5441 - ( إن الله عز وجل يقول :
أنتقم ممن أبغض بمن أبغض ، ثم أصير كلاً إلى النار ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 749 :
$ضعيف$
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم 3500 - بترقيمي) عن أحمد بن بكر البالسي قال : أخبرنا عروة بن مروان الرقي قال : أخبرنا معتمر بن سليمان عن الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً . وقال :
"لم يروه عن ابن المنكدر إلا الحجاج ، ولا عن الحجاج إلا معتمر ، تفرد به عروة بن مروان" .
قلت : وهو ضعيف ؛ قال الدارقطني :
"كان أمياً ، ليس بالقوي في الحديث" .
والحجاج بن أرطاة مدلس ، وقد عنعنه .
والبالسي ضعيف ؛ كما قال الدارقطني . وقال ابن عدي :
"روى مناكير عن الثقات" . وأما الأزدي ؛ فقال :
"كان يضع الحديث" .
وفي مقابله ابن حبان ؛ فإنه ذكره في "الثقات" ؛ ولكنه قال :
"كان يخطىء" .
وبه وحده أعله الهيثمي ، فقال في "المجمع" (7/ 289) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه أحمد بن بكر البالسي ، وهو ضعيف" !
قلت : وإعلاله بمن فوقه ممن ذكرنا أولى ؛ فإن كلام الطبراني يشعر أنه لم يتفرد به . والله أعلم .

(/1)
5442 - ( قال ربكم : ابن آدم ! أنزلت عليك سبع آيات ، ثلاث لي ، وثلاث لك ، وواحدة بيني وبينك : فأما التي لي ؛ فـ (الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين) ، [والتي بيني وبينك] : (إياك نعبد وإياك نستعين) ؛ منك العبادة وعلي العون لك . وأما التي لك : (اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم . غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 750 :
$ضعيف جداً$
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 6547 - بترقيمي) من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي ابن كعب قال :
قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم فاتحة الكتاب ؛ ثم قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته ابن أرقم هذا ؛ فإنه متروك ؛ كما قال الذهبي في "الكاشف" ، والهيثمي في "المجمع" (2/ 112) ، وبه أعله .
ثم إن في متنه نكارة ؛ فقد صح بلفظ :
"قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ؛ ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : (الحمد لله رب العالمين) قال الله : حمدني عبدي ..." الحديث . رواه مسلم ، وأبو عوانة في "صحيحيهما" وغيرهما ، وهو مخرج في "الإرواء" (502) .
(تنبيه) : ما بين المعكوفتين سقط من الأصل ، ويظهر أنه سقط قديم ؛ فإنه كذلك في "المجمع" برواية "الأوسط" ، وقد استدركته من "الدر المنثور" (1/ 6) ، و "الجامع الكبير" (1/ 599) ؛ لكن وقع فيه : (طب) ؛ أي : الطبراني في "الكبيرط ! والظاهر أنه خطأ من
الناسخ ؛ فإنه ليس فيه .

(/1)
5443 - ( كان يقول عند الكرب : لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم ، اللهم ! اصرف [عني] شره . وفي رواية : شر فلان ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 751 :
$منكر بزيادة الصرف$
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص 103 - التازية) من طريق عبدالملك بن الخطاب بن عبيدالله بن أبي بكرة قال : حدثني راشد أبو محمد عن عبدالله بن الحارث قال : سمعت ابن عباس يقول : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وله علتان :
الأولى : راشد هذا - وهو ابن نجيح الحماني - قال أبو حاتم :
"صالح الحديث" .
وذكره ابن حبان في "الثقات" ، وقال :
"ربما أخطأ" . ولخص هذا الحافظ ، فقال :
"صدوق ، ربما أخطأ" .
والأخرى : عبدالملك بن الخطاب ؛ ذكره ابن حبان في "الثقات" . وقال ابن القطان :
"حاله مجهولة" . وقال الحافظ في "التقريب" :
"مقبول" .
قلت : فهو العلة .
ولا يقويه أنه رواه الطبراني في "الكبير" (10/ 386/ 10772) عن خالد ابن يوسف السمتي : حدثنا أبي عن راشد بن نجيح (الأصل : ابن أبي نجيح !) به . والزيادة له ؛ وكذا الرواية .
وهذا إسناد أشد ضعفاً من الذي قبله ، وآفته يوسف هذا ؛ فقال الذهبي في ترجمة ابنه خالد :
"أما أبوه فهالك ، وأما هو فضعيف" .
والحديث صحيح محفوظ من طريق أخرى عن ابن عباس به ، دون قوله :
"اللهم ! اصرف عني شره .." .
فقد أخرجه البخاري (6346،7426) ، وفي "المفرد" أيضاً ؛ ومسلم (8/ 85) ، والترمذي (3431) - وصححه - ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (414/ 652-653) ، وابن ماجه (3883) ، والطيالسي (2651) ، وأحمد (1/ 228،254،339،356) ، وابن أبي شيبة (10/ 196/ 9204) ، و الطبراني في "الكبير" (12/ 158) وفي "الدعاء" (2/ 1274/ 1023،1024) من طريق أبي العالية عن ابن عباس به دون الزيادة .
فهي منكرة .
