فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ
أُمٍّ وَوَلَدِهَا بِسَبَبِ خِلَافٍ بَيْنَ الْزَّوْجَيْنِ، وَكَثِيْرٌ مِنَ الْأَزْوَاجِ يَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ، وَيَفْعَلُهُ آبَاءُ الْأَزْوَاجِ وَآبَاءُ الْزَّوْجَاتِ وَقَرَابَتُهُمْ؛ بِدَعْوَى حِفْظِ كَرَامَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ، أَوْ للحُصُوْلِ عَلَى مَالٍ، أَوِ المُطَالَبَةِ بِإِسْقَاطِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ مَا دَامُوا عِنْدَ أُمِّهِمْ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.. فَتَكُوْنُ الْأُمُّ وَأَطْفَالُهَا ضَحَايَا هَذِهِ الْتَّصَرُّفَاتِ الْرَّعْنَاءِ، وَتُحْرَمُ الْأُمُّ مِنْهُمْ وَيُحْرَمُوْنَ مِنْهَا وَلَا سِيَّمَا الْأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ، وَيَلْتَاعُ قَلْبُهَا عَلَيْهِمْ، فَلَا تَهْنَأُ بِنَوْمٍ، وَلَا تَتَلَذَّذُ بِطَعَامٍ.. نَعُوْذُ بِالله تَعَالَى مِنْ قُلُوْبٍ نُزِعَتْ مِنْهَا الْرَّحْمَةُ، فَاسْوَدَّتْ بِالْأَحْقَادِ، وَكَانَتْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً.. وَلَا رَحِمَ اللهُ تَعَالَى أَزْوَاجَاً لَا يَرْحَمُونَ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ، وَلَا يَرْحَمُونَ أَطْفَالَهُمْ حِيْنَ فَرَّقُوْا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ.. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:«
كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ الله فِيْ سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ الْنَّبِيُّ فَقَالَ: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا»رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ. وَكَمْ فُجِعَتْ أَمٌ مُسْلِمَةٌ بِأَوْلَادِهَا حِيْنَ حِيْلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ طَلَّقَهَا أَوْ هَجَرَهَا!!
وَحِيْنَ غَضِبَ مُوْسَى عَلَى هَارُوْنَ عَلَيْهِمَا الْسَّلَامُ لمَّا عَبَدَتْ بَنُوْ إِسْرَائِيْلَ الْعِجْلَ، وَجَرَّهُ بِشَعْرِهِ ذَكَّرَهُ هَارُوْنُ بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ انْتِسَابُ الْوَلَدِ لِأَبِيْهِ لَا لِأُمِّهِ [
قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوْنِيْ وَكَادُوْا يَقْتُلُوُنَنِي] {الْأَعْرَافِ:150} وَفِيْ آيَةٍ أُخْرَى [
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِيَ] {طَهَ:94} وَمَا ذَاكَ إِلَّا اسْتِعْطَافَاً لَهُ؛ لِأَنَّ
الْأُمَّ أَشَدُّ عَطْفَاً وَأَكْثَرُ رَحْمَةً بِالْأَولُادِ مِنَ الْأَبِ.
وَتَكَلَّمَ عِيْسَى فِي المَهْدِ مُخْبِرَاً أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْصَاهُ بِبِرِّ أُمُّهُ مَعَ فَرِيْضَتِي الصَّلَاةِ وَالْزَّكَاةِ فَقَالَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ [
وَأَوْصَانِيْ بِالصَّلَاةِ وَالْزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيَّاً * وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي] {مَرْيَمَ:31-32}.
وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنَ الْأَبِ فِيْ الْبَرِّ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ، دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ أَحَادِيْثُ عِدَّةٌ؛ فَرَوَى أَبُوْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ الله، مَنْ أَحَقُّ الْنَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ:
أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوْكَ»رَوَاهُ الشيخان.
وَفِيْ حَدِيْثٍ آَخَرَ:«
إِنَّ اللهَ يُوْصِيْكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلَاثَاً إِنَّ اللهَ يُوْصِيْكُمْ بِآبَائِكُمْ...»رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَفِيْ حَدِيْثٍ ثَالِثٍ:«
أُوْصِيْ امْرَأً بِأُمِّهِ، أُوْصِيْ امْرَأً بِأُمِّهِ، أُوْصِيْ امْرَأً بِأُمِّهِ، أُوْصِيْ امْرَأً بِأَبِيِهِ ...»رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قُلْتُ:«
يَا رَسُوْلَ الله، مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمَّكَ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ؟ قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبَاكَ...»رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيْثِ المُثْبِتَةِ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةَ حُقُوْقٍ، وَلِلْأَبِ حَقَاً وَاحِدَاً؛ فَإِنَّهُ يَنْبَغِيْ لِلْوَلَدِ أَنْ يَصْرِفَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ بِرِّهِ لِأُمِّهِ، وَرُبْعَهُ لِأَبِيْهِ، وَكَثِيْرٌ مِنَ الْنَّاسِ يَضْعُفُ فِقْهُهُمْ عَن ذَلِكَ.
وَعُقُوْقُ الْأُمِّ أَشَدُّ جُرْمَاً مِنْ عُقُوْقِ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ الْعُقُوقِ جَرِيْمَةً، وَقَدْ نَصَّ الْنَّبِيُّ ^ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْنَا عُقُوْقَ الْأُمَّهَاتِ.
وَتَجِبُ صِلَةُ الْأُمِّ وَبِرُّهَا وَحُسْنُ صُحْبَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً، مَعَ عَدَمِ طَاعَتِهَا فِي المَعْصِيَةِ [
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِيَ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِيْ الْدُّنْيَا مَعْرُوْفَاً] {لُقْمَانَ:15} وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِيْ بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:«
قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِيْ عَهْدِ رَسُوْلِ الله ^ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُوْلَ الله ^ قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ»رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا الْفِقْهَ فِي الْدِّيْنِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِهِ، وَأَنْ يُعِيْنَنَا عَلَى بِرِّ وَالِدِيْنَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَقَدْ قَالَ الْخَلِيْلُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ [
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ يَوْمَ يَقُوْمُ الْحِسَابُ] {إِبْرَاهِيْمَ:41}.
بَارَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ...
م ن موقع أمي
المفضلات