السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




بمناسبة "اليوم العالمي لمناهضة التعذيب"
"الأسرى": ممارسة التعذيب بتصريح من الجهاز القضائي يعكس الإرهاب الرسمي للاحتلال
(تقرير)



أسلوب من أساليب التعذيب الجهنمي على أيدي الاحتلال
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام



وسط ضحكات الجنود واستهزائهم بكل القيم والأعراف ينادي الضابط: "رقم ثلاثة يتقدم إلى الأمام عدة خطوات"، وبخطى ضعيفة ومترددة يتقدم أحد الأطفال الستة ويتلقَّى العديد من الضربات على جسده الهزيل، ثم يعود إلى حيث زملاؤه، ثم ينادَى على طفل آخر ليلاقيَ مصير زميله وسط ضحكات الجنود.
لمدة 14 ساعة متواصلة تعرَّض ستة من الأطفال في رام الله إلى التعذيب الوحشي والضرب و"الشبح" وتوجيه الشتائم والتهديد بعد اختطافهم من الشارع خلال عودتهم من المدرسة.
أحد الأطفال الذي روى الحادثة -وهو الطفل محمد أبو عكروب (16 عامًا)- قال: "منعونا طوال فترة التحقيق والتعذيب من شرب الماء أو تناول أي طعام أو الذهاب إلى الحمام، وكانوا ينادون علينا بالأرقام من واحد إلى ستة، ومن يتأخَّر ثوانيَ عن التقدم بعد سماع رقمه كان يضاعف له التعذيب والضرب؛ ما أدى إلى إصابتنا جميعًا بـ"رضوض" وجروح وكدمات لا يزال آثار بعضها على أجسادنا إلى اليوم بعد أسبوعين على الحادثة".
كالمعتاد الشرطة تفتح تحقيقًا في الحادث كما تفعل حيال المئات بل الآلاف من الاعتداءات على الفلسطينيين وممارسة أساليب التعذيب الممنوعة ضدهم يضيع في زحمة الملفات.
هذه الحادثة هي أحد مظاهر التعذيب التي يتعرَّض لها الأسير الفلسطيني في ظل الاحتلال الصهيوني الذي ينتهك كافة الأعراف والمواثيق ويواصل استخدام التعذيب بكافة أشكاله، بل ويضفي عليه الشرعية من خلال المحاكم وسن القوانين التي تبيع التعذيب وتشجِّع على ممارسته.
وقالت وزارة الأسرى في تقريرٍ لها يوم الجمعة (26-6) الموافق لـ"اليوم العالمي لمناهضة التعذيب" إن الاحتلال لا يتورَّع عن استخدام التعذيب ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونه، وإن التعذيب يبدأ منذ لحظة الاختطاف التي تتم وسط جوٍّ من الإرهاب وإطلاق النار ثم تقييد الأسير ووضع رباط على عينيه وإلقائه في "الجيب" العسكرية والاعتداء عليه بالضرب والتهديد والشتم، وحين وصوله إلى أحد مراكز التحقيق والتوقيف يتعرَّض إلى أشد أنواع التعذيب والإهانة لانتزاع اعترافات منه بالقوة.
وأوضحت الوزارة أن الاحتلال يستخدم أكثر من 100 أسلوب للتحقيق والتعذيب أدت إلى استشهاد 70 أسيرًا في سجون الاحتلال من أصل 196 هم شهداء الحركة الأسيرة.
وأكدت "اللجنة العامة لمكافحة التعذيب" -وهي منظمة "إسرائيلية"- النقاب عن استخدام التعذيب ضد الأسرى الفلسطينيين فور توقيفهم أو عند نقلهم إلى مراكز الاعتقال أو بعد السجن، وأن هؤلاء الأسرى كانوا مُقيَّدين بشكلٍ عنيفٍ ومؤلمٍ، ولا يشكلون أي خطر، ومن بينهم قاصرون يُفترَض أن يتمتعوا بالحماية حسب القانون الدولي والقانون "الإسرائيلي" نفسه؛ وذلك بعلم السلطات القضائية والتشريعية في "إسرائيل" التي لم تتخذ ضدهم أي إجراءات عقابية، واستشهدت بأكثر من 600 حالة لأسرى تعرَّضوا للتعذيب.
وكانت منظمتا "بتسيلم" و"هاموكيد" الحقوقيتان أشارتا في تقارير سابقةٍ إلى أن المحقِّقين الأمنيين "الإسرائيليين" دأبوا على إساءة معاملة أسرى فلسطينيين بدنيًّا ونفسيًّا، وأحيانًا تعذيبهم بوسائل محرَّمة دوليًّا.
الطبيب يشارك في التعذيب!
