بُعد الاختيار التاريخي:

يجب أن يكون معروفًا أن الواقع النصراني لا يملك العوامل الطبيعية للحركة السياسية، وإن كانت هناك محاولات لزرع واختلاق تلك العوامل، وسبب ذلك أن حركة النصارى تاريخيًّا لها طبيعة كامنة.. حتى وإن كان لها زمن طويل، غير أنها في كل هذا الوقت كانت معتمدة على قوى أخرى.. ابتداء من الدولة الرومانية التي تبنت عقيدتهم، وحتى الاحتلال الفرنسي والاحتلال الإنجليزي والسيطرة الأمريكية مؤخرًا..

ومن هنا كانت طبيعتها هي: الكمون والتربص واقتناص الفرص..

غير أن الزعامة التي صُنِعَت لإخراج النصارى من حالة الكمون كان لابد أن تكون متمردة ثائرة، وكانت شخصية شنودة شخصية عنيدة، فكان هناك من التقط هذه الشخصية، وتعامل معها واستغلها في إطار الأهداف المرسومة.

وهذا هو السبب في نجاح السيطرة الكاملة للزعامة النصرانية على أتباع الكنيسة.. من خلال البابا شنودة.

تاريخ التصنيع:

يبدأ تاريخ صناعة شنودة كزعيم للمخطط مع بداية الأحداث التي أظهرته بصفة الزعامة، وكان ذلك حينما احترقت إحدى الكنائس في السويس أثناء الثورة في عام 1952 بفعل الإنجليز، في محاولة لإحداث فتنة طائفية تؤثر على عمليات المقاومة التي يقودها الإخوان ضد الاحتلال، فكتب شنودة خطابًا تبدأ به ممارسة الزعامة قال فيه: "لعل العالم قد عرف الآن أن المسيحيين في مصر لا يُمنعون من بناء الكنائس فحسب، بل تحرق كنائسهم الموجودة أيضًا، ولا يُعرقل فقط نظام معيشتهم من حيث التعيينات والتنقلات والترقيات والبعثات، إنما أكثر من ذلك يحرقون في الشوارع أحياء"، وهو كذب صريح لإلهاب حماس العامة تمهيدا لقيادتهم.

ثم يأتي موقف آخر بنفس الفكرة الخبيثة، وهي حرق كنيسة الزقازيق ليظهر من خلاله موقف من مواقف صناعة الزعامة بتصدي "نظير جيد" بعد أحداث حرق الكنائس المفتعلة لتبرير تواجد عسكري لجنود الاحتلال في مناطق المقاومة الإسلامية للاحتلال، ولإظهار نظير جيد كزعامة مدافعة عن حقوق الأقباط !
وتفصيل الموقف: أن الإنجليز مرة أخرى أحرقوا كنيسة في الزقازيق بعد بدء حرب فلسطين، ودخول الفدائيين قبل الجيوش العربية، وذهب إبراهيم فرج -سكرتير حزب الوفد- (مسيحي)، واتفق مع البابا على تسوية الموضوع مع مدير المديرية في الزقازيق، لكن شنودة "نظير جيد" لم تعجبه هذه التسوية، بل رفضها واتهم المسلمين والإخوان المسلمين بالأخص بحرق كنيسة الزقازيق!

الخطير أن نظير جيد يتحدث في المقال هكذا: "لقد زارنا نجيب باشا وقتذاك فقال لنا لحساب من تعملون؟ لقد اصطلح المدير مع المطران، وانتهى الأمر وأنتم تهددون وحدة العنصرين".
علامات التصنيع:

أما علامات التصنيع الأخرى فقد جاءت في سياق الاختيار؛ حيث وضحت في عدة تساؤلات:

لماذا دخل سلك الرهبنة بضجة إعلامية؟

حيث كان يحضر الاجتماعات المدنية بلبس الرهبنة، ممسكًا بعصاة طويلة بهيئة لا تتناسب مع الظروف التي يظهر فيها، ولكنه كان يفعل ذلك إعلانا لرهبنته التي سيستفيد منها فيما بعد..

ولماذا طالبت المظاهرات بعودة شنودة إلى الأسقفية بعد إبعاد كيرلس له وإعادته إلى الدير؟

ولماذا أصبح أسقفًا للتعليم قبل أن يُتم الوقت القانوني في الرهبنة؟
حيث تولى شنودة منصب أسقف التعليم بعد أن مكث في الرهبنة ثماني سنوات فقط(

[5]).