فيتعجب من الحافظ كيف سكت عليها في "الفتح" (11/ 147) ؛ وقد ذكرها من طريق "الأدب المفرد" ؟! وزاد أحمد والطبراني والنسائي :
ثم يدعو .
وسنده صحيح .

(/1)
5444 - ( بينا أنا جالس ؛ إذ جاء جبريل ، فوكز بين كتفي ، فقمت إلى شجرة مثل وكري الطير ، فقعد في إحداهما ، وقعدت في الأخرى ، فسمت فارتفعت ؛ حتى سدت الخافقين ؛ وأنا أقلب بصري ، ولو شئت أن أمس السماء لمسست ، فنظرت إلى جبريل كأنه حلس لاطىء ، فعرفت فضل علمه بالله علي ، وفتح لي بابين من أبواب الجنة ، ورأيت النور الأعظم ، وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت ، فأوحى إلي ما شاء أن يوحي ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 753 :
$ضعيف$
أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 209-210- مكتبة الكليات الأزهرية) ، وابن سعد في "الطبقات" (1/ 171) ، والبزار في "مسنده" (1/ 47/ 58) ، والطبراني في "الأوسط" (1/ 99/ 59 - مجمع البحرين) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 316) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 109 - هندية) من طريق الحارث بن عبيد الإيادي عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك مرفوعاً . وقال أبو نعيم مضعفاً :
"غريب ، لم نكتبه إلا من حديث أبي عمران ، تفرد به الحارث بن عبيد أبو قدامة" .
قلت : قال الذهبي في "الكاشف" :
"ليس بالقوي ، وضعفه ابن معين" . وقال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق يخطىء" .
قلت : ولم يصرح أحد بتوثيقه .
ومع ذلك ؛ رجح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله توثيقه ، وقد رددت عليه في "شرح الطحاوية" (ص 348 - الطبعة السادسة) .
ومما يؤكد ضعفه : أنه خالفه حماد بن سلمة ؛ فقال : أخبرنا أبو عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب التميمي - زاد بعضهم - عن أبيه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ... فذكره .
أخرجه البيهقي هكذا بالزيادة ، وعلقه قبيل ذلك بدونها . وهكذا رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 194) ، وكذا ابن المبارك في "الزهد" ، والحسن بن سفيان في "مسنده" - كما في "اللسان" - ، وقال :
"وجزم البخاري وابن أبي حاتم والعسكري وابن حبان [يعني في "الثقات" (3/ 234)] بأنه مرسل" .
وذكره نحوه في ترجمة محمد بن عمير هذا من "الإصابة" ، وقال :
"قال ابن منده : ذكر في الصحابة ، ولا يعرف له صحبة ولا رؤية" . ثم قال الحافظ :
"وأما أبوه : فلا أدري هل له إدراك أم لا ؟ فإني لم أجد أحداً ممن صنف في الصحابة ذكره ، وأخلق به أن يكون أدرك العهد النبوي" !
وأقول : نعم ؛ لو صح ذكره في الإسناد ؛ ولكن الظاهر أنه شاذ لا يصح ؛ كما يشعر بذلك إعلال الأئمة إياه بالإرسال ، وعدم ذكره في روايتهم - إلا البيهقي - على ما في ثبوتها في كتابه من الشك كما سبقت الإشارة إليه . والله سبحانه وتعالى أعلم .

(/1)
5445 - ( اعمم ولا تخص ؛ فإن بين الخصوص والعموم كما بين السماء والأرض ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 755 :
$ضعيف$
أخرجه الديلمي في "مسند
الفردوس" (2/ 1/ 14) من طريق الدارقطني عن محمد بن إسماعيل الصائغ عن علي بن جرير الخراساني عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن علي قال :
مر رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا أقول : اللهم ! ارحمني ، فضرب بيده بين كتفي فقال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون ؛ مترجمون في "التهذيب" ؛ غير علي بن جرير الخراساني ؛ والظاهر أنه الذي في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 178) :
"علي بن جرير الباوردي ، روى عنه .. (بياض) . سئل أبي عنه ؟ فقال : صدوق" .
فإن (الباوردي) نسبة إلى (أبيورد) ؛ وهو بلد بـ (خراسان) ، كما في "معجم البلدان" وغيره ، ولم أجد له ترجمة في غير المصدر المذكور ، وهي غير كافية ؛ لجهالة من روى عنه ، فهو شبه المجهول عندي ، لا سيما وقد خولف في إسناده .
فأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 130) من طريق العيشي : حدثنا حماد بن سلمة : حدثنا ثابت عن عمرو بن شعيب :
أن النبي صلي الله عليه وسلم أتى على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد خرج لصلاة الفجر ؛ وعلي يقول : اللهم ! اغفر لي وارحمني ، اللهم ! تب علي . فضرب النبي صلي الله عليه وسلم على منكبه ، وقال : ... فذكره ، دون قوله :
"ولا تخص" .
وكذا رواه أبو داود في "المراسيل" ؛ كما ذكره البيهقي عقبه ، وهو في النسخة المطبوعة من "المراسيل" (ص 11-12) ؛ لكنها مختصرة من الأسانيد وبعض المتون ؛ كما تبين لنا بالمراجعة ، فلم نعرف هل هو من طريق العيشي هذا أم غيره ؟!
