مختلف, تحية طيبة, وبعد:
1. لقد نزل الوحي على سيدنا محمد_ صلوات الله وسلامه عليه _لمَّا كان في الأربعين من العمر, وقد استمرت دعوته مدة ثلاث وعشرين سنة: في العهد المكي ثلاث عشرة سنة, وفي العهد المدني عشر سنوات.
2. لقد كان محمد خاتم الأنبياء والمرسلين؛ لذلك قد خصَّه الله_ سبحانه _ بمعجزة خالدة, تكون حجةً على العالمين إلى يوم الدين, ألا وهي: (القرآن العظيم).
3. وقد تحدى القرآن الجنَّ والإنس, وعجزوا حتى هذه اللحظة في مجاراته: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾, (الإسراء: 88). ثمَّ زاد الله في تحديهم: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾, (هود: 14). ثمَّ زاد في تقريعهم والتبكيت عليهم: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾, (البقرة: 24). بدأ التحدي بالقرآن, ثمَّ نزل لعشر سور, ثمَّ نزل لسورة, وما زالوا عاجزين عن مجاراته.
4. وقد تعددت أوجه الإعجاز في القرآن: الإعجاز البياني, والإعجاز الغيبي, والإعجاز العلمي؛
أ‌- الإعجاز البياني: عجز العرب عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وعجز الناس جميعاً عن أن يأتوا بمثله، إنما هو لأمر ذاتي في القرآن نفسه. فإن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن أقبلوا عليه مأخوذين بسحر بلاغته، حتى أن الوليد ابن المغيرة ليقول للناس وقد سمع النبي- صلى الله عليه وسلم -يقرأ القرآن:" والله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني, ولا أعلم برجزه وقصيده مني, والله ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة, وإن عليه لطلاوة، وإنه لمورق أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلوا ولا يعلى عليه"، مع أن الوليد هذا لم يؤمن وأصر على كفره. فالإعجاز آت من ذات القرآن، لأن الذين سمعوه والذين يسمعونه إلى يوم القيامة يشدهون ويتحيرون من قوة تأثيره وقوة بلاغته, فإن ألفاظ القرآن وأسلوبه ومراميه يستغرق أحاسيس الإنسان ويستولي عليه. وإعجاز القرآن أظهر ما يظهر في فصاحته وبلاغته وارتفاعه إلى درجة مدهشة, ويتجلى ذلك في أسلوب القرآن المعجز، فإن في أسلوبه من الوضوح والقوة والجمال ما يعجز البشر عن أن يصلوا إليه.
وإذا عجز العرب عن مجاراة القرآن وهم في قمة الفصاحة والبلاغة والبيان مع تهالكهم وحرصهم على ذلك, فإنَّه بقيام الحجة عليهم تقوم على غيرهم؛ لأنَّهم أهل اللسان!!
ب‌- الإعجاز الغيبي: لقد وردت في القرآن أخبار غيب, وقد تحققت كما وردت, ولا يعلم الغيب إلا الله, وفي هذا حجة دامغة على صدق القرآن.
ت‌- الإعجاز العلمي: لقد وردت في القرآن حقائق علمية, ولم يستطع العلم كشفها إلا بعد قرون طويلة, وآلات حديثة, وفي هذا حجة دامغة على صدق القرآن.
5. نبدأ في إقامة الحجة بالإعجاز العلمي.