حقوق العراة والشواذ:


بقي ما يقال عن موقف الإسلام المتصلب مما يسمى (حقوق العراة والشواذ) الذي وصفه بعضهم بأنه موقف عدواني من هذه الفئات، حيث حرم عليها أن تشبع شهواتها، كما تريد، ما دام ذلك بالتراضي. ولماذا يمنع الإسلام أن يستمتعالرجل بالمرأة والمرأة بالرجل كما يشتهيان؟ ولماذا لا يتمتع الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة؟ لماذا لا يتزوج كل منهما الآخر؟ ويكوِّنان أسرة مثلية؟!!

وأعتقد أن موقف الإسلام هنا ليس موقفا منفردا، فكل الأديان السماوية -على الأقل- تقف موقف الإسلام، تحرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كلها تحرم الزنى أي التقاء الرجل بالمرأة لمجرد الشهوة، على غير عقد معلوم مشهود.

ومن قرأ أسفار العهد القديم (التوراة) وجد فيها الوصايا العشر المشهورة: (لا تقتل، لا تسرق، لا تزن ...)[11]، فحرم الاعتداء على النفس بالقتل، وعلى الأموال بالسرقة، وعلى الأعراض بالزنى. وكلها تريد أن ترتفع بالإنسان حتى لا يكون عبدا لشهواته، إنما عليه أن يزكي نفسه، حتى ترتقي بالفضائل.
وقد جاء في الإنجيل عن المسيح أنه قال لتلاميذه: لقد كان من قبلكم يقولون: لا تزن، وأنا أقول لكم: من نظر إلى امرأة يشتهيها بقلبه فقد زنى[12]!

حتى النظرة يعتبرها نوعا من الزنى، وهو يلتقي مع ما جاء به محمد نبي الإسلام: "العينان تزنيان، وزناهما النظر، واليدان تزنيان، وزناهما البطش، والرجلان يزنيان، وزناهما المشي، والفم يزني، وزناه القُبَل، والقلب يهوي ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"[13].

كما حرم (الكتاب المقدس) عند المسيحين عمل قوم لوط، وهو الفاحشة التي ابتكرها هؤلاء، وعبر عنها القرآن بقوله: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [الشعراء:166،165].
وجاء في القرآن كما جاء في التوراة: أن الله عاقبهم عقوبة شديدة، وأهلكهم ودمر قريتهم عليهم، تطهيرا للأرض من رجسهم.
ومن هنا لا يجيز الإسلام ما يسمُّونه الزواج المثلي: الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فهذا في الحقيقة ليس زواجًا، لأن الزواج أو الزوجية لا تكون إلا بين الشيء ومقابله: الذكر والأنثى، الموجب والسالب، لا بين الشيء ومثله، وهو الذي جاء منه قول الله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذريات:49]، ولهذا كان هذا التصرف ضد الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولو استسلمت البشرية لهذه النزعة، لهلك العالم الإنساني بعد جيل أو جيلين، إذ النسل لا يتم إلا بالتقاء ذكر وأنثى، كما تقضي بذلك الفطرة البشرية، وسنة الله الكونية، وقوانينه الشرعية.

[1]- منها كتب د. علي عبد الواحد وافي (حقوق الإنسان في الإسلام)، والشيخ الغزالي (حقوق الإنسان بين الإسلام وميثاق الأمم المتحدة)، ود. محمد فتحي عثمان (حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي)، ود. القطب محمد طبليّة (الإسلام وحقوق الإنسان)، ود. محمد عمارة بهذا العنوان، ود. جمال عطية.
[2]- انظر: الصفحات 155 – 160.
[3]- رواه أحمد في المسند (26195) عن عائشة، وقال محققوه: حديث حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله وهو ابن عمر العمري، وأبو داود في الطهارة (236)، والترمذي في الطهارة (113)، وأبو يعلى في المسند (8/149)، والبيهقي في الكبرى كتاب الطهارة (1/168)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1983).
[4]- رواه البخاري في الإيمان (13) عن أنس، ومسلم في الإيمان (45)، وأحمد في المسند (12801)، والترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع (2515)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (5016)، وابن ماجه في المقدمة (66).
[5]- رواه البخاري في العلم (121) عن جرير بن عبد الله البجلي، ومسلم في الإيمان (65)، وأحمد في المسند (19167)، والنسائي في تحريم الدم (4131)، وابن ماجه في الفتن (3942).
[6]- رواه أحمد في المسند (1652) عن سعيد بن زيد، وقال محققوه: ، والترمذي في السنة (4772)، والترمذي في الديات (1421)، وقال حديث حسن صحيح، والنسائي في تحريم الدم (4094)، وابن ماجه في الحدود (2580) مختصرا، ورواه البخاري في المظالم (2480) عن عبد الله بن عمرو، ومسلم في الإيمان (141)، وأحمد في المسند (6522) واقتصرا على ذكر المال.
[7]- انظر: حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي للدكتور محمد فتحي عثمان صـ174 – 192، طبع دار الشروق. القاهرة.
[8]- انظر: كتابنا (جريمة الردة وعقوبة المرتد) من سلسلة (رسائل ترشيد الصحوة) صـ44 وما بعدها.
[9]- انظر: كتابنا (مركز المرأة في الحياة الإسلامية) من رسائل ترشيد الصحوة، والحديث سبق تخريجه.
[10]- انظر: كتابنا (فتاوى معاصرة) جـ2 صـ383.
[11]- سفر الخروج (20/13، 14، 15).
[12]- إنجيل متى: (5/28).
[13]- رواه أحمد في المسند (8356) عن أبي هريرة، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأبو داود في النكاح (2153)، وأبو يعلى في المسند (11/309)، وابن حبان في صحيحه كتاب الحدود (10/267) والبيهقي في الكبرى كتاب النكاح (7/89).



منقول