وبالجملة ؛ فالصواب في الحديث أنه مرسل عمرو بن شعيب ، أخطأ الخراساني في وصله عن علي ؛ لأن العيشي - وهو عبيدالله بن محمد - ثقة اتفاقاً .
ثم إن المتن منكر مخالف لكثير من الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي صلي الله عليه وسلم في أدعيته ؛ فإنها بصيغة الإفراد ، حتى في الصلاة . ومنها قوله صلي الله عليه وسلم بين السجدتين :
"اللهم ! اغفر لي ، وارحمني ، واجبرني ، وارفعني ، واهدني ، وارزقني" .
انظر كتابي "صفة الصلاة" ، والرد على (عز الدين بليق) ؛ وقد أورد هذا الحديث في كتابه الذي سماه "منهاج الصالحين" ! وإنما هو منهاجه هو ؛ لجهله بالشريعة ، وكثرة الأحاديث الضعيفة فيه والموضوعة والمنكرة ، وقد جاوزت الأربع مئة حديث في ردي المشار إليه ، وهذا منها برقم (168) .
وقد أورده السيوطي في "الجامع الكبير" (1/ 124) من رواية الديلمي وأبي داود والبيهقي مرفوعاً .
ثم ذكره (3/ 160) في مسند علي من رواية الديلمي كما تقدم ! ومعلوم أن ما عزاه إليه ضعيف ، يكفي ، مجرد العزو إليه عن بيان ضعفه ؛ كما نص عليه في المقدمة .

(/1)
5446 - ( دثر مكان البيت ، فلم يحج هود ولا صالح ؛ حتى بوأه الله لإبراهيم ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 757 :
$ضعيف جداً$
أخرجه أبو إسحاق الحربي في "المناسك" (ص 482) من طريق إبراهيم بن محمد بن عبدالعزيز الزهري عن أبيه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : دثر ... إلخ . قال عروة : قلت لعائشة : عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟ قالت : عن رسول الله .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ إبراهيم وأبوه محمد متروكان ، مترجمان في "الميزان" ، و "اللسان" ، وغيرهما .
ومحمد هذا : هو الذي بمشورته جلد الإمام مالك ؛ كما هو مصرح به في "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 1/ 167) ، و"الصغير" أيضاً (ص 190) ، و"الضعفاء" لابن حبان (2/ 264) وغيرها .
لكن وقع مثله في ترجمة ابنه إبراهيم من "الميزان" و "اللسان" !
فالظاهر أنه خطأ . والله أعلم .
والحديث ؛ أورده الذهبي - ثم العسقلاني - في مناكير إبراهيم هذا .

(/1)
5447 - ( لا تكن فتاناً ، ولا مختالاً ، ولا تاجراً إلا تاجر خير ؛ فإن أولئك المسبوقون في العمل ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 758 :
$ضعيف$
أخرجه الطيالسي في "مسنده" (رقم 96) : حدثنا شعبة عن الحكم عن رجل من أهل البصرة - ويكنونه أهل البصرة : أبو المودع ، وأهل الكوفة يكنونه بـ :أبي محمد ، وكان من هذيل - عن علي بن أبي طالب مرفوعاً به . وفيه قصة .
وأخرجه أحمد (1/ 87) من طريقين آخرين عن شعبة به ؛ إلا أنه قال في الطريق الأخرى منهما : (مورع) - بالراء - بدل (مودع) - بالراء أيضاً - .
وكذلك أعاده أحمد (1/ 139) من الطريق الأخرى .
ثم رواه عبدالله من طريق حجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة عن أبي محمد الهذلي عن علي .
قلت : وأبو محمد هذا - أو أبو المودع ، أو أبو المورع ، وقيل : أبو المروع - ؛ قال الحسيني :
"مجهول" ؛ كما في "التعجيل" ؛ وقال الذهبي في كنيته الأولى والثالثة :
"لا يعرف" .
قلت : وذلك ؛ لأنه لم يرو عنه غير الحكم بن عتيبة .
وأما قول الهيثمي في "المجمع" (5/ 173) - بعدما عزاه لأحمد وابنه - :
"ولم أجد من وثقه ، وقد روى عنه جماعة" .
فهو خطأ ، قلده فيه الشيخ المناوي في "الجامع الأزهر" (3/ 107/ 1) ؛ يتبين ذلك لكل من رجع إلى ترجمته في "تعجيل المنفعة" .
هذا ؛ ويغلب على ظني أنه ثعلبة بن يزيد المترجم في "التهذيب" ؛ فقد رأيت الحديث في "طبقات الأصبهانيين" لأبي الشيخ (ص 233- ظاهرية) من طريق أبان بن تغلب عن الحكم بن عتيبة عن ثعلبة بن يزيد عن علي بن أبي طالب به دون الاستثناء .
وكذا رواه الطحاوي في "المشكل" (3/ 15) بالاستثناء .
ويؤيد ذلك : أن ثعلبة هذا كوفي يروي عن علي ، وعنه الحكم وغيره ؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 207) :
"كان غالياً في التشيع ، لا يحتج بأخباره التي ينفرد بها عن علي" .
