بسم الله الرحمن الرحيم

ولا بد لنا أيضاً من تسليط شيء من الضوء على مظلومية الفلاسفة وأصحاب الكلام،وسندرك من خلال هذا التعليق خطورة ومرارة التكليف،والسر وراء أن الجبال عجزت عنه في حين حملناه،وحقيقة أن الإنسان لهذا السبب ظلوم وجهول،وسندرك السر وراء الهجوم الشرس الذي كان وما زال الربانيون يشنه على الكلام والفلسفة وأهلها،وسنكتفي بمثال واحد على أبي العلاء المعري،لننظر أولاً إلى عقيدته في توحيد الله تبارك وتعالى إذ يقول:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار



وقد رد عليه عبد الوهاب المالكي -بيض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه- فقال:
قل للمعري عارٌ أيما عارِ جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري

تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شعائر الدين لم تقدح بأشعار
فاليد ما دامت لا تمتد إلى ما هو ليس لها فهي كريمة تفدى بخمسمائة دينار ذهب،وعندما خانت هانت،لكن ما يهمنا ليس ما قرأناه في العقيدة،ليس هنالك أسهل على أي إنسان من أن يقول ويعتقد ويجزم بأن حكم الله لا يقاس بحكم القوانين الوضعية،ولا أسهل من أن يقول ويعتقد ويجزم بأنه يؤمن بأسماء الله وصفاته ويثبتها كما جاءت في النقل دون تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تجسيم،لكن لنلقي معاً نظرة أخرى في سلوك أبي العلاء المعري ونفسيته وعقليته الفاسدة ،فلقد قال عند آخر لحظة في حياته،وقيل بأنه كتبها على قبره هذين البيتين:
هذا جناه أبي علي ... وما جنيت على أحد
أولاً:نقول للمعري وكل من على شاكلته:أنت تقول :"وما جنيت على أحد"ومن اشتكى منك أصلاً ومن جنايتك أياً كانت!ومم اشتكوا !ولماذا ومم توجه هذه الملامة لنفسك ثم تنفيها؟!
ثانياً:وقاحة المعري عندما يقول:"هذا جناه أبي علي"نقول له ولكل من على شاكلته أيضاً:"يا قليل الأدب،ماذا فعل لك أبوك حتى رميت الجناية عليه!ألأنه رباك وسهر عليك وأفنى حياته لتكبر أمام عينيه!ونذكر بأن المعري كان ضريراً لا بصر له ولا بصيرة،ولنتذكر أيضاً مقولة لضرير منحرف آخر ،ألا وهو طه حسين عميد قلة الأدب العربي إذ يقول في كتابه المسمى في الشعر الجاهلي:"إن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين ولو وقف الدين الإسلامي حاجزاً بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه"و الفرعونية مرتبطة بالاستعلاء والكبر بغير حق،والنفاق،والجاهلية،والسحر،والماسونية،والسر وراء نجمة داود عليه الصلاة والسلام مثلث لفوق،ومثلث لتحت،هو أنهم وحدهم فوق،وباقي البشر حيوانات على شكل بشر لخدمتهم،والسر وراء الخطين الأزرقين هو أنها من الفرات إلى النيل،فالفرات - بلاد الرافدين حفظها الله وأهلها وطهرها من رجس اليهود والنصارى وأذنابهم - هو مقر نزول هاروت وماروت اللذان علما الناس السحر،وهي نجد،التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها بأنها:"يطلع منها قرن للشيطان"ولنعد إلى المعري.
ثالثاً:قول المعري:"جناه أبي علي"يذكرنا كم من المرات ورد أن المشركين في القرآن كانت حجتهم:"حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا"ومداره هو العادات والتقاليد والميل إليها وتجاهل النقل من الوحي والكتب السماوية،ونوضح ذلك بمثال واقعي وبسيط:
لنفترض أن شاباً في مقتبل العمر يمشي في الطريق ومعه أهله والناس على اختلافهم موجودون في الشارع،ثم جاء إليه أحد الناس وأوسعه ضرباً وشتماً،لنفترض أن هذا الشاب أراد في هذه اللحظة أن يطبق الوحيين المطهرين،ينظر أولاً إلى قوله تعالى:"إن الله يأمر بالعدل والإحسان"فالعدل هنا هو "جزاء سيئة سيئة مثلها"وهي أن يرد عليه بالضرب وبالمثل،والإحسان الذي يحبه الله ويأمر به وقال عن أهله :"ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم"لنتأمل في هذا الشاب وهو يبتسم ويضحك لهذا الرجل الذي وجه إليه هذه الإساءة المنكرة أمام أهله والناس،ويقول له - في رمضان أو حتى غير رمضان - سامحك الله،أنت أخي في الله ،من الذي سوف يطيق هذا التطبيق العملي لنصوص الوحيين المطهرين؟الجواب في قوله تبارك وتعالى:"وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"وماذا نقول عن أهله وباقي الناس الذين يشاهدونه في هذا الموقف ويشفقون عليه أو يشمتون به أو يلومونه أو حتى يحتقرونه؟الجواب في قوله تبارك وتعالى:" وإن تطع أكثر من في
الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون"فالرباني يقول في نفسه:"سواءاً كنت قادراً على رد الإساءة بالمثل أو أكثر فلن أرد عليها وأحتسب ذلك لوجه الله تعالى ،والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً إن كان في الدنيا عبر خجل الرجل المسيء واعتذاره لي ،أو حتى في الدار الآخرة"ومن يخرج عن المنهج الرباني - ولو قيد أنملة - أول ما سيتذكر هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"وسيتعامى بعقليته التي دخلتها الشوائب عن قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس الشديد بالصرعة،وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"فإن كان قادراً على المسيء فربما يحرقه ويكويه بالنار ليشفي هذا الشعور الداخلي بالاضطهاد والمظلومية والذل،وإن لم يقدر في تلك المرة على الرد فسيبحث عن أحدى النوادي الرياضية ليتعلم فناً من فنون الدفاع عن النفس ليكون قادراً على الرد في المرة المقبلة،ومن هنا نفهم السر وراء مظلومية النساء وأن أكثر أهل النار منهن،فهي تنظر إلى أنها من ضلع مكسور وتحاول دائماً تعويضه بشتى الوسائل،إلا من رحم الله،ولذلك فلقد كمل من الرجال كثير ومن النساء أربعة فقط نعرفهن جميعاً.
فالتكليف الذي رفضته الجبال،حمله الإنسان وهو ظلوم جهول إلا من رحم الله،فظلمه يدفعه لظلم غيره ونفسه،وجهله بثواب الله في الدنيا والآخرة،أحدهما أو كلاهما،سيدفعه إلى الانحراف عن المنهج الرباني كما أسلفنا،ودواؤه في سورة الفاتحة كما نعلم،فهي حمد لله وحده،ثم وصفه بالرحمة التي قلت في قلوب العباد لسبب أو لآخر،ثم التذكير بأنه هو وحده مالك لليوم الآخر والثواب والعقاب،وإياك نعبد لطرد الرياء والنفاق،وإياك نستعين لطرد الكبر فالله هو المستعان ونرجو منه ألا يكلنا حتى إلى أنفسنا وشحها طرفة عين ولا أقل من ذلك،والصراط المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،والصديقين وهم أقرب الناس إليهم،والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ودنياهم كلها لأجل هذا المنهج،غير المغضوب عليهم من اليهود الظلمة المستكبرين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين،ولا الضالين من النصارى الجهال ومن انتهج نهجهم إلى يوم الدين فلم يستضئ بنور العلم،ولم يلجأ إلى ركن وثيق،والعلم كما قال مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله:"ليس العلم كثرة المسائل،وإنما العلم الخشية"والخشية ضاعت بسبب ضياع العلم،وضياع العلم كما قال السلف رحمهم الله:"ضاع العلم بين مستحي ومستكبر"و ومصطلح الخجل هنا أصح من مصطلح الحياء،لأن الحياء دافعه هو الخوف من الله وحده لا شريك له،والخجل دافعه من المخلوقين،الذين هم على قسمين،إما أن يكونوا خروفاً نصب نفسه إلهاً على البشرية أياً كان باستكباره،وإما أن يكون خرافاً تبعوه لشهواتهم أياً كانت،سواءاً كانت مالاً كقارون،أو جاهاً ورفعة في الدنيا كفرعون وجنوده وأذنابه في كل زمان ومكان،أو نساءاً أو أولاداً وبنات أو عصبية قبلية عشائرية أو لبلد أو لعرق أو نحو هذا،ونحن نؤمن قولاً وفعلاً وعملاً واعتقاداً بأن لا فضل لعربي على عجمي،ولا لأبيض على أسود،إلا بالتقوى،فالدنيا كما نرى حق وباطل،فالحق ألوهية الله وحده،والباطل ألوهية غيره،والحق هو أصوات الطبيعة والطيور الجميلة،والباطل هو المعازف والموسيقا،والحق هو الزهر والورد الطبيعي وإن ذبل بعد حين،والباطل هو الزهر والورد الصناعي وإن تجمل وإن تلون وإن وضعوا له العطر والروائح الزكية،وأهل المنهج الرباني الصحيح يطبقون قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"العقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح"وهم لا يكذبون،ولا يتجملون،ولا يحقدون،ولا يحسدون،ولا يخشون في الله لومة لائم كائناً كان من يكووووووووووون،لأن من يغتاب ويلوم ،مهما كانت صفته ومنزلته،لئن يغتابه ويلومه على حق،خير وأحب إلى الله من أن يغتابه ويلومه على باطل.
وما كان من صواب وسداد وتوفيق فبفضل من الله وحده لا شريك له،وما كان من خطأ وتقصير ونسيان فمني ومن الشيطان،والله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وزوجاته أمهات المؤمنين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً منه براء
سبحانك اللهم وبحمدك،أشهد ألا إله إلا أنت ،أستغفرك وأتوب إليك