الفصل الثالث:أوجه المقارنة بين الحرب الباردة وتحديات العالم الإسلامي اليومتوجد ثلاث تشابهات متسعة بارزة بين بيئة الحرب الباردة والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة والغرب في العالم الإسلامي في هذه الأيام .
أولاً ، أثناء أواخر الأربعينيات ، كانت الولايات المتحدة تواجه بيئة جغرافية سياسية مشوشة مصحوبة بتهديدات أمنية جديدة . وفي الأربعينيات ، كان التهديد قادم من جهة الاتحاد السوفيتي وقد زاد الأمر تعقيداً أنه كان مصحوبا باحتمالات هجوم مدمر بالأسلحة النووية . فقد كان الاتحاد السوفيتي ، الذي كان يدعم كما أنه كان يتلقى دعما من دول عميلة وحركات دولية حافزها الرئيسي هو الأيديولوجية العدائية ، هو القوى العظمى التي هاجمت الديمقراطية الغربية من خلال الطرق السرية والعلنية . واليوم تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها تهديد من حركة الجهاد العالمية التي لها دوافع أيديولوجية والتي تهاجم بأعمال إرهابية وتسعى للانقلاب على النظام العالمي .
ثانيا: ويكمن وجه الشبه الآخر في خلق بيريوقراطيات حكومية جديدة ضخمة لمواجهة هذه التهديدات . فقد تم تأسيس كل من وزارة الدفاع و NSC و CIA في عام 1947 لأن الولايات المتحدة كانت تعد نفسها للدور الجديد الذي ستقوم به كقائدة للمعسكر الغربي . وفي عام 2002 ، تم إنشاء وزارة الأمن القومي لمواجهة التهديدات التي تتلقاها الولايات المتحدة من الإرهابيين الدوليين . كما أنه تم إطلاق برامج جديدة مثل مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط (اللجنة القومية لأوربا المتحررة . ) لتشكيل بيئة لها في الشرق الأوسط . وقد كان هناك أيضا اعتراف بالحاجة لإعادة توجيه مؤسسة مخابرات الولايات المتحدة لتواجه بشكل أكثر فعالية هذه التهديدات الجديدة ، ففي عام 2004 وافق الكونجرس على إعادة التنظيم الضخم لمؤسسة المخابرات القومية منذ بداية CIA .
ثالثا: وأخيراً ، وهو الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لهذا المخطط أثناء بداية الحرب الباردة أنه كان هناك وعي بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها كانو مشتركين في الصراع الأيديولوجي بين الديمقراطية الليبرالية والشيوعية . وقد فهم صناع السياسة أن هذا الصراع الأيديولوجي قد يتم تفنيده من خلال الأبعاد النفسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية . وهذه كانت معركة تمس قلوب وعقول العديد من المستمعين . وقد كان من بين الأشياء المهمة الاجماع على رأي عام خلف الستار الحديدي وفي أوروبا الغربية . واليوم وبعد أن تم الاعتراف بذلك من قبل وزراة الدفاع في مجلة وزارة الدفاع التي تصدر كل أربع سنوات ، تكون الولايات المتحدة مشتركة في حرب "هي حرب أسلحة وحرب أفكار في نفس الوقت" وهي الحرب التي سوف يتم فيها تحقيق النصر النهائي فقط "عندما يتم رفض أيديولوجيات المتطرفين في عيون شعوبهم والمدعمين لهم"1 .
بالطبع ومع وجود كل التشابهات الجزئية التاريخية من المهم ملاحظة الفروق الرئيسية وأوجه التشابه بين الماضي والحاضر . إن الاتحاد السوفيتي ، لأنه عبارة عن دولة قومية ، كان له مصالح قومية يجب حمايتها وحدود جغرافية محددة وهيكل حكومي واضح . وهذا يعني أنه كان من الممكن أن يتم إرعاب الاتحاد السوفيتي من أفعال محددة مثل الهجوم على الولايات المتحدة أو حلفاؤها من خلال التهديد بالانتقام العسكري ضد قيادتها وشعبها وعسكريتها . وقد كان من الممكن أيضا التفاوض مع السوفيتين حيث أن الاتحاد السوفيتي قد تصرف ، على الأقل في السنوات الأخيرة مثل أي دولة قومية أخرى حيث كان يسعى إلى تعظيم قوته ومركزه على المستوى الدولي .
وفي حربها العالمية ضد الإرهاب ، تواجه الولايات المتحدة نوع آخر مختلف جداً من الأعداء: ممثلين دوليين مبهمين غير خاضعين للطرق التقليدية من الإرهاب . ولأنهم لم يستطيعوا السيطرة على المنطقة (على الرغم من أن البعض كان قادر على إيجاد ملجأ خارج نطاق سيطرة الدولة) ، فقد بات غير واضحا ما هي الأهداف ، إذا وجدت ، التي من الممكن أن تكثل خطرا عند رد الهجوم . إن الأهداف الاستراتيجية لخصومنا الحاليين غير واضحة في الغالب وترفض مبادئ النظام الدولي .
ويلخص الجدول 3-1 الفروق الرئيسية بين بيئة الحرب الباردة والبيئة في العالم الإسلامي اليوم .
ويتعلق الفرق الأول الذي تم إلقاء الضوء عليه في الجدول 3-1 بدور المجتمع المدني . فمن الناحية التاريخية ، كانت مؤسسات المجتمع المدني قوية جداً في أوروبا الغربية ، فأثناء الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة تمتلك مؤسسة وقفية تبني عليها الشبكات الديمقراطية . أما في العالم الإسلامي- ولا سيما في الشرق الأوسط- تسعى مؤسسات المجتمع المدني في عملية التطوير مما يجعل من مهمة بناء الشبكات الديمقراطية شيء أكثر صعوبة .
وقد كانت الروابط الفكرية والتاريخية بالطبع أقوى بين أوروبا والولايات المتحدة . فلقد كانت جذور الثقافة السياسية الأمريكية منبعها في الغرب ومن خلال التطوير المؤسسي والقانوني البريطاني وفي أفكار التطوير . وقد سهلت هذه التجارب والقيم المشتركة من اشتراك الولايات المتحدة في حرب الأفكار . فبينما تعمقت جذور الأفكار الليبرالية الغربية في بعض الدول وبين بعض القطاعات في العالم الإسلامي- ومن المحتمل أكثر مما تم تقييمه بشكل عام- إلا أن الفارق التاريخي والثقافي بين الولايات المتحدة والدول المشاركة لها من المسلمين المعتدلين أكبر من الفارق الذي بين الولايات المتحدة وأوروبا أثناء الحرب الباردة .
المفضلات