ثم تناقض فأورده في "الثقات" (4/ 98 - دائرة المعارف) من روايته عن علي ، وعنه حبيب بن أبي ثابت ! وقال الحافظ المزي في "التهذيب" (4/ 399 - الرسالة) :
"قال البخاري : في حديثه نظر ، لا يتابع في حديثه . روى له النسائي في "مسند علي" وقال : ثقة" .
واعلم أن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله قد حسن إسناد الحديث في تعليقه على "المسند" (2/ 69) ؛ مع أنه نقل قول الذهبي المتقدم في أبي محمد :
"لا يعرف" ! ولكنه عقب عليه بقوله :
"وأنا أرى أن التابعين على الستر والثقة حتى نجد خلافهما" !!
قلت : وعلى هذا جرى في كثير من أحاديث "المسند" ! وهو توسع غير محمود عندي ؛ لأن النفس لا تطمئن لكون التابعي أياً كان على الستر والثقة ؛ لأننا نخشى في روايته غير اتهامه في نفسه ، وهو احتمال أن يكون ضعيفاً في حفظه ، فلو أنه اشترط إلى ذلك أن يكون معروفاً برواية جمع من الثقات عنه ، ولم يتبين في حديثه ما يضعف به من الخطأ والمخالفة للثقات ؛ لكان مقبولاً . والله أعلم .
ثم رأيت الحديث قد أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 39/ 90) من طريق أبان بن تغلب به ؛ إلا أنه قال : ثعلبة بن يزيد ، أو يزيد بن ثعلبة ... وذكر الاستثناء ، ثم قال :
"وهذا خبر - عندنا - صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح ، وذلك ؛ أنه خبر لا يعرف لبعض ما فيه مخرج عن علي عن النبي صلي الله عليه وسلم يصح إلا من هذا الوجه . وأخرى : أن في إسناده شكاً فيمن حدث عن علي رحمة الله عليه ؛ أثعلبة بن يزيد هو أم يزيد بن ثعلبة ؟ والثالثة : أن الذي فيه من ذكر (التاجر) إنما روي عن علي موقوفاً عليه من كلامه غير مرفوع إلى النبي صلي الله عليه وسلم ، وبخلاف اللفظ الذي فيه" !
ثم ساق عدة روايات موقوفة على علي رضي الله عنه ، وأتبعها بقوله :
"وقد وافق علياً رحمة الله عليه في روايته عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بذم التجارة جماعة من الصحابة ، نذكر ما صح عندنا من ذلك سنده" .
ثم ساق عدة أحاديث في أن التجار هم الفجار إلا من بر وصدق ، ونحو ذلك ، وبعضها مخرج في "الصحيحة" (366) .
ولكن إن كان هذا يشهد لما في حديث الترجمة من ذكر التاجر ؛ فإنه لم يجب عن الأمر الآخر الذي أورده هو على نفسه ؛ وهو الشك في الراوي عن علي : ثعلبة ابن يزيد أو العكس ؟! فإن كان الأول ؛ فقد عرفت البخاري وغيره فيه ، وإن كان الآخر فمن هو ؟ ولا نعلم في الرواة من يسمى يزيد بن ثعلبة .
ولا يخفى أن الطبري رحمه الله لا تتم دعواه إلا بعد أن يجيب عن الشك المذكور بترجيح أحد طرفيه ، ثم بيان أن الذي رجحه ثقة عند المحدثين ! وهذا ما لم يفعله ، فنحن على الضعف الذي ظهر لنا ، حتى يتبين لنا ما يضطرنا إلى الانتقال إلى ما ذهب إليه الإمام الطبري من
الصحة . والله أعلم .
(تنبيه) : قوله : "المسبوقون" ! كذا في رواية الطيالسي وأحمد في الموضع الأول . وفي الرواية الأخرى له وابنه عبدالله :
"المسوفون" ؛ وكذا في رواية ثعلبة عند الطحاوي ؛ خلافاً لرواية الطبري عنه ؛ فإنها باللفظ الأول .

(/1)
وهذا الاختلاف مما قد يزيد في ضعف الحديث ؛ لأنه يدل على أن راويه لم يضبطه . والعلم عند الله تعالى .
(/2)
5448 - ( (يمحو الله ما يشاء) ؛ إلا الشقاوة ، والسعادة ، والحياة ، والموت ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 762 :
$ضعيف$
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 9626 - مصورتي) من طريق محمد بن جابر عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول : ... فذكره . وقال :
"لم يروه عن ابن أبي ليلى إلا محمد بن جابر ، ولا رواه عن نافع إلا ابن أبي ليلى" .
قلت : وهو محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى الكوفي الفقيه ، وهو صدوق سيىء الحفظ جداً ؛ كما قال الحافظ في "التقريب" .
ونحوه الراوي عنه : محمد بن جابر - وهو الحنفي اليمامي - ؛ قال الحافظ أيضاً :
"صدوق ، ذهبت كتبه ؛ فساء حفظه وخلط كثيراً ، وعمي فصار يلقن ، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة" .
وبه وحده أعله الهيثمي ، فقال في "المجمع" (7/ 43) :
"وهو ضعيف من غير تعمد كذب" .
ولذلك ؛ جزم السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 66) بأن سنده ضعيف ، وعزاه لابن مردويه أيضاً .
وتبعه على ذلك الشوكاني في "فتح القدير" (3/ 85) .
