كي لا ننسى
شهود عيان على جرائم الصهاينة عام 1948م
اسم الشاهد:فندي محمود عواوده/ أبو خالد
العمر عندما ترك الشجرة:36عاماً (1948)
البلد الحاليه:كفر كنا
البلد الاصليه:الشجرة
مصدر الشهادة:ذاكرة لا تموت (ص 149)،وديع عواودة)
لا يزال يحتفظ بالكوشان فهل يكذب نفسه ليصدقه الآخرون. ((سامحك الله. بدك تفتح لي جراحي القديمة في مطلع هذا الصباح)).قال محمد ذيابات ابو خالد معلقاً على طلبنا بأن يستذكر ويذكر على مسامعنا بعض مشاهد الحياة في قريته ((الشجرة))،وبأن يروي لقطات من طفولته التي انتهت قبل أوانها،عام 1948.ثم أضاف ابو خالد مستطرداً،وقد ارتسمت بسمة حزينة على محياه: (( يا الله،الجرح لم يندمل أصلاً من وقتها)).بكلماته هذه وبحديثه لاحقاً عبّر ابو خالد عن حسرة جميع ((اللاجئين في وطنهم)) الذين يرون في كل يوم أراضيهم الواسعة في مسقط رؤوسهم على مرمى العصا ويحرمون من أن تطأ أقدامهم على شبر منها..فهذه الأرض باتت في حكم((شم ولا تذوق))بعد ان أصبحت ((أموال غائبين)) في مفهوم القضاء والعدل في زماننا.. في كفر كنا،المجاورة لمسقط رأسه-الشجرة،جلسنا الى ((ابو خالد)) الذي أشعل سيجارة واستهل حديثه بالقول(على الأقل كنت اتمنى أن احظى في اسرائيل اليوم بالمعيشة التي عشتها في الشجرة قبل النكبة،ففي تلك الأيام سكنت بيننا مجموعة من اليهود،أغلبهم من أصل كردي،وشاركونا "حوش البيت" ولا زلت أذكر صلات الصداقة والجيرة الحسنة بين "دار الياهو" وبين اهالي القرية لكن الحركة الصهيونية نسفت تلك الروابط وتدهورت الاحوال بنا وغدا صاحب الدار لاجئاً واللص صاحب الحق)). وعن الأيام التي سبقت وقوع النكبة قال ابو خالد
(في نهاية عام 1947 ازدادت المناوشات والصدامات بين سكان الشجرة وبين المستوطنين اليهود في "كوبانية ايلانية" المجاورة التي أسسها نشيطو الصهيونية في مطلع القرن.وكما هو الحال في معظم انحاء فلسطين ،لم يكن في الشجرة سوى(20-30)بندقية قديمة كان أصحابها يضطرون لشراء ذخيرتها من جيوبهم ومن كان بحوزته (50) رصاصة فهو "ابو زيد خالو".ومقابل الأسلحة البدائية كان اليهود قد امتلكوا البنادق الرشاشة من نوع"الهوشكيز" وغيره.وقد كنا نميز بين سلاح العرب وسلاح اليهود فور سماعنا أزيز الرصاص)). وعن محاولة اهالي الشجرة البقاء فوق ترابهم عشية يوم النـزوح،أضاف ابو خالد بلهجة تنم عن الأسى الدفين،في الصدور: (( قبيل احتدام المعركة الفاصلة رحل الكثير من السكان العزل الى القرى المجاورة،وقد روى لي والدي ان الشباب المسلحين قاوموا حتى آخر طلقة واستشهد (18) واحداً منهم عدا من شهداء القرى المجاورة من كفر كنا وعين ماهل ولوبية ولا زلت أذكر ان المرحوم جمال يوسف سمارة من كفر كنا كان أحد هؤلاء الشهداء)). وعن معركة الشجرة والصبيح روى المرحوم فندي محمود عووادة من كفر كنا الذي شارك في هذه المعركة فقال((شاركت مجموعة من القرى المجاورة ذهبت لنجدة الشجرة في ربيع 1948،وبعد انتهاء المعركة دخلت مع بعض المقاتلين أحد بيوت القرية بحثاً عن الماء فنظرت الى داخل جرة فخارية واذا بطفل مذبوح قد رمي في داخلها،ولاحقاً علمنا ان هذا كان واحداً من أقارب علي النمر من قبيلة الصبيح(المجاورة للشجرة) الذين قتلتهم العصابات اليهودية انتقاماً لمقتل ثمانية من أفرادها من سكان مستوطنة "كيشت")) . وتابع ابو خالد حديثه فقال
( بعد ان سقطت الناصرة ومنطقتها لم تعد تقوى الشجرة على المقاومة، فرحل اهلها الى لبنان فيما بقي القليل منهم في القرى المجاورة،وقام جنود الهاغاناه بدخول طرعان المجاورة بحثاً عن الشجارنة،وأبلغوا مختار القرية انه يجب إخلاء هؤلاء من القرية،وقد اعتقلوا والدي في كفر كنا وسلموه بعد شهرين من الاعتقال الى الجيش العراقي لكنه تمكن من الهرب والعودة الينا)). وبعكس بعض اللاجئين في وطنهم لم ينقطع ابو خالد عن زيارة مسقط رأسه منذ 1948،حتى وان "دمعت العين"وحزن القلب.وعن ذلك قال
(نار الحنين الى ايام الطفولة والى مراح العين،لم تنطفئ في داخلي وكانت تدفع اقدامي فتأخذني الى هناك عشرات المرات ولا أشبع من زيارتها فحبها يكبر في قلبي كلما كبرت مع الأيام،وكيف لا وهي الشجرة التي تفيأنا بظلالها ولهونا في روابيها الجميلة.وهل تعتقد انها استهوت قلب المرحوم ناجي العلي حتى الجنون صدفة؟!".وجّه ابو خالد سؤاله الانكاري وأضاف:"في العام 1966 تكررت نكبة الشجرة ثانية حينما قامت السلطات بهدم بيوت القرية حتى لم يبق حجر على حجر في محاولة لطمس معالم التاريخ والجغرافيا))وأحياناً يلتقي ابو خالد بعض السكان اليهود في مستوطنة "ايلانية"التي تقوم على اراضي الشجرة ويتبادل النقاش معهم،وعن لقاء تم بينه وبين سمحة يوسف من "ايلانية" بعد ايام من الاعلان عن اتفاق أوسلو عام 1993 قال
(قال لي سمحة بلهجته مشككاً: "شو بدو يصير على ما يبدو"،قلت"آه بس على الورق! فأجابني متسائلاً ولماذا على الورق فقلت له "اذا كان لا بد من السلام الحقيقي فعليك السماح لي بالعودة الى هنا وبناء بيت لي في ارض والدي… فقال يوسف:"هيك كثير…!)) "وهل يستنتج من كلماتك هذه ان اتفاقات أوسلو ليس لها منذ وضعت ان تحقق المصالحة بين الشعبين"؟ قال ابو خالد ساخراً
(اية مصالحة،هيك ما بصير سلام،ثم وماذا مع مصيرنا نحن من بقينا في الوطن وحولونا الى لاجئين…ينعم الاغراب على أراضينا وأنا لا أملك مترين من الأرض لأعمر بيتا لأولادي))،ثم قام ابو خالد الى خزانته وأخرج منها رزمة كبيرة من الكواشين والخرائط والصور التي يحتفظ بها بعناية كبيرة وقال
(وماذا افعل بهذه الحقائق…هل أكذّب نفسي كي يصدقني الآخرون؟!)).
المفضلات