وأشار رياض الأشقر مدير الدائرة الإعلامية في الوزارة إلى أن ممارسة التعذيب في سجون الاحتلال لم تقتصر على السجان أو المحقِّق، بل امتدَّت لتشمل من يسمي نفسه "الطبيب" أو "الممرض" الذي أساس مهنته إنسانية بحتة؛ حيث كشفت "جمعية أطباء من أجل حقوق الإنسان" الصهيونية عن قيام الأطباء في السجون بممارسه التعذيب ضد الأسرى وحرمانهم من العلاج لإجبارهم على الاعتراف، وكذلك تعمد تجاهل الأمراض التي يعاني منها الأسرى والتي يكتشفونها في الكشف الأوَّلي فور وصولهم إلى السجون، ويكتبون تقريرًا مزوَّرًا أن الأسير بصحة جيدة ولا يعاني من أي مرض، وهذا يشكل تصريحًا طبيًّا بمواصلة تعذيبه يدفع المحققين إلى ممارسه ضغط بدني ونفسي أكبر على الأسير؛ مما يجعلهم متواطئين في تعذيب السجناء.
إرهاب "دولة"
واستغرب الأشقر الصمت العالمي المقيت عن ممارسة الاحتلال للتعذيب علانية، ورغم صدور العشرات من التقارير المختصة التي تؤكد ذلك فإن المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة لم تحرك ساكنًا تجاه إدانة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب ضد الأسير الفلسطيني، والأخطر أن الجهاز القضائي الصهيوني أضفى شرعية قانونية على التعذيب، وسمح به دون أن يتعرَّض من يقوم به للمساءلة أو العقوبة؛ مما يعكس إرهاب الدولة الرسمي التي تنتهجه دولة الاحتلال التي لا تلتزم بأية اتفاقية أو قانون دولي، ولكنها في نفس الوقت تطالب بتطبيقها على وضع جنديها الأسير لدى الفصائل الفلسطينية في غزة غلعاد شاليط.
مخالفة للقوانين
وكشف الأشقر أن حكومة الاحتلال تعطي الضوء الأخضر لطواقم التحقيق من أجل ممارسة التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب؛ حيث إن القضاء في الكيان الصهيوني شرع في استخدام العنف ضد الأسرى دون احترامٍ لآدمية الإنسان، مخالفة بذلك كل المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحرِّم استخدام التعذيب ضد الأسرى، غير مباليةٍ لمثل هذه القرارات التي تعتبرها حبرًا على ورق.
وقال إن استصدار مثل هذه التشريعات من المحاكم تتناقض تمامًا مع مبادئ حقوق الإنسان وما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة وملحقاتها؛ حيث حرَّمت القوانين الدولية التعذيب بشكل قاطع، ولم تسمح بأي مبرر لحدوثه، وأفردت اتفاقية خاصة لمناهضة التعذيب، إضافة إلى العديد من المواد والمبادئ التي تضمنتها معاهدات واتفاقيات دولية أخرى؛ منها على سبيل المثال المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على: "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطَّة بالكرامة"، إضافة إلى المبدأ السادس من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعَّرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والذي ينص على أنه: "لا يجوز إخضاع أي شخص يتعرَّض لأي شكلٍ من أشكال الاحتجاز أو السجن للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة، ولا يجوز الاحتجاج بأي ظرف كان كمبررٍ للتعذيب.
أين حقوق الإنسان؟!
وتساءل الأشقر: "أين اتفاقيات حقوق الإنسان من 65 أسيرة فلسطينية تُمارَس ضدهن كافة أشكال القمع والإرهاب، ويُحرمن من حقوقهن في الزيارة ولعلاج، ولا يزال يمارس التفتيش العاري ضدهن واقتحام الغرف في ساعات متأخرة من الليل بشكل وحشي وهمجي، ويحتجزهن بجانب أسيرات جنائيات يتعرَّضن لهن بالسب والشتم والإهانة يوميًّا، كما يتم احتجازهن في سجون لا تتوفر فيها الشروط الصحية الدنيا؛ حيث لا تدخله الشمس والهواء بدرجة كافية؟!
وما ذنب الطفل الرضيع يوسف ابن الأسيرة فاطمة الزق أن يحرم من الحرية وأن يجبر على العيش مع والدته في هذه الظروف غير الإنسانية، ويتعرَّض لكل ما تتعرَّض له الأسيرات من انتهاك، حتى إنه يتحمَّل عناء السفر ساعات طويلة دون غذاء أو هواء خلال رحلة العرض على المحكمة، ويحجز في سيارة "البوسطة" عدة ساعات وفي زنزانة المحكمة في ظروف قاسية وغير صحية لطفل لم يتجاوز 17 شهرًا من عمره؟!
و أين تلك الاتفاقيات من 1600 أسير مريض يعانون من أمراض مزمنة ومختلفة؛ منهم عدد كبير يحتاج إلى عمليات جراحية عاجلة، في ظل إهمال طبي متعمَّد من قِبل إدارة السجون التي لا تقدم ساكنًا أمام حالات مرضية خطيرة، قد تؤدي إلى الوفاة في حالة استمرار الإهمال الطبي لها؛ حيث بلغ عدد الشهداء الأسرى من جرَّاء الإهمال الطبي 49 أسيرًا شهيدًا؟!".