ويحتمل عندي احتمالاً قوياً أن أصل الحديث الموقوف على ابن عباس ؛ أخطأ في إسناده ورفعه : محمد بن جابر عن ابن أبي ليلى ؛ فقد خالفه سفيان وغيره من الثقات فرووه عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به موقوفاً .
أخرجه ابن جرير في "التفسير" (16/ 478 - شاكر) . ونسبه السيوطي لعبدالرزاق أيضاً ، والفريابي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "الشعب" .
وقد رواه ابن جرير عن مجاهد أيضاً مقطوعاً . وسنده صحيح .
وكأنه تلقاه عن ابن عباس رضي الله عنه فإنه من تلامذته .
وثبت خلافه عن عمر وغيره ، فروى ابن جرير (16/ 181-182) من طريق أبي حكيمة عن أبي عثمان النهدي :
أن عمر بن الخطاب قال - وهو يطوف بالبيت ويبكي - : اللهم ! إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنباً ؛ فامحه ؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة .
ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 63) في ترجمة عصمة أبي حكيمة هذا . وقد قال فيه ابن أبي حاتم (3/ 2/ 20) عن أبيه :
"محله الصدق" .
وذكره ابن حبان في "الثقات" .
والظاهر أنه قد توبع ؛ فقد رواه ابن جرير من طريق معتمر عن أبيه عن أبي حكيمة عن أبي عثمان ، وأحسبني قد سمعته من أبي عثمان مثله .
وأبو المعتمر : اسمه سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة من رجال الشيخين .
ثم روى ابن جرير من طريق شريك عن هلال بن حميد عن عبدالله بن عكيم عن عبدالله أنه كان يقول :
اللهم ! إن كنت كتبتني في السعداء ؛ فأثبتني في السعداء ؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب .
ورجاله ثقات ؛ لولا ضعف حفظ شريك ؛ لكنه يتقوى بطريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول :
اللهم ! إن كنت كتبتني في أهل الشقاوة ؛ فامحني ، وأثبتني في أهل السعادة .
رواه ابن جرير ، والطبراني في "الكبير" (8847) .
ورجاله ثقات رجال مسلم إلا أن أبا قلابة لم يدرك ابن مسعود ؛ كما قال الهيثمي (10/ 185) ، ولكنه شاهد قوي للطريق الموصولة قبله . والله أعلم .
ولعل الواسطة بينهما أبو وائل شقيق بن سلمة ؛ فقد روى الأعمش عنه :
أنه كان يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات .
رواه ابن جرير بسند صحيح عنه .
وكان أبو وائل من أعلم أهل الكوفة بحديث ابن مسعود .
واعلم أن المفسرين اختلفوا اختلافاً كثيراً في تفسير آيتي (الرعد) : (لكل أجل كتاب . يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) على أقوال كثيرة ، استوعبها الشوكاني في "الفتح" ، وذكر بعضها ابن جرير ، ثم ابن كثير ، واختار هذا ما هو أقرب للسياق ؛ فقال :
"أي : لكل كتاب أجل ، يعني : لكل كتاب أنزله الله من السماء مدة مضروبة عند الله ، ومقدار معين ، فلهذا : (يمحو الله ما يشاء) : منها : (ويثبت) ؛ يعني : حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه" .
فالمحو والإثبات فيهما خاص بالأحكام في الكتب المتقدمة أو في الشريعة المحمدية ، ينسخ منها ما يشاء ، ويثبت ما يشاء . وهو يلتقي مع ما رواه ابن جرير (16/ 485) وغيره بسند فيه ضعف عن ابن عباس : (يمحو الله ما يشاء) ، قال :
من
القرآن ؛ يقول : يبدل الله ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله . (وعنده أم الكتاب) ، يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل ، كل ذلك في كتاب .
وقد وجدت ما يقويه من رواية عكرمة عن ابن عباس ، من وجهين عن عكرمة :
الأول : رواه يزيد النحوي عنه ابن عباس ؛ في قوله :
(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) ، وقال : (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ...) الآية ، وقال : (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ؛ فأول ما نسخ من
القرآن القبلة ... الحديث .
رواه النسائي أواخر "الطلاق" ، وأبو داود مختصراً .

(/1)
وإسناده حسن ؛ كما هو مبين في "الإرواء" (7/ 161/ 2080) .
والآخر : رواه سليمان التيمي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ في قول الله عز وجل :
(يمحو الله ما يشاء) ، قال : من أحد الكتابين ؛ هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت . (وعنده أم الكتاب) ؛ أي : جملة الكتاب .
رواه ابن جرير (16/ 480،481) ، والحاكم (2/ 349) . وقال :
"صحيح غريب" . ووافقه الذهبي .
قلت : وفي رواية لابن جرير (16/ 491) من طريق علي عن ابن عباس :
(وعنده أم الكتاب) ، يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ؛
الناسخ والمنسوخ ،، وما يبدل وما يثبت ، كل ذلك في كتاب .
وفي سنده انقطاع وضعف .