ولماذا ترشح للبابوية بغير استيفاء الشروط المحددة لذلك ؟

ومن هنا كان اختيار شنودة للبابوية اختيار مباشر من وزير الداخلية قائلًا للسادات: شنودة يا ريس دا بتاعنا !
بُعد التكوين الشخصي(
[6]):

يجب أن نقرر من البداية أن شنودة كان مؤمنًا بقضيته، وأن هذه الصفة كانت أساس الاختيار؛ لأن الدور المقرر لشنودة لا يتطلب مجرد أداء دور في خطة، ولكن يتطلب من يؤمن بما هو عليه، ويقوم بكل طاقته على تحقيقه.

ولكن بمجرد الدخول في الخطة تبدد إيمانه بقضيته ليؤمن بنفسه.. ويتمحور حول ذاته بعد تأثره بمقتضيات الالتزام بالخطة الرامية إلى السيطرة الكاملة على النصارى بزعامته.

وكان من شواهد التمحور حول الذات:


-عدم السماح بمن يدانيه من القساوسة المحيطين به..

فقد كانت تجربة يوساب في مخيلته، فأخذ يتعامل مع من حوله على هذا الأساس، حيث كان أقرب المقربين ليوساب هو من تسبب فيما أصابه من كوارث.

-عدم السماح بإظهاره مخطئًا مهما كانت الظروف، ونفي مسئوليته عن أي خطأ، فأصبح هو المسئول عن كل شيء بلا مساءلة عليه من أحد.

-كما كان من أخطر شواهد التمحور حول ذاته هو العناد، مثلما وضح في مشكلة كاميليا شحاتة والأخوات المسجونات في الأديرة والكنائس، وكذلك مشكلة الزواج الثاني عند الأقباط.حتى أنه قال: لن أسمح بالطلاق إلا لعلة الزنى ولو ترك كل الأقباط الأرثوذكسية.

فرد عليه المطالبون بالزواج الثاني في مظاهراتهم ضده "مش هيسر الرب عنادك إحنا عبيدك ولا أولادك"، وكذلك: "المسيح رئيس الكهنة وهو- أيالبابا - رئيس رؤساء الكهنة"، ".

وبينما يشتهر بعناده الشديد.. يقول: الإنسان المعاند يخسر نقاوة قلبه..

وكان من أهم دلائل تمحور شنودة حول ذاته.. هو تعجله في محاولة تحقيق كل أهدافه المرسومة في حياته، خارجًا في ذلك عن السياق الزمني المحدد للخطة.. مثل صراعه مع السادات.. والذي أدى إلى عزله والإطاحة به..


وهذا التمحور هو الذي جعل البعض يتوهم أن له كاريزما أو زعامة طبيعية..
أما تفسير التفاف أكثر الأرثوذكس حوله.. فهو الخوف من الواقع المحيط الذي زرعه شنودة في نفوس الأقباط، و جعلهم يرتبطون بمن يتصورونه قادرًا على حمايتهم.

ومن هنا كانت المحاولات المستمرة للتخويف من المسلمين، واستغلال أي أحداث يمكن تفسيرها تفسيرًا طائفيًّا، كما تبين من حادثة حرق كنيسة السويس والزقازيق المفتعلة.

ولم يكن لشنودة موقف شجاع واحد، بل كانت مواقفه جميعًا تستند إلى ظروف عالمية ومحلية خاصة.

ونتيجة لما سبق.. لم يصبح هناك وجود لمن يحل محله، أو من يمكن الإجماع عليه بعده.. مما سيجعل الفراغ الذي يتركه شنودة في واقع النصارى بعد غيابه عن المشهد.. واسعًا يصعب ملؤه، كما ستعاني الإدارة الخفية للصراع في اختيار من يخلفه معاناة شديدة..

ولكن غياب شنودة لن يكون مانعًا من استمرار الخطة..ومن هنا اختلفت صورة شنودة في بدايته عن نهايته..وكان الاختلاف هائلًا بين ما كان يجب أن يبقى عليه وبين ما آل إليه..وهذا الاختلاف هو ما حاول شنودة معالجته بأقواله التي يشتهر بها والمخالفة لواقعه:

فبينما بلغ ثراؤه وصولجانه ما لم يبلغه أغنى ملوك الأرض يقول:

قد دخلت الكـون عريانًـا ** فلا قنية أملك فيه أو غنى

وسأمضي عاريًا عن كل ما ** جمع العقل بجهل واقتنى
عجبًا هل بعد هذا نشتهي **مسكنًا في الأرض أو مستوطنا

البعد الثالث : الدور والمهمة

ينبغي أن نعلم أن شنودة محصلة كل أبعاد العداء النصراني للإسلام..