100 أسلوب للتعذيب
وأوضح التقرير أن الاحتلال يستخدم العشرات من أساليب التعذيب الجسدية والنفسية المحرَّمة، ونادرًا ألا يتعرَّض أسير فلسطيني لأحد أشكال التعذيب، وغالبًا ما يتعرَّض الأسير لأكثر من أسلوب من أساليب التعذيب التي فاق عددها 100 أسلوب للتعذيب؛ حيث أكدت الإحصائيات أن 98% من الأسرى الذين تختطفهم سلطات الاحتلال تعرَّضوا للتعذيب في أقبية التحقيق التابعة لأجهزة الأمن الصهيونية ومراكز الاعتقال المختلفة، ومن أشهر أساليب التعذيب "الشبح" لفترات طويلة.
وعملية "الشبح" هذه عبارة عن تكبيل أيدي المعتقل إلى الخلف ووضع كيس قذر في رأسه، وإجباره على الجلوس على كرسي صغير جدًّا خاص بالأطفال لعدة أيام أو أسابيع؛ مما يسبب له الآم في ظهره وعموده الفقري، وكذلك وضع الأسير في ثلاجة عبارة عن مكان ضيق جدًّا مساحته نصف متر مربع فقط، يتم وضع الأسير فيه وهو مكبل اليدين إلى الخلف، ويتم ضخ هواء بارد جدًّا من فتحه أعلى هذا المكان بحيث تكون درجة الحرارة في الداخل صفرًا؛ مما يؤدي إلى تجمد الأسير داخل الثلاجة، وكذلك الهز العنيف الذي يؤدي إلى كسر إضلاع الصدر، بالإضافة إلى الربط في أوضاع مؤلمة، كربط الساقين وشدهما إلى الخلف من تحت كرسي، ثم الدفع بجسم الأسير إلى الخلف، واستخدام الموسيقى الصاخبة، وتغطية الرأس والوجه بغطاء قذر رائحته عفنة، وتسليط ضوء قوي على عيون الأسير بشكل مباشر، وبطح الأسير على ظهره ويداه مكبلتان من الخلف بهدف إحداث آلام فظيعة في اليدين عبر ضغط الجسد عليهما، وثقل جسد المحقق للضغط على أعلى صدر الأسير بهدف انتزاع موافقة الأسير على الاعتراف تحت ضغط الآلام المبرِّحة، وكذلك إجبار الأسير على الوقوف فترات طويلة، وكذلك أحد أخطر أساليب التعذيب التي تستخدمها سلطات الاحتلال هو وضع المعتقل في غرف العملاء بهدف استدراجه إلى الاعتراف بإقناعه أن هؤلاء مناضلون مثله ليقدم إليهم اعترافًا حول نشاطاته في الخارج، وإن رفض يتعرَّض من قبلهم للاعتداء بالضرب.
وآثار التعذيب لم تقتصر على فترة التحقيق والأسْر فقط، بل تمتد لما بعده نتيجة إصابات عدد من الأسرى بعاهات دائمة نتيجة تعرُّضهم للتعذيب المستمر، ناهيك عن المعاناة النفسية طويلة المدى التي يتركها السجن على نفوس هؤلاء الأسرى بعد تحررهم من الأسر، وهناك العشرات منهم توفوا نتيجة لذلك؛ منهم هايل أبو زيد من الجولان المحتل الذي استُشهد في تاريخ 7-7-2005م، ومراد أبو ساكوت من الخليل الذي استشهد 13-1-2007م في أحد المستشفيات في الأردن.
أقسى أشكال التعذيب
ولا يقتصر التعذيب على تلك الوسائل، بل تتعمَّد سلطات الاحتلال تعذيب الأسرى بنوع أقسى من الإيذاء الجسدي، وهو الإيذاء النفسي من خلال العزل الانفرادي، والذي قد يجعل الأسير مريضًا نفسيًّا فترات طويلة، أو قد يصاب بالجنوب وفقدان الأهلية كما حدث للأسير عويضة كلاب من غزة.
ويعتبر العزل قتلاً بطيئًا وممنهجًا للأسير؛ حيث يترك وحده عدة أشهر أو سنوات في زنزانة صغيرة ومقفلة بإحكام بباب حديدي سميك وأشعة الشمس لا تعرف لها طريقًا، دون أن يرى أحد أو يتحدث مع بقية الأسرى، ويحرم من كافة وسائل الاتصال بالعالم الخارجي، حتى من الزيارة، ويتعمَّد السجان تفتيش غرفته بشكل يومي؛ إمعانًا في التضييق عليه، ويحرم من العلاج إن تعرَّض لوعكة صحية، ويتم الاعتداء عليه بالضرب والإهانة، ويوضع في أقسام الأسرى الجنائيين.
ودعت وزارة الأسرى المنظمة الحقوقية الأمريكية "هيومن رايتس ووتش"، والتي طالبت "حماس" بالسماح للصليب بزيارة شاليط، بأن تقوم هي والصليب بالضغط على الاحتلال للسماح لأهالي أسرى قطاع غزة بالزيارة للكشف عن وسائل التعذيب المحرَّمة التي يستخدمها الاحتلال ضد الأسرى، وألا تجنِّد تلك المنظمات كل إمكانياتها لصالح جندي صهيوني واحد والتغاضي عن معاناة 11 ألف أسير فلسطيني