بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ بحمد الله و الصلاة و السلام على النبى و آله و صحبه الكرام الحلقة الخامسة من سلسلتنا المباركة
كنا قد بينا التناقض فى الصلب و القيامة و انفراد الأناجيل بأحداث مهمة تغاضى عنها الآخرون و الآن ننظر للقصة نظرة موضوعية منطقية للأحداث التى حدثت فسنجد خللا و حلقات مفقودة فى القصة و أحداث غير منطقية سنتابعها سوياً الآن.
1-- تتحدث الأناجيل عن دور يهوذا في خيانة المسيح بعد أن صحب المسيح وكان من خاصته، بل أحد تلاميذه الاثني عشر، فكيف حصل هذا التغير المفاجىء؟
إن وقوع الانحراف بين البشر غير مستبعد، ولكن الرواية الإنجيلية تجعل المسيح - وهو الذي أرسله الله لهداية البشر -، تجعله سبباً في غواية يهوذا. فقد سأل التلاميذ معلمهم المسيح عن الخائن، فأجابهم المسيح - كما يزعم يوحنا - : " الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه، فغمس
اللقمة، وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي، فبعد اللقمة دخله الشيطان، فقال له يسوع: ما أنت تعمله، فاعمله بسرعة أكثر " ( يوحنا 13/26 – 27 )، فقد جعل النص المسيح ولقمته التي دفعها ليهوذا سبباً في ضلالة يهوذا وخيانته. ثم لماذا لم يخلص المسيح أو أحد الحواريون يهوذا من الشيطان الذى دخله و هم من المفروض لهم نفس قدرات المسيح حيث قال لهم"اشفوا مرضى، طهروا برصاً، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين " ( متى 10/8 ).
2-سكوت ثلاثة كتبة و إغفالهم عن نهاية يهوذا الإسخريوطى ناتج عن إختفائه عن مسرح الأحداث بعد الصلب حيث أن روايتى متى و لوقا فى أعمال الرسل عن بطرس متناقضتين تماماً كما بينا قبل فى المشاركة الخامسة.
3-كيف جهل رؤساء الكهنة شخص المسيح حتى احتاجوا إلى من يدلهم عليه مقابل ثلاثين من الفضة؟ ؛ كيف ذلك وهو الذي كان في الهيكل يعلم كل يوم؟(انظر: لوقا 22/ 52 ). هذا يدفعنا إلى سؤال مهم أيضا لا تجيبنا عنه الأناجيل صراحة هل كان المسيح شخصية معروفة أم لا ؟ فمرة تجد الناس يستقبلونه استقبال الفاتحين فى دخوله أورشليم و مرة تجده مكروها و تقول الجموع اصلبه و تارة يأمر تلاميذه بعدم الكشف عن شخصيته مما يضعنا فى موقف شك من كتبة الأناجيل و تناقضاتهم.
4-- وتذكر الأناجيل أن المسيح في ليلة الصلب تضرع إلى الله يدعوه أن يصرف عنه كأس الموت،و كان التلاميذ مع المسيح في البستان، لكنهم كانوا نياماً كما وصفهم لوقا بقوله:" ثم قام من الصلاة، وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن " ( لوقا 22/45 )، لكن المعهود في البشر أنهم إذا خافوا طار النوم وعزّ.
وهو ما يؤكده علماء النفس، ومرده فرز الغدة الكظرية لهرمون الأدرينالين في مجرى الدم، فيتعقب النوم ويطارده، إذاً كيف نام هؤلاء من الخوف!؟
5-جاء في مرقس أن المسيح جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً فقال: " ناموا الآن واستريحوا. يكفى. قد أتت الساعة. هو ذا ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة، قوموا لنذهب، هوذا الذي يسلمني قد اقترب " ( مرقس 14/41 ) فكيف يتوافق قوله: "ناموا الآن واستريحوا " مع قوله في تمام الجملة: " قوموا لنذهب "؟ وكيف يطلب الهرب وهو يعرف أنه سيؤخذ ويصلب؟ كيف يهرب وهو – كما زعموا – تجسد ليصلب!؟
6-هنا نقطة خطيرة جداً و هى أن إنجيل يوحنا يُظهر الحكم على المسيح، وكأنه حكم إلهي نزل على رئيس الكهنة قيافا، وليس حكماً صادراً من مجمع للظّلَمة. يقول يوحنا: " فقال لهم واحد منهم. وهو قيافا كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا نُهلك الأمة كلها، ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد " ( يوحنا 11/49 - 52 ).
فالنص يصف قيافا بالنبوة، وبأنه عرف بالنبوة أن المسيح يموت عن الشعب، فكيف يصح هذا؟ وهو الذي حكم ظلماً على المسيح بالموت، كيف وهو أحد الظلمة الذين قال لهم المسيح: " ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة " ( لوقا 22/53 ).
