عقلية الإبادة لدى الحركة الصهيونية

عبدالرحمن محمد النعيمي
صحيفة الشرق القطرية

تفوه وزير الدفاع الصهيوني، شيمون بيريز، حائز جائزة نوبل للسلام!! الأسبوع الماضي في أحد تصريحاته، بكلمة (إبادة ايران)، ثم اكتشف أن الكلمة خطيرة، وبات على أصحابه تصحيح التعبير، والقول إن "إسرائيل" ستدافع عن نفسها، وسيتعرض للإبادة من يستخدم أسلحة ذرية ضدها!!

إلا أن هذه الكلمة التي صدرت من صهيوني عريق لم تصدر بعفوية، حيث إن هذه العبارة لصيقة تاريخياً بالفكر الصهيوني وبالدولة الصهيونية منذ إنشائها، حيث يعتبر التفكير الصهيوني أن اليهود هم أرقى من البشر، شعب الله المختار، وأن سائر البشر يجب أن يخدموه، ويمكنه بالتالي التخلص من هؤلاء إذا وجد أنهم مضرون أو زائدون عن الحاجة، وتعبيرات (الفلسطيني الميت والعربي الميت، والأفاعي) متدارجة في الخطاب السياسي الصهيوني.

عندما بدأ الرئيس الإيراني حملته ضد الكيان الصهيوني مشككاً في رواية المحرقة، متسائلاً عن المسؤول عن هذه المجزرة المزعومة بحق اليهود في أوروبا، وهم الأوروبيون، وبالتالي طالبهم بأن يكفّروا عن جريمتهم بمنح اليهود منطقة يقيمون عليها دولة لهم في أوروبا، إذا كانوا عاجزين عن إيجاد حل للمشكلة اليهودية، بدلاً من تسليمهم أرضاً عربية، ليطردوا شعبها ويقيموا دولة استيطان يدعون إليها كل يهود العالم المستقرين في أوطانهم في زمن العوملة التي جعلت العالم قرية صغيرة وضاعفت من التفاعل بين أبناء البشر بغض النظر عن دينهم وقومياتهم وألوانهم وجنسهم!!

الإبادة سياسة استعمارية، ارتبطت مع النهوض الكبير للرأسمالية الغربية التي تمددت في أرجاء العالم، وأرادت نقل حضارتها وتقدمها إلى أرجاء المعمورة، وبات من الضروري بالنسبة للمستعمرين إبادة شعوب بأكملها في استراليا وأمريكا الشمالية والجنوبية، ونيوزيلندا وأفريقيا، أو عزل السكان الأصليين في مجمعات بعيدة عن التجمعات الحضارية، فالجنس الأوروبي بات صاحب السيادة على الكرة الأرضية، ولا بأس من سحل وقتل وجر الملايين من الملونين أو التطهير العرقي كما شاهدنا إبان الحكم العنصري في جنوب أفريقيا.

وإذا عدنا إلى النازية ذات الصلة العضوية بالصهيونية كما برهنت الكثير من الوثائق، فإن فكرة الإبادة متلازم معها من حيث إن الجنس الآري هو أرقى الأجناس، وأن من الضروري أن تكون الهيمنة لهذا الجنس بإبادة الأجناس الأخرى.
تلك الفكرة العميقة المعتمدة على تفوق شعوب أو أعراق على غيرها، ملازمة للحركة الصهيونية التي تعتبر نفسها متفوقة على غيرها من الحركات العنصرية الإمبريالية، وبالتالي فإن دولتها في فلسطين لابد أن تمارس الإبادة السريعة والبطيئة وبالأشكال المتعددة على شعب فلسطين.

في البداية كان لابد من المجازر في كفر قاسم ودير ياسين ودير البلح، وتمتد القائمة إلى صبرا وشاتيلا، ثم في القرن الحادي والعشرين في جنين، ولا بد من التهجير الواسع للفلسطينيين ليتمكن المستوطنون الجدد من الاستيلاء على أراضيهم.. وتستمر حرب الإبادة في التجويع والحصار والتحكم بكل العائدات المالية والبضائع التي تأتي إلى الأرض المحتلة، عبر المنافذ، وحصار الشعب الفلسطيني، ووصلت إلى قمتها في الآونة الأخيرة عندما أوصل الشعب الفلسطيني قيادة شرعية له رافضة للكيان الصهيوني مؤكدة على حق شعب فلسطين في تحرير وطنه من الاحتلال الصهيوني بعيداً عن عقلية الإبادة، فلا يمكن للشعب الفلسطيني الذي يتعرض يوماً للإبادة أن يقوم بالعملية ذاتها.

لا يطرح العرب ولا المسلمون فكرة إبادة اليهود.. فالتاريخ لا يعرف للعرب إبادة الشعوب الأخرى رغم الحروب المدمرة التي جرت بينهم.. وبالرغم من التعابير المجازية حول (إلقاء اليهود في البحر)، فإن المعنى الأساسي لتلك الفكرة هو أنه لا حق لليهود الأجانب في فلسطين، وأن على المستوطنين أن يعودوا من حيث أتوا أو يقبلوا بالاندماج في المحيط العربي كما اندمجت الكثير من الهجرات من مختلف أنحاء العالم في هذه المنطقة المتوسطية من العالم.

إلا أن (الإبادة) يجب تفسيرها باستمرار، فحيث لا يمكن للدولة العنصرية إلا أن تفتش عن أسلحة وقائية ودفاعية للبقاء، بما في ذلك إقامة أكبر ترسانة أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل في المشرق العربي، فإنها محكومة بالخوف من الزوال كدولة، وكحركة عنصرية وكمشروع استيطاني في المشرق العربي لا يجد مبرراتها الموضوعية إلا في الحركة الاستعمارية تاريخياً، ويجد أفوله في الانهيار المتصاعد للشكل التقليدي للاستعمار وبروز أشكال جديدة من الإمبريالية تتمثل في العولمة التي لا تعرف إلا لغة المال ومجندة كل البشر من أجل المصلحة المادية لحفنة صغيرة من طواغيت رأسمال العالمي، بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس، لكنها تعود بين الفترة والأخرى إلى لغة الاستعمار القديم كما نشاهد في العهد البوشي القميء.

ولابد لعرب المنطقة بالإضافة إلى الإيرانيين أو الأكراد أو الأتراك أو غيرهم من شعوب المنطقة أن يؤكدوا ضرورة تخليص المنطقة من هذه القاعدة العنصرية، بتصفية مرتكزاتها الأيديولوجية ورفض إقامة دولة ليهود العالم، والإصرار على ضرورة الذوبان والاندماج في مشروع تاريخي كبير لصالح شعوب هذه المنطقة بدلاً من أن يكون لصالح الإمبريالية الأمريكية التي تريد إمساك كل دولة على حدة، وفي المركز منها قاعدة الاستيطان العنصري الصهيوني، تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير.

في ذكرى إقامة دولة الاستيطان، وحيث يصر الصهاينة على الجدار العازل وعلى حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه وإبادته البطيئة، يبدو بوضوح خطورة الحركة الصهيونية ودولتها في فلسطين، ليس فقط على شعب فلسطين وإنما على المنطقة برمتها، فلا يمكن للأسلحة الذرية - التي تهدد بها "إسرائيل" - أن يقتصر خطرها على إيران، بل ستشمل المنطقة برمتها، وعلى المجعجعين حول خطر تسرب إشعاعات نووية من معمل بوشهر أن يستمعوا جيداً إلى بيريز وتهديداته، فهنا الخطر الحقيقي.