ذاكرة المجزرة!!!



رهيب، وأشد بؤساً من الكوابيس، وأكثر سواداً من الجحيم، ذلك الذي حدث في صبرا وشاتيلا قبل خمسة وعشرين سنة، حيث الجنرال شارون وزير الدفاع آنذاك ورئيس الوزراء سابقاً و الميت سريرياً اليوم!!!
يطوّق مخيمي صبرا وشاتيلا، يطوّقهما حتى الاختناق، حتى الأطفال لم يكن بمقدورهم أن يغادروا الأزقة، حتى صرخات الموت لم تكن قادرة على العبور من النوافذ المذبوحة، وحين اكتمل الطوق، وأطبق الحصار، أعطيت الإشارة للعميل القذر "إيلي حبيقة" قائد مجموعات الانتقام الكتائبية، الذي أعطى بدوره الأوامر لمئات من عناصره المدججين بالسلاح والحقد والشذوذ، فاندفعوا إلى ساحات وأزقة ومنعطفات المخيمين التوأمين، وكان القتل بأبشع الصور، والتطهير، وتحطيم الرؤوس وتفجيرها، والإجهاز على الجرحى الذين يصدر عنهم الأنين، والتمثيل بالجثث المذبوحة نفسها، في السابع والعشرين من أيلول عام 1982، كانت آلهة الشر والجريمة والحقد الأسود المخزون في كهوف الخرافات، كانت الآلهة عطشى – كما قال أناتول فرانس – وكان الضمير البشري غارقاً في العار، يدفن نفسه في حفر المزابل، وكان المقاتلون الفلسطينيون قد غادروا لبنان في شهر آب أغسطس طبقاً لاتفاق وافق عليه "مناحم بيجن" ضامناً له باسم ما يقولون عنه "الأخلاق اليهودية"!!!
ورعته الولايات المتحدة الأمريكية عبر مفاوضها الشهير "فيليب حبيب" ووزير خارجيتها الجنرال السابق "الكسندر هيج" ورئيسها رونالد ريغان، كان المقاتلون الفلسطينيون قد غادروا على ظهر السفن إلى ما وراء المحيطات كأنهم نفايات نووية، لم يكونوا قادرين على الاستجابة لصرخات أبنائهم وبناتهم وعائلاتهم إلا بالجنون!!!

ماذا قالت لنا صرخات الدم المذبوح في صبرا وشاتيلا؟؟؟

قالت لنا أنه يجب أن يكون لنا وطن، الاتفاقات ليست وطناً، والشعارات ليست وطناً، وصرخات العذاب ليست وطناً، ونشيج البكاء المكتوم ليست وطناً، وهذه اللغة الخشبية التي تتحدث عن الأخوة العربية والأخوة الإسلامية ليست وطناً، فكل هذه ومثلها حين يأتي أوان الذبح كما في صبرا وشاتيلا تصبح عاجزة، وللعجز أيضاً إغراءات!!!

وللعجز إدمان!!!

وماذا يمكن أن نكون تعلمنا إلا أن يكون لنا وطن؟؟؟
يا ذاكرة المجزرة لا تسقطي، لا تبهتي، واجعلي أشعتك الأرجوانية تنفذ إلى الروح، وهناك تسكن، مثل "صدفة في الأعماق البعيدة، مثل نداءٍ في اللاوعي، مثل شوق سرمدي أبعد من حدود اللحظة الراهنة!!!
لنكن بارعين كفلسطينيين في التواطؤ مع بعضنا، في فلسفة الانحياز إلى الذات، في إخفاء خناجرنا تحت جلودنا، وفي حفظ مواعيدنا في حدقات العيون.

مجزرة صبرا وشاتيلا:

لم تمت، تحولت بالنسبة للفلسطينيين إلى قيامة متجددة، وتحولت بالنسبة لأعدائهم إلى لعنة، وتحولت بالنسبة للتاريخ الإنساني إلى درس أزلي، هل ترى، حين تكون ضعيفاً، لا حول لك ولا قوة، كيف تهون على أعدائك وعلى الناس أجمعين، هل ترى حين تعطيهم الأمان كيف يطعنونك بالخذلان، وحين توافقهم على وعودهم فإنهم يقطعون أوردة رقبتك، حين تكشف لهم كل أسرارك يصبح لحمك عارياً أمام الفظاعة!!!

في اصطراع القوة:

يصنع الناس آلهتهم على هواهم، يقتلونك، ثم يجعلون آلهتهم تبارك ما فعلت سيوفهم بلحمك الحي!!!

أنظروا كيف أن الآلهة التي يصنعها البشر أنفسهم من العجوة، أو من الأخشاب، والمعادن، والحجارة أو حتى من الأوهام، لا تقف إلا مع الجيوش القوية، ولا تنصر إلا المنتصر، ولا تبارك إلاّ الغالبين!!!

هذه الآلهة الصناعية تبحث دائماً للمذبوحين عن نقائص صغيرة تبرر ذبحهم.

لا ينفع شيء سوى أن نكون أقوياء، هذا هو حديث صبرا وشاتيلا، وربما يكون هذا آخر الكلمات المتجمدة على شفاه القتلى في صبرا وشاتيلا قبل أن يغشاهم الموت.

في المجازر، يقول لنا قتلانا كل يوم، خذوا العبرة منّا، خذوا العبرة، ولا تجعلوا موتكم سهلاً، لا تجعلوا دمائكم بلا ثمن.