدياً. ولكنه اهتم، إلى جانب ذلك، بدراسة اللغات اللاتينية والفرنسية والألمانية والروسية، وهو أمر لم يكن معهوداً في أوساط اليهود الأرثوذكس، بل كان يُقابَل بالعداء. وكان مابو، في مطلع حياته، متعاطفاً مع الحركة الحسيدية، ودرس القبَّالاه والسحر (يُقـال إنه حـاول أن يصبح رجـلاً خـفياً من خـلال اتباع تعاليم القبَّالاه). ولكن هذا لم يَدُم طويلاً إذ أصبح مابو من أشد أنصار حركة التنوير وعُيِّن في مدرسة حكومية، وهو منصب احتفظ به بقية حياته.
بدأ مابو حياته الأدبية برواية محبة صهيون التي استغرقت كتابتها ما يقرب من عشرين عاماً. وعند نشرها عام 1853 حظيت بنجاح كبير حيث تُعَدُّ أول رواية باللغة العبرية، وإليها يرجع الفضل في المكانة الأدبية الرفيعة التي تبوأها صاحبها كمؤسس للفن الروائي في الأدب الحديث المكتوب بالعبرية. وتدور أحداث الرواية في زمن حزقيال والنبي أشعياء، وقد نجحت الرواية في إعادة بناء الجو العام للمجتمع العبراني في ذلك الوقت. ويعود نجاح الرواية إلى الجو المثالي العام الذي يسودها وإلى لغتها التوراتية، أما من ناحية ترابُط الأحداث وتصوير الشخصيات فهي ضعيفة للغاية. وطُبعت الرواية أربع طبعات (حتى عام 1873) وتُرجمت إلى الإنجليزية ثلاث ترجمات مختلفة وسبع مرات إلى اليديشية وإلى الفارسية والعربية (1908) كما ظهرت ترجمة إلى الألمانية (1885) دون ذكر اسم المؤلف على الغلاف. ودفعه هذا النجاح إلى مواصلة الكتابة، فكتب ثلاث روايات أخرى هي: المنافق (1857 ـ 1861)، وهي رواية تدور أحداثها في الوقت الحاضر وتصف الصراع بين الحسيديين ودعاة التنوير، ومن أهم الشخصيات الحاخام صادوق الذي يستخدم الخرافات ليستغل الناس. والرواية سطحية للغاية لا يوجد فيها أي عُمْق نفسي أو إنساني، وهي من النوع الدعائي المباشر الذي يدافع عن قضية بعينها. أما روايته الثالثة خطيئة السامرة (1856)، فهي تُبيِّن الصراع بين القدس والسامرة وتأخذ صف القدس بلا تحفُّظ إذ تصوِّر رجالات مملكة يهودا بشكل مثالي، أما النساء والرجال في السامرة فهم لصوص متآمرون. ومرة أخرى نجد أن تصوير الشخصيات ضعيف. وقد كتب مابو كذلك رواية عن شبتاي تسفي (وشخصيته ذات مركزية خاصة في الوجدان الصهيوني، فهـرتزل مثلاً كان يفكر في كتابة أوبرا عنه). إلا أن خصوم حركة التنوير، ممن صدمتهم أفكار مابو، نجحوا في تحريض السلطات على منع نشر الرواية الأخيرة (وضاعت أجزاء كبيرة منها). كما أن مابو وضع بعض المؤلفات الأخرى في موضوع تطوير طرق التدريس التي كانت شائعة في عصره.
وتنتمي روايتا محبـة صهيون و خطيئة السـامرة إلى النوع التاريخي، حيث تدور أحداثهما في عصر أشعياء. أما روايته المنافق، فتتناول الحياة المعاصرة لأعضاء الجماعة اليهودية في ليتوانيا. ورغم هذا التباين في زمان ومكان الأحداث، فإن ثمة موضوعاً أساسياً يتواتر في الروايات الثلاث وهو الرغبة في العودة إلى فلسطين وهو ما يجعله من أهم دعاة الصهيونية. وتزخر أعمال مابو بتأثيرات شتى، وهو ما يدفع إلى القول بأنه لم يكن مبدعاً أصيلاً بقدر ما كان مقلِّداً. فهناك، أولاً، التأثر الشديد بلغة العهد القديم وبأسلوبه في القص وفي تصوير الخلفية الزمانية والمكانية. وهناك، ثانياً، السير على نهج الكُتَّاب الرومانسيين الفرنسيين، وعلى الأخص ألكسندر دوماس الأب (حيث رسم الشخصيات ووضع شخصيات تاريخية إلى جانب الشخصيات الروائية فضلاً عن إسقاط أحداث الماضي على الواقع المعـاش). كما تأثر بأيوجين سـو (التركيز على المغامرات والحبكة والعنف).
وتفتقر أعمال مابو إلى كثير من الأسس التي يقوم عليها الفن الروائي، فالأحداث متعددة ومتداخلة ويعوزها الترابط والاتساق في كثير من الأحيان. أما السرد، فيغلب عليه التكرار والإسهاب الذي لا يبرره شيء، كما أن الاستخدام الرمزي للشخصيات يتَّسم بالسطحية والسذاجة. وهذه العيوب الفنية الواضحة هي أحد مبررات ذلك الرأي الذي يذهب إلى أن القيمة الأساسية لأبراهام مابو تكمن في ريادته وليس في فنيته.
المفضلات