صحيفة "ليبراسيون" العرافة"
بعد سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وضعت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية على صفحتها الأولى صور بعض الزعماء العرب، وتساءلت بشكل يبدو بريئا عن الرئيس الذي سيحين دوره لمغادرة عالم السلطة، لكنه كان سؤالا مبنيا في العمق على حقائق في الخفاء لا يعلمها إبل من له صلة من قريب بما تعرفه أمتنا العربية.
هل هي الصدف أن تضع الصحيفة الفرنسية الرئيس المصري في الخانة الثانية بعد بن علي؟
صحيح أن البعض سيصدق عفوية الرسالة، لكن وبحكم أننا مهووسون إلى حد الجنون بنظرية المؤامرة، فإن الأمر سيدفعنا إلى الجزم والبصم بأصابعنا الخمسة على كون الأحداث التي تعرفها منطقتنا العربية لها صلات وثيقة بجهات أجنبية نافذة، ربما هي من أوحت للصحيفة الفرنسية بأن تضع تنبؤاتها المستقبلية لحال الزعماء العرب.. على أي، تنبأت الصحيفة بسقوط مبارك وبعده الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ثم الرئيس الليبي معمر القذافي فالرئيس السوري بشار الأسد.
يعيش حسني مبارك أحلك أيامه على رأس السلطة، المقصلة على الأبواب، وهو ما يجعل دليلنا الفرنسي يضرب لنا موعدا جديدا على أرض عربية أخرى، كتب عليها ما كتب علة مصر وتونس.
من ثورة "الحرامية" إلى ثورة الفل
يبدوا أن ما تعيشه مصر حاليا، سيدخلها التاريخ من بابه الواسع تاريخ قادر على منافسة تاريخ الفراعنة، الذي يجعل سياح العالم يدفعون مقابلا باهضا من أجل اكتشافه. ويعود السبب إلى كون ثورة "الفل" كما سماها المصريون، هي أول ثورة شعبية ضد نظام حكم "إبن البلد".. جاد بها تاريخ مصر الحديث، بعد أن اقتصرت الثورات في السابق على مواجهة المحتل والغازي، كما هو الشأن بالنسبة لثورة عرابي، بل إن حتى ثورة الضباط الأحرار سنة 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، نفذت بعيدا عن مشاركة الشعب، لكن جديد ثورة الفل أنها لن تهدأ ولن تعمل من طموحها في إسقاط نظام مبارك.
قبل يومنا هذا بأزيد من 30 سنة، انتظر سكان مصر وبالضبط يومي 18 و 19 يناير عام 1977، من أجل القيام بثورة شعبية تحتج على الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي عرفها نظام الرئيس المغتال محمد أنور السادات، كانت مطالبها اجتماعية لا غير، بعد أن ارتفعت أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية بشكل جنوني، حاول نظام السادات بزعامة وزير الداخلية، في تلك الفترة، اللواء نبوي إسماعيل اللعب على حبل الكذب القصير بعد أن ادعى أن هذه الثورة لا تمت بصلة إلى احتجاجات اجتماعية وأن جل المعتقلين، الذين كان أغلبهم نشطاء اليسار المصري، مجرد "حرامية"، غير أن بعد أن هدأت الأوضاع نسبيا، رفع الأمرإلى القضاء، الذي تدخل وأنصف جميع المتظاهرين في قرار تاريخي له، اعترف فيه بأن الجوع وارتفاع الأسعار هو من أخرج المواطن المصري للاحتجاج، وأن الأمر يتعلق بثورة شعبية وليست ثورة "الحرامية"، كما ادعى النظام المصري السابق.
الاحتجاجات تصيب الأزهر
هنا دخل الدين السياسة من بابها الواسع، ووجدت الايات القرانية والأحاديث النبوية الشريفة نفسها تفصل على المقاس، والك حسب الظرف والمصلحة، بعد أن انتقلت موجة الاحتجاجات الشعبية في مصر إلى داخل جامع الأزهر، كانت بدايتها تحذير وزارة الأوقاف المصرية من استخدام صلاة الجمعة الماضية في التظاهرات التي
دعت إليها، إذ طالبت في بيان لها أئمة المساجد وخطباء الجمعة بعدم السماح باستخدام المساجد في التجمع وفي إثارة ما وصفته بالبلبلة بين المواطنين أو نقل الشائعات المغرضة من غير بينة أو برهان.
وجاء رد الفعل سريعا من طرف علماء آخرين أسسو "جبهة علماء الأزهر"، لم يعترف بها القائمون على الشؤون الدينية في مصر، إذ طالبت هذه الجبهة جموع المصريين بالاستمرار في تظاهراتهم وغضبتهم حتى نيل حقوقهم.
وجاء في بيان لها: "تقول لأمتنا الخارجين على الظلم "اخرجوا، فدخول الجحور غير جائز إلا للنمل"، مشيرة إلى أنها لا تدعو للفتنة، "لكن إبداء الرأي بكل الوسائل لا يعني الخروج على الحاكم".
ودخل على الخط أيضا، الداعية المصري- القطري يوسف القرضاوي السبت الماضي، في اتصال مع قناة الجزيرة حيث طالب الرئيس المصري حسني مبارك بالتخلي عن السلطة، معتبرا ألا حل للأزمة الحالية في مصر إلا برحيله، كما دعا المصريين إلى الاستمرار في انتفاضتهم بالسبل السليمة.
وخاطب القرضاوي الرئيس المصري قائلا: " إرحل يا مبارك، إرحمم هذا الشعب، وإرحل حتى لا يزداد خراب مصر"، وفي الوقت نفسه خاطب الشعب المصري "استمر في انتفاضتك".
فرعون مصر الجديد
بما يبقى أهم إنجاز حققه الرئيس المصري حسني مبارك ويستحق تسجيله في الأرقام القياسة، ليس مدة حكمه التي بلغت 30 سنة، على رأ كيان سياسي عجيب تردد أكبر فقهاء القانون الدستوري في تكييفه مع "الجمهورية"، ولكن ما يستحق الاهتمام فعلا هو طريقة وصوله للسلطة في وقت كانت مصر تعج بكبار
القادة والمخططين الفعلييلن لثورة 1952، التي أطاحت بحكم الملك فاروق. ويفسر بعض المحللين نجاح مبارك في إزاحة هذه الزعامات، بكون الرئيس السابق أنور السادات لعب دورا بارزا في تقريب عرش مصر منه، بعد أن نحى منذ توليه رئاسة مصر رفاقه القدامى من على هرم السلطة، إذ قربه منه بشكل كبير، لتبدأ
مسيرته من ضابط صغيرا إلى قائد القدامى من على هرم السلطة، إذ قربه منه بشكل كبير، لتبدأ مسيرته من ضابط صغير إلى قائد لسلاح الجو خلال حرب أكتوبر 1973، كما شكلت اتفاقية "كامب ديفيد" مع الإسرائيليين فألا حسنا على حسني مبارك، حسب بعض المتتبعين، إذ اشترط الإسرائيليون إن يعين مبارك نائبا
لرئيس الجمهورية، ولم يتأخر موعدا لقاء العرش بصاحبه الجديد طويلا بعد أن أقدمت الجماعة الإسلامية المصرية على اغتيال الرئيس أنور السادات والنتيجة تعيين مبارك بعد يومين فقط على الحادثة رئيسا للبلاد.




رد مع اقتباس
المفضلات