ثم اعلم أنه - وإن كان المحو والإثبات في الآية خاصاً بالأحكام الشرعية ؛ كما تقدم - ؛ فليس في الشرع ما ينفيهما في غيرها ، بل إن ظواهر بعض النصوص تدل على خلاف ذلك ؛ كمثل قوله صلي الله عليه وسلم :
"لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر" ؛ وهو حديث حسن مخرج في "الصحيحة" (154) . وقوله صلي الله عليه وسلم :
"من أحب أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره (وفي بعض الطرق : في آجله) ؛ فليصل رحمه" . متفق عليه ، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (276) .
وقد صح عن ابن عباس أنه قال :
لا ينفع الحذر من القدر ، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر .
أخرجه الحاكم (2/ 350) . وقال :
"صحيح الإسناد" . ووافقه الذهبي .
إذا عرفت ما تقدم ؛ فاعلم أن المحو المذكور والزيادة في الرزق والعمر ؛ إنما هو بالنسبة للقضاء أو القدر المعلق ، وأما القضاء المبرم المطابق للعلم الإلهي ؛ فلا محو ولا تغيير ، كما كنت شرحت ذلك في تعليقي على "مختصر مسلم" للمنذري (ص 470) ؛ فراجعه فإنه هام !
ثم رأيت القرطبي قد أشار إلى ذلك في تفسيره "الجامع" ، فقال (5/ 332) :
"والعقيدة : أنه لا تبديل لقضاء الله ، وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء ، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعاً محتوماً - وهو الثابت - ، ومنه ما يكون مصروفاً بأسباب - وهو الممحو - والله أعلم . قال الغزنوي :
وعندي : أن ما في اللوح خرج عن الغيب ؛ لإحاطة بعض الملائكة ، فيحتمل التبديل ؛ لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال ، وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل" .
وإذا عرفت هذا ؛ سهل عليك فهم كثير من النصوص المرفوعة والآثار الموقوفة ، وقد تقدم بعضها ، وتخلصت من الوقوع في تأويلها . والله الهادي .
ثم وقفت على كلام جيد لشيخ الإسلام ابن تيمية ، يؤيده ما ذهبت إليه في "مجموع الفتاوى" (8/ 516-518،540،541) و (14/ 488-492) ، فراجعه ؛ فإنه مهم !

(/2)
5449 - ( (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ؛ قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 768 :
$ضعيف جداً$
رواه ابن سعد في "الطبقات" (3/ 574) : أخبرنا عفان ابن مسلم قال : أخبرنا همام بن يحيى عن الكلبي في قوله : (يمحو الله ما يشاء ويثبت) قال : ... فذكره . فقلت : من حدثك ؟ قال : حدثني أبو صالح عن جابر بن عبدالله بن رئاب الأنصاري عن النبي صلي الله عليه وسلم .
ورواه ابن جرير (16/ 484-485) من طريق أخرى عن عفان به .
وهذا إسناد ضعيف جداً ، إن لم يكن موضوعاً ؛ آفته الكلبي هذا ؛ فإنه سبئي متهم بالكذب ، بل قد اعترف هو بذلك .
فروى ابن حبان (2/ 254) : أخبرنا عبدالملك بن محمد قال : حدثنا عمر ابن شبة قال : حدثنا أبو عاصم قال : قال لي سفيان الثوري : قال لي الكلبي :
ما سمعته مني عن أبي صالح عن ابن عباس ؛ فهو كذب .
ورجال هذا الإسناد ثقات ؛ على ضعف في عبدالملك هذا - وهو الرقاشي - ، وليس لفظه صريحاً بالاعتراف المذكور ، لا سيما وقد رواه ابن أبي حاتم (3/ 271) :أخبرنا عمر بن شبة بلفظ : زعم لي سفيان الثوري قال : قال لنا الكلبي :
ما حدثت عني عن أبي صالح عن ابن عباس ؛ فهو كذب ؛ فلا تروه .
وهذا إسناد صحيح ؛ فهو يحتمل أن الكذب من أبي صالح ؛ وهو المسمى (باذام) أو (باذان) مولى أم هانىء وهو صاحب التفسير الذي رواه عن ابن عباس ، ورواه عنه الكلبي هذا ؛ كما في "طبقات ابن سعد" (6/ 296) ، وهو ضعيف ، أو أشد . انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم 225) ، فكأن الكلبي يتهم بذلك أبا صالح نفسه ! ويرجح هذا رواية أخرى عند ابن حبان أيضاً (2/ 255) بإسناده المتقدم بلفظ :
.. عن سفيان قال : قال لي الكلبي : قال لي أبو صالح : كل ما حدثتك فهو كذب .
ويقويه رواية يحيى بن سعيد عن سفيان قال : قال لي الكلبي : قال لي أبو صالح : كل شيء حدثتك ؛ فهو كذب .
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 1/ 101) : قال لنا علي : حدثنا يحيى بن سعيد .
وكذلك رواه في "التاريخ الصغير" (ص 158) .
وهذا إسناد صحيح غاية ؛ فهو أصح من الأول ، لا سيما والرواية الأخرى منه بمعناه ؛ فهو المعتمد .
وقد سقط من رواية "الميزان" (تحقيق البجاوي) قوله : "قال لي أبو صالح" ؛ فصارت العبارة فيه :
كل ما حدثتك عن أبي صالح ؛ فهو كذب !
