الوحى
احوال الوحى كانت ظاهرة للجميع فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((إن كان ليوحَى إليه وهو على ناقته فتضربُ جِرانها من ثِقَل ما يوحَى إليه)) (أخرجه أحمد في المسند 6/118)
قَالت رَضِيَ اللهُ عَنهَاايضا : ((وَلقَد رَأَيتُهُ يَنْزِلُ عَليهِ الوَحيُ فِي اليَومِ الشَّدِيدِ البَردِ فَيَفصِمُ عَنهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ ليَتَفَصَّدُ عَرَقًا))
(أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 1، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين يأتيه الوحي 4/1449)
وعَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَبدٍ القَارِيِّ قَال: سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنهُ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ إِذَا أُنزِل عَليهِ الوَحيُ سُمِعَ عِندَ وَجهِهِ كَدَوِيِّ النَّحل ....) (أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن تفسير سورة المؤمنون 5/326، وضعفه الألباني. انظر ضعيف سنن الترمذي ص 338، 339)
والمستشرقون انفسهم يقرون هذه الاحوال ولكن بحياد تام عن الحق متمثل ذلك فى مزاعم واهية مردود عليها تثبت كذبهم واختلاقهم وخداعهم الشىء الذى يوجب على كل عاقل عدم الالتفات الى ما يقولون واخذ هذه المزاعم عليهم لا لهم وهذا ما سوف يظهر لنا فى السطور القادمة ولكن ما يهمنا هو الاقرار بصرف النظر عن اى شىء اخر ومن هذه المزاعم :
يزعم مثلا المستشرق "نولدكه" "ان سبب الوحى النازل على محمد صلى الله عليه وسلم ما كان ينتابه من داء الصرع" .والى قريب من هذا الرأى يذهب مستشرق آخر وهو "شيرنجر" "فيدعى بان الوحى النازل على محمد صلى الله عليه وسلم هو نوبات هسترية " . بينما يقول "سان بدرو" (انظر: الإسلام والمستشرقون 201، والمدخل إلى القرآن د. محمد محمد أبو شهبة 103، 106) أن النبي كان مصروعاً بمعنى أن الشياطين كانت تسيطر عليه وتتحكم فيه، وكذلك وصف رودينسون (من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بباريس ثم مديرها، له بحوث منها: حياة محمد، والمشكلة الاجتماعية المتعلقة بأصول الإسلام. انظر المستشرقون نجيب العقيقي 1/328) القرآنَ بأنه هَلوسة سمعية وبصرية وهذَيان (نظر: الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 42).
وقد غاب عن هذا وذاك ان نوبات الصرع تفقد الزاكرة لدى من تصيبه اثناء فترة مروره بها , لانها تعطل حركة الشعور والتفكير فيه تماما هو الامر الذى دعا بعض المستشرقين المنصفين للرد عليهم ومنهم "دى جويه" الذى يقول "ان هذا الافتراض ليس بصحيح لان الذاكرة عند المصابين بالصرع تكون معطلة , والحال هى العكس عند محمد صلى الله عليه وسلم الذى كان يتذكر كل ما يسمعه اثناء هذه النوبات". وقد ردد مضمون ذلك السير "وليم موبير" وسايره فى ذلك "هنرى لامانس" و"نوته هامر".
وغنى عن البيان ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمتاز بخلق كريم وحميد وقد شهد بذلك , وهذا بطبيعته مضاد للصرع او الجنون " .. (انظر كتاب افتراءات واباطيل للمستشار على عبد اللاه طنطاوى ص16,17)
"والغريب من هؤلاء أنهم يثبتون الوحي في أنبيائهم فيقبلون أن تكون التوراة وحياً من الله تعالى، وتنْزيلاً منه على موسى عليه الصلاة والسلام، ويقبلون أن تكون أقوال الحواريين وتلامذة المسيح عليه السلام كما وصلت إليهم على أنها وحي من الله تعالى، ولا يثبتون الوحي في محمد صلى الله عليه وسلم بل يعتبرون ذلك صرعا ونوبات ونحوهما من الأمور التي لا يصدقها عاقل، ويستطيع أي إنسانٍ يعرف سيرةَ النبي عليه الصلاة والسلام وشخصيته أن يجزمَ صادقاً أنه غير مصابٍ بالصرَع؛ إذ لو كان كذلك لقام أصحابه وأنقذوه، ولكنهم كانوا يدَعونه ولا يقربونه حتى ينجَلي عنه الوحي فيفيق حينئذٍ من نفسه دون أن يكونَ هناك علامة فَزَعٍ على وجهه أو زوَغان بصر أو معاناة أو أي شيءٍ مما يُشاهَدُ على المصروعِ ساعة إفاقته، ولو كان عليه الصلاة والسلام مصاباً بالصَّرَع لكان يسقط على الأرض شأن المصروعين حينما كان يفاجئه الوحي وهو قائمٌ أو جالسٌ أو متوكئٌ " (انظر: مصدر القرآن 190، 191 ).
