-
ص 458 -

أ
قول : فعلى هذا ما المانع أن تكون المعوذتان قد نُسختا بالعرضة الأخيرة للقرآن ، وأن ابن مسعود علم ذلك وحده لاستئثاره بالقراءة الأخيرة ، فكان يمحوها من المصحف ويقول لا تخلطوا فيه ما ليس منه لعلمه بما نسخ وما بُدّل ؟! ، بل هو الصحيح على مذهب أهل السنة .

2-
اتفق البخاري ومسلم على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر الصحابة أن يستقرئوا القرآن من ابن مسعود وأن يتلقوه منه :
"
قال صلى الله عليه (وآله) وسلم : استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ".

وكذا :
" عن مسروق قال : كنا عند عبد الله بن عمرو فذكرنا حديثا عن عبد الله بن مسعود فقال أن ذاك الرجل لا أزال أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقوله سمعته يقول إقرؤا القرآن من أربعة نفر ، من ابن أم عبد فبدأ به ومن أبي بن كعب ومن سالم مولى أبي حذيفة ومن معاذ بن جبل " ( 1 ) .


( 1 )
صحيح البخاري (كتاب فضائل الصحابة ) باب مناقب عبد الله بن مسعود ج4ص199 ، وباب مناقب سالم مولى أبي حذيفة وكذا مناقب معاذ بن جبل و مناقب أبي بن كعب ، و صحيح مسلم ج4ص913 .

أقول :
لم تعان المعوذتان من ابن مسعود فقط ، بل إن أبي بن كعب وهو الرجل الثاني الذي أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة باستقرائه القرآن يشك – بحسب رواياتـهم - في أن المعوذتين نزلت من السماء قرآنا أم لا ! ، حيث قال عندما سئل عن المعوذتين ( فقلت : يا أبا المنذر ! إن أخاك ابن مسعود يحكّها من المصحف ، قال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : قال لي : "قل" ، فقلت . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ).

وكلام أبي بن كعب يعني أن النبي صلى الله عليه وآله لم يصرح بقرآنية المعوذتين ! بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( قال لي جبرئيل : قل أعوذ برب الفلق … قل أعوذ برب الناس … !! ) فلم يبين لـهم صلى الله عليه وآله وسلم أنـها منه ! ، والمتيقن عند أبي بن كعب أنـهما أنزلتا من السماء ولكنه يشك في نوع هذا التنـزيل ، أقرآن هو أم عوذتان
!

ويؤيد ذلك ما قاله ابن حجر العسقلاني في
لسان الميزان ج3ص81 : ( واختلف على أبي بن كعب في إثبات المعوذتين ) وكل هذا يدعم ويؤيد ما ذهب له ابن مسعود من عدم وجود نص صادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على قرآنيتهما ! ، بل إن المتأمل في ما حكته الرواية من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشعر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه لم يكن يعلم ماهية المعوذتين هل هي قرآن أم عوذتان !!