كيف يأمر نبي بقتل نبي، فلو صحت نبوته لكان حكمه ردة، أو يكون قد حكم على غير المسيح.
7- (الشتاء و الصيف فى يوم واحد) ذكر مرقس قصة الرجل الذي هرب عرياناً فقال: " تبعه شاب لابساً إزاراً على عريه " (مرقس 14/52 )، ويدل هذا على أن قصة الصلب حصلت في شهور الصيف، ومما يؤيد ذلك أن الفصح عند اليهود - حيث حصلت حادثة الصلب - يكون في شهر إبريل.
لكن يوحنا يذكر ما يفيد أن القصة حصلت في شهور الشتاء، فقد وقف بطرس يوم محاكمة المصلوب، يحتمي من البرد بالنار، يقول يوحنا: " وسمعان بطرس كان واقفاً يصطلي " ( يوحنا 18/25 )، فجمع الإنجيليون الصيف والشتاء في يوم واحد.
8- بطرس الحوارى المقرب من المسيح أنكره في تلك الليلة ثلاث مرات، وأضاف إلى الإنكار حَلفاً ولعناً، لم تجرؤ أقلام الإنجيليين على بيان ذاك الذي لعنه بطرس، لكن لا يحتاج القارئ إلى كثير فطنة ليدرك أنه كان يلعن المقبوض عليه، ويبرأ منه ومن معرفته، فهل كان يلعن سيده المسيح أم المصلوب الخائن؟
وهذا الحلف واللعن سقوط لا يتفق مع خصوصية بطرس الذي كان ينبغي أن يكون مثالاً للثبات والقوة، فقد قال له المسيح: " ولكني طلبت من أجلك، لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت، ثبت إخوانك " ( لوقا 22/32 ).
كما أن الحلف منهي عنه عند النصارى، فكيف حلف بطرس، والمسيح قد علمهم: " لا تحلفوا البتة..، بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا، وما زاد على ذلك فهو شر " ( متى 5/34 - 37 ).
وعليه فبطرس شرير، حلف كاذباً، والتوراة تقول: ".. لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً " (الخروج 20/7 )، و " لا تحلف باسمي للكذب، فتدنس اسم إلهك، أنا الرب " ( اللاويين 19/12) وخروج بطرس عن هذه الأحكام يجعله ملعوناً " ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها" ( التثنية 27/26 ).
ولا يمكن أن يصدر هذا الحلف واللعن من بطرس، فلا يمكن أن يهون عليه نبيه ومعلمه إلى هذا الحد، ولو فعل ذلك لما كان مستحقاً لاسم الإيمان، فضلاً عن المعجزات والخصائص المذكورة له في الأناجيل، وعليه فإن بطرس كان صادقاً محقاً في حلفه ولعنه، إذ الملعون هو المصلوب، وهو ليس المسيح، بل غيره، وهو مستحق للإنكار واللعن.
9-وتُظهر الأناجيل المسيح على الصليب غاية في الضعف والهوان، يستجديهم الماء وهو يرى شماتتهم، ثم يُسمعهم صراخه....ولا يتطابق هذا مع ما عُرف عن شخصية المسيح القوية، والتي تحدى فيها اليهود بأنهم سيطلبونه ولا يجدونه. ( انظر يوحنا 7/23 )، وصام أربعين يوماً قبلُ من غير أن يشكو جوعاً أو عطشاً. ( انظر متى 4/2 ).
كيف يصدر هذا الخور منه وهو القائل لتلاميذه: " لا تضطرب قلوبكم، ولا ترهب، سمعتم أني قلت لكم: أنا أذهب ثم آتي إليكم، لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون، لأني قلت: أمضي إلى الآب " ( يوحنا 12/27 - 28 ).
10- ويذكر الإنجيليون قيامه المسيح بعد الموت، وهذه أحد أكثر موضوعات الأناجيل إثارة، لما في رواياتها من تناقض وتنافر.
فلم ظهر المسيح لتلاميذه ولم يظهر لأعدائه؛ فهذا أظهر لحجته، وأدعى للإيمان به، كما نتساءل عن موقف الكهنة وقد علموا من الحراس بخروج المسيح من القبر؟، كيف سكتوا عن ذلك؟، إن الأناجيل لا تذكر أنهم حركوا ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيهم.
11- كيف للمسيح أن يدعو أن يغفر للذين صلبوه "فَقَالَ يَسُوعُ: «يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ»"(لوقا23/34) و لا يغفر للذى سلمه" إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان . كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد"(متى26/22)
إلى هنا ننتهى من نقد تلك القصة و حلقتنا الخامسة
و الحمد لله رب العالمينhgpgrm hgohlsm
المفضلات