ثم إن وصف ظاهرة الوحي الإلهي وما كان يعتري النبي صلى الله عليه وسلم عند تلقيه بالهَوَس أو الصرَع أو نحو ذلك من الانحرافات النفسية جهلٌ خطير بحقيقة النبوة، ومن المعروف من الناحية الطبية أن آثار نَوبات الصرَع هي التمزق والحزن الشديد، ولكن لا توجد أي علامات من هذا القبيل في أدق التفاصيل عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان يسيطر بشكل واضحٍ على كل قدراته وملكاته العقلية والشخصية في آنٍ واحد. والذي يظهر لنا جليا وواضحاً أن ما كان يعتري رسول الله صلى الله عليه وسلم هي حالة نفسية وجسدية لتلقي وحي الله تعالى، وهناك فرق واضح بين الحالتين: حالة الصرع التي تنتاب المصروعِين، وحالة الوحي التي تعتري أنبياء الله تعالى، ويؤكد ذلك ما شهدت به الأعداء، فهذا المستشرق "أميل درمنغم" ( مدير مكتبة الجزائر، له كتاب في حياة محمد، وقيل إنه خير ما صنف مستشرق عن النبي، انظر المستشرقون نجيب العقيقي 1/297 ) يقول : ((وحياة محمد كانت منتظمة موزونة قبل بعثته، وما انفكت تكون كذلك بعدها إلا في حالات الوحي)) (نظر: الوحي والقرآن الكريم، د. محمد حسين الذهبي ص 28). ، ويقول "أرميا": ((والحق أن محمداً كان مبرأ من مثل هذه الأمراض على الدوام، فقد كان تام الصحة إلى أن بلغ سن الكمال)) (انظر: آراء المستشرقين حول القرآنِ الكريم وتفسيره، عمر بن إبراهيم رضوان 283) . ثم إن في شهادة خديجة رضي الله عنها له ما يدفع هذه الشبه ((كَلا وَاللهِ مَا يُخزِيكَ اللهُ أَبَدًا إِنَّكَ لتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحمِلُ الكَل وَتَكسِبُ المَعدُومَ وَتَقرِي الضَّيفَ وَتُعِينُ عَلى نَوَائِبِ الحَقِّ)) ( )، والمستشرقون يقرون بالوحي في كتبهم فإذا كانوا يقرون به فكيف يطعنون فيه، وقد جاء في كتاب دائرة المعارف البريطانية ((الوحي Revelation فترة دينية تحدد اتجاه الأمة الروحي، ويأتي هذا التحديد من خلال إلهام أو أحداث أو ممارسة روحية تهدف إلى تغيير حياة أفراد أو جماعات، وكل دين من الأديان الكبيرة يفسر الوحي بمفهومٍ واسع يحمل تابعيه على الاعتماد على أحاسيس أو مشاعر مؤسسة من فرد أو جماعة، والوحي من وجهة النظر الدينية تعاليم تلقى على مؤتمن من الرجال، الهدف منها تغيير حياة الأمة، وهو في الأديان النبوية كاليهودية والمسيحية والإسلام رسالة من الله إلى رجلٍ أمين يبلغها قومه... ويأتي الوحي بطرق مختلفة من كلام مسموع أو رؤيا أو غيبوبة أو إلهام يلقى ما يفهم منه أنه كلام الله ليمكِّنَ النبي من الحديث بتأكدٍ عن الله))( انظر: دعوى المستشرقين أن القرآن من صنع البشر ص 126 ـ127 ).