إنهيار النظام الأخلاقي:


ما يعتقده الناس حقيقة حول الصواب والخطأ يمكن أن يتحدد من خلال الكيفية التي يعيشون بها حياتهم على نحو أفضل مما يتحدد ويعرف من خلال ما يقولونه باستطلاعات الرأي، فإذا كان الأمر كذلك، فإن النظام الاخلاقي القديم في حالة موت. وحتى وقت متأخر في الخمسينيات من 1950 كان الطلاق فضيحة، وكان "العيش معاً بلا زواج" يوصف بأنه الكيفية التي تعيش بها " القمامة البيضاء"، وكان الإجهاض مقززاً، وكان اللواط هو "الحب الذي لا يجرؤ أحد على أن ينطق باسمه".
أما اليوم، فإن نصف كل الزواجات تنتهي بالطلاق، والعلاقات هي ما تدور الحياة حولها والحب الذي لا يجرؤ أحد على أن ينطق باسمه لا يغلق فمه، ويقول عالم السكان البلجيكي رون لسثايغي إن إنهيار الزواج والخصوبة الزوجية يعود إلى "تحول في نظام تشكيل الأفكار الغربية"، ابتعد على أمد طويل عن القيم التي أكدتها النصرانية ـ التضحية، والإيثار، وقدسية الالتزام ـ وتوجه نحو "فردية علمانية" محاربة تركزت على الذات.
وعندما أصدر البابا بول السادس في العام 1968 تعميمه الكنسي ضد منع الحمل، فإن العداوة الشاملة التي أُستقبل بها ذلك التعميم، حتى بين الكثيرين من الكاثوليك أعطت شهادة على التغيير الهائل في المجتمع.
لكن مع إنتشار الزنا المتعدد غير المنضبط والطلاق على نطاق واسع وإنفجار الكتابة العارية وشيوع فلسفة الإنحلال والعبث في التيار العام، وقيام دافع الضرائب بتمويل الإجهاض، وفي يوم نستطيع فيه أن نقرأ في أمريكا عن فتيات في العشرية الثانية من أعمارهن يرمين مواليدهن الجدد في حاويات القمامة وسط الجليد، تُذكرنا بالعالم القديم لروما الوثنية، حيث تُترك المواليد الغير مرغوب فيها على سفوح التل ليموتوا من التعرض للعوامل الطبيعية.
ويقوم أطفال وسط أمريكا الآن برحلات متناوبة واجبة في الثورة الجنسية، تحت شعار "أعمل الشئ الذي يخصك"، هو الآن عرف أخلاقي، وكل إمرأة أمريكية في سن حمل الأطفال كان لها إجهاض كمرجع تعود إليه، والملايين منهن لن يرجعن عنه، يردنه موجوداً لأنفسهن ولبناتهن وسوف يصوتن ضد أي سياسي أو حزب يهدد بإنتزاع الإجهاض منهن.

أزمة إسرائيل الوجودية:

على الرغم من تزايد سكان إسرائيل، فان إتجاه الجيران يساعد المرء على فهم السبب الذي توصل من أجل المحاربون ـ السياسيون من أمثال إسحق رابين وإيهود باراك إلى قرار بأنهم لا يملكون أي خيار سوى أن يقايضوا الأرض مقابل السلام.

معدل الخصوبة عند الفلسطينيين في إسرائيل هو 4.5 طفلاً لكل إمرأة، وفي الضفة الغربية 5.5 طفل لكل إمرأة، وفي غزة 6.6 طفل لكل إمرأة. إذا كان موضوع السكان هو المصير المقدر لكل مجتمع، فإن إسرائيل تكون في أزمة وجودية لا يمكن إلا أن تتفاقم بالاحتلال العسكري المستمر وبتوسيع المستعمرات.

ففي السنوات الخمس والعشرين المقبلة، سينمو سكان إسرائيل (اليهود والعرب) فيزيد 2.1 مليون نسمة، بينما سيتعاظم عدد جيرانها العرب ويزدادون 62.2 مليون نسمة، لكن التحدي الأكبر هو المشكلة الفلسطينية لدى إسرائيل.

ففي غضون خمسة وعشرين عاماً سيكون 2 مليون فلسطيني داخل إسرائيل، و7 مليون في الضفة الغربية وغزة، و7 مليون في الأردن، أي 16 مليون فلسطيني يعيشون متلاصقين مع 6 مليون يهودي إسرائيلي.

في العام 2050 سيكون 3 مليون فلسطيني داخل إسرائيل و12 مليون فلسطيني في الضفة والقطاع و10 مليون فلسطيني في الأردن، أي 25 مليون فلسطيني يعيشون مع 7 مليون يهودي إسرائيلي في منتصف القرن.

حتى لو قبل العرب إسرائيل، فما هو الضمان لها بأن تكون هذه المطالبات بالأرض هي آخر المطالبات الموجهة إلى الدولة اليهودية؟ ولماذا يجب على العرب بعد أن يكونوا قد هضموا ما تعطيه إسرائيل، ألا يتابعوا هدف طرد الكيان الصهيوني من الشرق الأوسط؟.

يقول الإسرائيليون إنهم يعرضوا على جيرانهم سلاماً عادلا، لكن العرب قد يرون إسرائيل بصفتها أمة في تراجع، وتحاول أن تعقد أفضل صفقة تستطيعها، لكن لماذا لا ينبغي للعرب أن يعتقدوا بأنه مثلما أن الحرب جاءت بإسرائيل إلى طاولة المفاوضات لتقدم الأرض مقابل السلام، فالمزيد من الحرب سوف تنتج المزيد من الأرض مقابل السلام؟.

من وجهة نظر العرب الحرب ناجعة، فحرب يوم الغفران عام 1973 أدت بإسرائيل إلى تسليم سيناء، وجهاد حزب الله طرد إسرائيل من لبنان، وانتفاضتان أجبرتا إسرائيل على أن تعرض تسليم كل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية تقريباً.
أما قوة إسرائيل العسكرية، فإنها لن تبق قادرة على أن توقف تراجع إسرائيل بأكثر مما أوقف تفوق الغرب العسكري تراجعه، هل منع العشرون ألف سلاح نووي لدى روسيا فقدانها لأوروبا الشرقية، ودول البلطيق وأوكرانيا وكازاخستان وبقية إمبراطورية موسكو في القوقاز وآسيا الوسطى؟.