بعد التحية والسلام عزيزي الداعي؛
أولاً أريد منك عدم اقتطاع كلامي منقوصاً فيعبّر عن معنىً آخر – فضلاً لا أمراً: فأنا قلت لك:
إن أتاك رسول ولم تؤمن رغم معجزته فما هو السبب؟ السبب أكيد ليس عنادك! بل السبب ببساطة ان المعجزة لم تكن على القدر المطلوب من إله خالق اكوان ومجرات وحيوات!
وأنت اقتطعت الجزء اﻷول من الكلام ولم تركز بجوابك على الجزء اﻷهم وهو لو أن المعجزة ساحقة بحيث أنها من الله ولا أحد سواه فوقتها ليس للعناد مكان! ولكن مادامت المعجزة تقبل التأويل تماماً كحالة الكون والنظر إليه فهذا ليس دليلاً كافياً للتصديق فالملحد لديه البديل العقلي عن وجود الله لذا عدم إيمانه ليس عناد بل ﻷنه يملك سبباً يراه [هو] منطقياً في وجود الكون ووجوده؛ أين العناد هنا يا أخي الفاضل حتى تورد لي مثال عن اﻷخ المسيحي الذي أسلم؟
على كلّ حال هذا بالتأكيد ليس اتهاماً -ﻷنني أعدتُ قراءتي لمداخلتي نفسها وأنا نفسي وجدت صعوبة بفهمها – لذا أعتذر إن لم أكن واضحاً.
لدي تعقيب على النقطة التالية في كلامك :
ب-#وكتابة التاريخ بشكل فيه تزوير, ليس له صلة بموضوعنا, وما يشتهر فيه هو شيوع لإشاعة مشكوك في أصلها. أمَّا المعجزة, فهي أتت من إنسان ضعيف, وليس السلطان في يده ليزور الحقائق, بل هو في يد عدوِّه, وعدوُّه حريص على أن يطمس معالم سلطانه وبرهانه.
وهل ألف سنة من سيطرة اﻷمة الإسلامية وريادتها في العلم واﻷدب والفلك والطب والقوة العسكرية على مستوى العالم أجمع لا تعتبر سلطاناً بيد المسلمين و"أمرائهم" ؟
أمثلتك عن ابراهيم الخليل وإلقائه بالنار أو عن شق البحر أو معجزات الرسل اﻵخرين رغم انها ليست صلب حوارنا ولكنها تحتاج الدليل انها حدثت – دليلاً من خارج اﻹطار الديني- وإلا فهي بالنسبة لي كقصة طروادة أو ملحمة غلغامش أو أساطير التنين الصيني لا أكثر! مع فارق ضئيل جداً أنّ الناس تظنها حقيقة!؛ العلم؟؟ لا!
لا تجعلني أعود لنقطة بدائية بالحوار وهي "تعريف الدليل" فأنا لا أعترف بصحة هذه القصص مالم تورد دليلاً تاريخياً -موثقاً- عن حدوثها وإلا هي موروث شعبي أو تأليف محمدي أو موسوي أو سمّه ما شئت: لكنه ليس حادثاً تاريخياً.
#حتى أن الوليد ابن المغيرة ليقول للناس وقد سمع النبي- صلى الله عليه وسلم -يقرأ القرآن:"#والله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني, ولا أعلم برجزه وقصيده مني, والله ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة, وإن عليه لطلاوة، وإنه لمورق أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلوا ولا يعلى عليه"، مع أن الوليد هذا لم يؤمن وأصر على كفره. فالإعجاز آت من ذات القرآن، لأن الذين سمعوه والذين يسمعونه إلى يوم القيامة يشدهون ويتحيرون من قوة تأثيره وقوة بلاغته, فإن ألفاظ القرآن وأسلوبه ومراميه يستغرق أحاسيس الإنسان ويستولي عليه. وإعجاز القرآن أظهر ما يظهر في فصاحته وبلاغته وارتفاعه إلى درجة مدهشة, ويتجلى ذلك في أسلوب القرآن المعجز، فإن في أسلوبه من الوضوح والقوة والجمال ما يعجز البشر عن أن يصلوا إليه.
#
وماذا يعني هذا؟ هل يجب على شخص من عالم آخر اﻹيمان بكتاب أنه من عند خالق المجرات والأكوان لمجرد قول أحد غير المصدقين به أنه كلام خارق للعادة؟ والنكى انه بحسب قولك لم يؤمن به!! عزيزي هذا دليل على جمال تركيب جُمل القرآن وليس على ألوهية كاتبه.
غير هذا وذاك؛ أنا واحد من الناس الذين لم يُشدهوا ولم يُشدّوا إلى القرءان ولم يستغرقني فيه شيء؛؛ إذن فهذا تقوّل عن لساني ﻷن التعميم يشمل كل الناس -أقلها المتكلمون بالعربية- أضف إلى أنني من بيئة مُسلمة ويعني أنني متشبع باﻹسلام ورغم ذلك لم يشدني!! ماذا تنتظر أن يشد الهنود الحمر والصينيين، ومن العرب مَن هُم مثلي مَن لم يَشُدَّهُ البتّة.
