وهكذا بعد العرض لتلك الأحوال وبآيات متقابلة فيها من التذكرة والتقريع في نفس الوقت ,يبدأ الرحمن في بيان رحمته وعظمته في آن واحد للغافلين
فيبدأ كلامه بآية تجعل الجبال الشامخة تنشق وتخر ساجدة له فيقول
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. نصدق يارب ونعبدك ونشكرك وحدك لا إله إلا أنت سبحانك تعاليت عما يشركون .. ونشكرك يا من خلقتنا وسخرت لنا من النعم مالا يعد ولا يحصى .. أنت القوي أنت العظيم لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ..
والله إن لم يكن في القرآن سوى تلك الآية لآمنت بأنه لا إله إلا هو ...
ثم يبدأ الخالق العظيم الرحمن الرحيم بتذكرة الجاحدين بنعمه ( وهل تحتاج الشمس لدليل ) لكنه الإنسان الظلوم الكفار .. وهي فقط بعض النعم التي أنعم علينا بها المنعم وفي كل نعمة يوضح للناس آية والمعجزة فيها وفي خلقها وعظمة الخالق وأنه لولاه لما كانت تلك النعم التي قد لا يراها بعض من فقدوا البصيرة ( فهم لهم آذان لا يسمعون بها وأعين لا يبصرون بها ) وانه قادر على الذهاب بها .. ولنقرأ
أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58)
أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63)
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) - الواقعة
أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) - الواقعة
أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) – الواقعة
أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ (72)
لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) – الواقعة
َلوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) – الواقعة
وهذه الآيات تم استخدام ذكر كلمة نحن في كل مرة يتم فيها ذكر نعمة من النعم وذلك لتوضيح قدرة الخالق وعظمته فيما يخلق (خلقه للإنسان وطريقة تكاثره - خلقه الزرع المختلف ألوانه وأكلة – خلقه الماء – خلقه للنار )
ثم مجموعة أخرى من الآيات ذكرت بها كلمة نحن ولكنها تتحدث في موضوع آخر وهو الموت وتذكرة الإنسان بالموت ولحظات الموت وقهر الإنسان بالموت ثم توضيح للغافلين والذين يقولون إنما خلقنا من الطبيعة فقط .. فهاهي لحظة خروج الروح من الجسد .. فما هي الروح هل خلقتها الطبيعة وهاهو جسد سليم تخرج منه الروح بيصبح جثة هامدة لا تتحرك .. ما هي وكيف خلقت
نَحْنُ قدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ (62)
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ (73)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87)
في تلك الآيات كلها تذكرة للخلق والموت والروح .. وكلها أشياء تتحدث عن عظمة الله فاستخدمت كلمة نحن في كل تلك المناسبات. فلو كنتم صادقين فلتقضوا على الموت إن استطعتم أو فلترجعوا الروح للجسد بعد أن تخرج
ثم توضيح مآل الأصناف الثلاثة بعد الموت (والتي سبق وذكر حالها بالتفصيل في بداية السورة)
َأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)
وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)
وفي النهاية تاكيد على ان هذا الكلام هو حق ويقين وسوف يعلم ذلك كل منا عند موته .. لكن لن يمكنه أن يعود مرة أخرى ليخبر الناس أو ليعمل أعمال حسنة ويؤمن بما كفر به من قبل ..
ويأتي الأمر منه أن نسبح باسم العظيم في نهاية تلك السورة كما سبق وجاء بعد القسم ( أو عدم الحاجة للقسم ) بمواقع النجوم
فمرة أخرى يأمرنا بأن نسبح باسمه العظيم ...
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) - الواقعة
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) – الواقعة
فسبحان الخالق العظيم الذي أتقن كل شيء وبد خلق الإنسان من طين .. سبحان بديع السماوات والأرض والذي إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون .. سبحان الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .. سبحان من ليس له صاحبةً ولا ولد .. سبحان الله العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المفضلات