والخلاصة : أن القائل : "كل شيء حدثتك فهو كذب" ؛ إنما هو أبو صالح ؛ وليس هو الكلبي ، وإنما هو الراوي لذلك عن أبي صالح ، ولذلك ؛ حذر من التحديث بذلك بقوله للثوري :
فلا تروه .
ومن البداهة في مكان : أن أبا صالح - على ضعفه - لا يدان بذلك ؛ لوهاء الكلبي ؛ فتنبه ، ولا تتورط بما وقع في "الميزان" ؛ كما وقع لي فيما تقدم من الكلام على الحديث (111) من هذه "السلسلة" ، والمعصوم من عصمه الله تعالى !
وجملة القول : أن حديث الترجمة ضعيف جداً ؛ لأن مداره على الكلبي عن أبي صالح ، وقد عرفت وهاءهما الشديد . ولهذا ؛ لم يحسن السيوطي بسكوته على الحديث في "الدر المنثور" (4/ 66) ؛ لا سيما وقد وقع فيه :
... عن الكلبي رضي الله عنه ! فأوهم أن الكلبي صحابي ! وإنما هو من صغار التابعين ، والترضي خاص بالصحابة عرفاً . وأما أتباعهم فيترحم عليهم ؛ وما أدري إذا كان الكلبي السبئي يستحق الترحم عليه ؟!
(تنبيه) : قد ذكر أبو السعود في "تفسيره" من الأقوال التي قيلت في تفسير آية (يمحو الله ما يشاء ...) قول :
"يمحو الأجل أو السعادة والشقاوة" ، ثم قال :
"وبه قال ابن مسعود ، وابن عمر رضي الله عنهم ، والقائلون به يتضرعون إلى الله أن يجعلهم سعداء ، وهذا رواه جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام" !!
ففيه ثلاثة أخطاء :
الأول : قوله : "وابن عمر" ! . صوابه "عمر" ؛ كما تقدم في الحديث الذي قبله .
الثاني : قوله : "رواه جابر" ؛ فليس لجابر إلا حديث الترجمة .
الثالث : أطلق العزو لجابر ؛ فأوهم أنه جابر بن عبدالله بن عمرو - لأنه المتبادر عند الإطلاق - ، وليس به ، وإنما هو جابر بن عبدالله بن رئاب كما تقدم ، وكلاهما أنصاري ؛ فتنبه !

(/1)
5450 - ( يا أبا بكر ! برد أمرنا وصلح ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 771 :
$ضعيف جداً$
رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ" (ص 21 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، وابن عبدالبر في "التمهيد" (24/ 73) ، وابن عدي في "الكامل" (ق 28/ 2) ، والخطابي في "غريب الحديث" (ق 33/ 1- ظاهرية و 1/ 180-181- جامعة أو القرى) عن الحسين بن حريث : حدثنا أوس ابن عبدالله بن بريدة : حدثني الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة عن أبيه :
أن النبي صلي الله عليه وسلم لما توجه نحو المدينة ؛ خرج بريدة الأسلمي في سبعين راكباً من أهل بيته من بني سهم ، فيتلقى نبي الله صلي الله عليه وسلم ليلاً . فقال له :
"من أنت ؟" . قال : بريدة . فالتفت إلى أبي بكر ، وقال :
"يا أبا بكر ! برد أمرنا وصلح" . ثم قال :
"ممن ؟" . قال : من أسلم . قال لأبي بكر : "سلمنا" . ثم قال :
"ممن ؟" . قال : من بني سهم . قال :
"خرج سهمك" .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ أوس هذا متروك ؛ كما قال الدارقطني . ونحوه قول البخاري :
"فيه نظر" .
وله طريق أخرى ، ولكنها واهية أيضاً ؛ لأنها من رواية عبدالعزيز بن عمران : حدثنا أفلح بن سعيد عن سليمان بن فروة عن أبيه عن بريدة الأسلمي به مختصراً ؛ قال :
لما أقبل رسول الله صلي الله عليه وسلم في مهاجره ؛ لقي ركباً ، فقال :
"يا أبا بكر ! سل القوم ممن هم ؟" . قالوا : من أسلم . قال :
"سلمت يا أبا بكر ! سلهم من أي أسلم ؟" . قالوا : من بني سهم . قال :
"ارم بسهمك يا أبا بكر !" .
أخرجه البزار في "مسنده" (2/ 301-302- كشف الأستار) ، وقال :
"لا نعلم رواه إلا بريدة ، ولا نعلم له إلا هذا الطريق" !
كذا قال ! والطريق الأولى ترد عليه . وقد أعل هذه الهيثمي في "المجمع" (6/ 55) بقوله :
"وعبدالعزيز بن عمران الزهري متروك" .
(تنبيه) : كان الداعي إلى تخريج الحديث : أنني شرعت قريباً في أواسط شهر الله المحرم سنة (1404) في اختصار كتاب ابن قيم
الجوزية : "تحفة المودود في أحكام المولود" ، فمر بي هذا الحديث ، وقد عزاه في موضع لابن أبي خيثمة ، وفي آخر لأبي عمر بن عبدالبر في "الاستذكار" ؛ ساكتاً عليه فيهما ، فتذكرت أن شيخه ابن تيمية كان قد ذكر طرفاً منه في كتابه "الكلم الطيب" الذي كنت حققته وخرجت أحاديثه ، ثم طبعته سنة (1385) في المكتب الإسلامي ، ذكره مع أحاديث أخرى (ص 125-127) قائلاً :
"هذه الأحاديث في (الصحاح)" .