تقول (من الوضوح والقوة والجمال): أي وضوح في هذه الكلمة..(كهعيص)؟ هذا مثال عن عدم الوضوح أما القدرة على التأويل لعدم وضوح المغزى فمثالك أنت واحد منها!! لذلك سأنتقل مباشرةً لدحض الدليل اﻷول على اﻹعجاز العلمي الذي ذكرته أنت حول الحديد في القرءان؛؛
أنت تقول أن اﻹعجاز في كلمة أنزلنا الحديد؛ وفسرته بنزول الحديد من السماء! ولكن مهلاً..
يقول القرآن أيضاً:
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
اﻷعراف 26
هل أيضاً اللباس أُنزل من الله من الفضاء الخارجي؟ فعلاً تأويل محزن!
المقصود بكلمة أُنزل أي من عند الله ولا أحد غيره!
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
سورة هود 12
هل أيضاً الكنز موجود في الفضاء الخارجي؟؟ تأويل محزن!
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ الزمر 6
هل أيضاً نزلت أزواج أنفس الكائنات أيضاً من الفضاء الخارجي؟؟ تأويل محزن!
وهذه اﻵية أضيفها ﻷنها من نفس السورة (الحديد):
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ الحديد 57
هل المن والسلوى أيضاً مادة موجودة على اﻷرض لكنها من الفضاء؟ ما هي؟ وأين؟
لم أورد أمثلة عن تنزيل الله للمطر؛ لسببين: أولهما أن المطر واضح انه ينزل من السماء ولا إعجاز بذكر ذلك امام العرب ولا أمام قبائل المايا!؛ والسبب الثاني كي لا أزيد في إحراج هذا اﻹعجاز ﻷن المطر ماهو إلا الماء الموجود على اﻷرض بعد تبخره وتكاثفه بطبقات الجو العليا وسقوطه مرة أخرى على اﻷرض بشكل مطر! يعني دورة المياه الطبيعية – لو كان محمداً يريد إعجازك بهكذا آيه لقال أن المطر يصعد من اﻷرض ويعود إليها وبشكل واضح وغير قابل للتأويل! لكنه لم يقل ذلك..
نتيجة:
كلمة "أُنزل" في القرءان لا تزيد عن معنى التنزيل من الله لكون اعتبار الله في السماء في المنظور الاسلامي ومثالي هو الدعاء ورفع اﻷيدي للأعلى.
لا علاقة لمجرد كلمتين (وأنزلنا الحديد) بماذكرته من نسب وجود الحديد والمغنزيوم والمعادن اﻷخرى في اﻷرض أو في الفضاء وماهذا سوى تأويل غريب عن المنطق العلمي المُعتد به لا أكثر.
وفي النهاية أورد لك مقوله لعليّ بن أبي طالب ابن عم رسول اﻹسلام عندما أرسل من يحاجج الخوارج حيث قال:
لا تُحَاجِجُوهُم بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَمَّاْلُ أَوْجُهٍ [ أي يحمل وجوهاً كثيرة ويقبل التأويل] – وهذا ببساطه تسهيل لما يُسمى تدليساً بالإعجاز العلمي لكنه تسهيل لنقضه على حدّ سواء!
هناك نقطة أرجو أن تجلب لي الدليل بصحتها إن كنت مخطئاً وهي:
أن الحديد نشأ بداخل النجوم القديمة باندماج نووي وعند انفجارها كسوبرنوفا انتشر الحديد عبر الفضاء وأصبح جزءاً من اﻷرض كما غيرها من الكواكب. يعني لم يسقط كل الحديد الذي على اﻷرض كنيازك كما يدّعي اﻹعجاز أصلاً. لكن إن كنتَ تظنني مخطئاً في هذه فأورد لي دليل علمي على أن الحديد لم يكن يوجد على اﻷرض.
بالنسبة لبقية اﻵية؛ فأنا لم أجد أدنى نوع من اﻹعجاز في هذا! ماذا في ذلك أن يصف القرآن أن الحديد ذو بأس شديد؟؟؟ والله لم أفهم أين اﻹعجاز!! أعد عليّ وجهة نظرك أرجوك أين اﻹعجاز في وصف الحديد بانه ذو بأس شديد؟؟ أو بأنه ذو منافع!! ألم يكن أكثر جديةً باﻹعجاز أن يصف القرآن اﻷلمنيوم بسبب فوائده الحديثة الخارقة للعادة كي يُعد هذا إعجازاً؟ ﻷن الحديد كان ذو منافع هائلة أيام الإسلام أصلاً فلا إعجاز ولا يَحزنون.
سؤالي لك وأرجو التفكير بحيادية:
هل كان الحديد أيام الرسول ليناً مثلاً؟؟ أو كان غير ذو منفعة؟؟ حتى يُعتبر قول القرءان ذلك إعجازاً؟.
إن أردت ان تقرأ عن الحديد فأورد لك مثالاً أكثر من عشرات الصفحات في وصف الحديد وتطبيقاته؛ وليس جملة أو جملتين عامتين وقابلتين للتأويل وتصفهما لي بأنهما إعجاز!!
أنتظر تغيير وجهة نظرك بخصوص هذا اﻹعجاز؛ والانتقال إلى نقطة أُخرى.
ما أوردتَهُ ليس دليلاً أصلاً حتى تقول أنه دليل على صدق النبوة.
تحياتي لك ولجميع المتابعين؛ مسلمين، دينيين، أو لادينيين.
عمتم مساءاً.
المفضلات