. الحرية الدِّينية:
أما مجال الحرية الدِّينية، فالواقع أن من المبادئ الأساسية في الإسلام، التي لا يختلف عليها اثنان: أنه {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[البقرة:256].
بل لا يُتصور أن يقبل الإسلام إيمان امرئ مكره، لأن شرط الإيمان أن يكون عن اختيار حر، واقتناع ذاتي، ولهذا رفض القرآن إيمان فرعون عند الغرق
ورفض إيمان الأمم حين ينزل بها بأس الله وعقوبته:فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا
[غافر: 85].
فحرية الاعتقاد مكفولة للجميع:فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
[الكهف:29]،
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ
[يونس:108].
أما الكلام عن حرية الارتداد عن الدِّين، فهذا الذي يحتاج إلى بيان. فالإسلام لا يريد أن يتخذ الناس الدِّين ملعبة، يدخله اليوم ويخرج منه غدا.
أو كما قالت طائفة من اليهود في عهد النبوة:آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
[آل عمران:72].
وهو هنا لا يحجر على تفكير الإنسان، إذا اختار غير الإسلام، ولكنه يحجر عليه الدعوة لتكفير غيره، وإشاعة الفتنة في صفوف الأمة.
ومن حق كل نظام: أن يضع من التشريعات ما يحميه، ويوفر له الحياة والبقاء والانتشار.
والرِّدَّة إذا انتشرت وأمست جماعية: فإنها تهدد المجتمع كله بالخطر، ولا بد أن تقاوم، كما قاومها سيدنا أبو بكر والصحابة معه. ولو تركوا هذه الرِّدَّة وقادتها من المتنبئين الكذابين
أمثال: مُسيلِمة وسَجَاح والأسود وغيرهم، لاجتُثَّ الإسلام من أصله.
وقد رأينا في عصرنا ماذا فعلت الرِّدَّة بجماعة من العسكريين الأفغان، أرسلوا في بعثة إلى روسيا، فاعتنقوا الشيوعية التي هي ضد الإسلام، وضد الأديان بصفة عامة، ثم جاءوا، فقاموا بانقلاب، واستولوا على الحكم، وأرادوا فرض النظام الشيوعي علىالمجتمع الأفغاني المسلم، فرفضهم المجتمع، وقاومهم بما في يديه من أسلحة قديمة ضعيفة، فاستعانت الطائفة المرتدة على قومهم بالسوفييت، يضربونهم بالطائرات من فوق، وبالدبابات من تحت، وقتلوا منهم نحو مليونين، ولا تزال المأساة الأفغانية قائمة إلى اليوم، من جراء تلك الرِّدَّة وأهلها!!
والرِّدَّة ليست مجرد موقف عقلي، إنها تعني: نقل الولاء والانتماء من أمة إلى أمة أخرى مخالفة، فهي -بمعيار الدِّين- لون من الخيانة ونقض العهد، كما أن نقل الولاء من وطن إلى وطن -بمعيار الوطنية- يعتبر من الخيانة العظمى، ولا يقبل أحد أن يُعطَى الفرد حق تغيير ولائه لوطنه، فيصبح مواليًا للدولة المستعمرة، كأن يصبح الجزائري مواليًا لفرنسا المستعمرة، أو الفلسطيني مواليًا لإسرائيل.
على أن عقوبة المرتد بالقتل ليست أمرًا متفقًا عليه، فقد جاء عن عمر من الصحابة، وعن النَّخَعِي من التابعين، وعن الثوري من الأئمة: العقوبة بالسَّجن ونحوه. والحوار وطلب التوبة منه دائما[8].
المفضلات