فعلقت عليه يومئذ بأنني لم أعثر عليه ، وأبديت شكي في كونه في "الصحاح" ! والآن تأكدت من خطأ عزوه إليها ، وتبينت أن إسناد الحديث ضعيف جداً : والله تعالى هو الموفق الهادي .
واعلم أن ابن أبي خيثمة : هو الحافظ أحمد بن زهير بن حرب النسائي البغدادي صاحب "التاريخ الكبير" ، فالظاهر أن ابن القيم منه نقله ، ومن طريقه : أخرجه ابن عبدالبر في "الاستذكار" ؛ فقد رأيته أخرجه في "الاستيعاب" أيضاً في ترجمة بريدة بن الحصيب رضي الله عنه من رواية قاسم بن أصبغ قال : أخبرنا أحمد بن زهير : قال : أخبرنا حسين بن حريث عن الحسين بن واقد به ، وزاد في أوله :
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يتطير ، ولكن يتفاءل ، فركب بريدة في سبعين راكباً ...
وهكذا أورده ابن القيم أيضاً في "مفتاح دار السعادة" - من رواية "الاستذكار" - :
"الحسين بن حريث عن الحسين بن واقد" ؛ ليس بينهما (أوس بن عبدالله) المتروك ! وكأنه سقط من بعض النساخ ، بدليل أنه زاد فيه - أعني : "الاستذكار" - عقب الحديث :
"قال أحمد بن زهير : قال لنا أبو عمار [قلت : هو الحسين بن حريث] : سمعت أوساً يحدث هذا الحديث بعد ذلك عن أخيه سهل بن عبدالله عن أبيه عبدالله بن بريدة ، فأعدت ثلاثاً : من حدثك ؟ قال : سهل أخي" .
قلت : فهذا صريح في أن ابن حريث سمع الحديث أولاً من أوس يحدث به عن ابن واقد ، ثم سمعه بعد منه عن أخيه سهل بن عبدالله ، وهو متروك أيضاً .
فهذا يدلنا على أمرين :
الأول : أن مدار الحديث عند ابن عبدالبر في كتابيه على أوس .
والآخر : أن أوساً كان يضطرب في إسناده : فمرة يرويه عن ابن واقد - وهو صدوق - ، وأخرى عن أخيه سهل المتروك .
ويؤيد الأول : أن السيوطي أورد الزيادة التي عند ابن عبدالبر في كتابه "الجامع الصغير" من رواية الحكيم ، والبغوي عن بريدة .
فقال المناوي في "شرحه" عليه :
"ورواه عنه قاسم بن أصبغ ، وسكت عليه عبدالحق مصححاً له . قال ابن القطان : وما مثله يصحح ؛ فإن فيه أوس بن عبدالله بن بريدة ، منكر الحديث" .
وقد عرفت أن الحديث عند ابن عبدالبر من طريق قاسم بن أصبغ ؛ ففيه إذن أوس بن عبدالله ؛ وهو متروك .

(/1)
وقد خفي هذا على محقق "الوابل الصيب" لابن القيم - الشيخ إسماعيل الأنصاري - ؛ فإنه مع كونه لم يفصح عن درجته ؛ خلافاً لما نص عليه في مقدمته ؛ فإنه تكلف جداً في تأويل عزو ابن تيمية الحديث هذا لـ "الصحاح" كما تقدم ، وقد تبعه ابن القيم في "الوابل" ! بل وأوهم الشيخ القراء بأنه صحيح ، فقال :
"فيمكن أن يكون مرادهما بكونه في "الصحاح" : أنه في الأحاديث الصحيحة ؛ لأن عبارة "في الصحيح" قد تطلق على الصحيح المقابل للحسن والضعيف ، كما تطلق على ما في بعض الكتب التي التزم مؤلفوها فيها
الصحة" !!
قلت : الإطلاق الآخر هو المتبادر والمعروف عند علماء الحديث .
وأما الأول ؛ فغير معهود إلا نادراً جداً ، ولقرينة قوية ، وإلا ؛ كان تدليساً وتضليلاً ، وليس هنا في كلام الشيخين أية قرينة ، بل القرينة فيه تؤكد أنه بالمعنى المعروف ؛ فإن الأحاديث التي أورداها في فصل "الفأل والطيرة" ، كلها في "الصحاح" بالمعنى المعهود ؛ فهذا يبعد أن يكونا أراد بذلك المعنى النادر .
ثم هب أن هذا هو المراد ؛ فهل الحديث صحيح الإسناد ، حتى يؤول كلامهما بذاك التكلف البارد ؟! نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصدع بالحق ، وأن لا تأخذنا في ذلك لومة لائم ، ولا جلالة عالم .
ثم إن مما يؤكد ضعف هذا الحديث : أن أوس بن عبدالله قد خالفه في متنه قتادة - الإمام الثقة - فرواه عن عبدالله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً بلفظ آخر ، تراه مخرجاً في الكتاب الآخر : "الصحيحة" (762) ، فليراجعه من شاء .

(/2)