فشنودة هو أول من أثار الشبهات..

كان يعتبر ذلك رسائل إلى مؤيديه ليثبت لهم ذكاءه أمام الغباء الإسلامي الذي يتوهمه، وكان يعتبرها صفعات فوق رقاب المسلمين..

وكان يطعن في الإسلام بأسلوب الغمز من خلال المؤتمرات مستغلًا عدم انتباه جهلاء المسلمين لهذا الخبث والدهاء، مثل قوله في أحد المؤتمرات أمام السادات: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يقرءون الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس: 94].

وبالطبع لم يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أشك ولا أسأل».

كما ذكر في مؤتمر آخر أمام السادات أيضًا قول عائشة: (أرى ربك يسارع في هواك )..

والثقة الزائدة في نفسه وتوهمه أن المسلمين لن يفهموا فحوى .. يؤكد ما سبق في تحليل شخصيته.. وفي مقال منشور بمجلة "الهلال" أول ديسمبر 1970م يزعم كذبًا أن القرآن وضع النصارى في مركز الإفتاء في الدين -لمحمد صلى الله عليه وسلم- وأن النصارى كانوا مصدرًا للوحي وللرسالات والشرائع السماوية ـ وأن الإنجيل كتاب مقدس تجب قراءته على المسيحي والمسلم [ص60 وما بعدها ].

كل ذلك منذ السبعينات.. قبل زكريا بطرس بزمن طويل ولكنها كانت بأسلوب خفي..

أما الآن.. فقد أصبح هجوم شنودة على الإسلام معلنًا، حيث أيد زكريا بطرس وعاير علماء المسلمين بعدم الرد عليه، فكان ما كان من رد فعل إسلامي ساحق لزكريا ولجميع من أيده.
ولم يتوقف الأمر عند الطعن في الإسلام وطرح الشبهات..
بل كان شنودة أول من زعم أحقية الأقباط في مصر دون المسلمين، سابقًا بذلك الأنبا بيشوي، الذي قال أن المسلمين ضيوف في مصر.

ففي يناير 1952 كتب مقالًا في مجلة الأحد يقول فيه: “إن المسلمين أتوا وسكنوا معنا في مصر”! وهو ما يعني أنه يرى أن المسلمين غزاة، وجاءوا وسكنوا في مصر، وليسوا مصريين قد أسلموا.
وشنودة أول من استقوى بالخارج ..فقد أوعز إلى أقباط المهجر لكي يهاجموا السادات عند زيارته لأمريكا..
وأكد السادات نفسه في خطابه بمجلس الشعب بتاريخ 10 مايو1980م أن شنودة يريد أن يجعل من الكنيسة سلطة سياسية، وأنه مَن سبَّب الفتنة الطائفية، وأنه يحرِّض أقباط المهجر أمام الأمم المتحدة وأمام البيت الأبيض الأمريكي، وأنه يتصل بالرئيس كارتر ليحثه على لَيّ ذراع السادات، وإحراج موقف السادات أمامه. وأنه يقف وراء المنشورات التي تُوَزَّع في أمريكا عن الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في مصر، وكذلك المقالات والإعلانات المنشورة في الصحف الأمريكية، وأن البابا شنودة يقف وراء مخطط ليس لإثارة الأقباط فقط، ولكن لإثارة المسلمين واستفزازهم.مما يجعلنا نفهم لماذا لم ينكر شنودة على أقباط المهجر الذين يطالبون بالحماية الدولية وإعلان الدولة القبطية في مصر على مصر وطرد المسلمين منها (
[7])

هذه صورة شنودة بحجمه الطبيعي، تم تصويرها بخلفية تاريخية موثقة، لم يرسمها من يعبده ولم يتدخل فيها من يلعنه، يبدو فيها مجرد أداة مناسبة لمخططات فاجرة، و بداية لمن بعده من الطامحين إلى بابوية الجاه و الذهب.

([1]) مر مخطط التقسيم بعدة مراحل تاريخية:
1916/سايكس بيكو (الحرب العالمية الأولى) تمزيق الخلافة الإسلامية من خلال النعرات الوطنية.
1947/ إيزنهاور (الحرب العالمية الثانية) استبدال القومية العربية بالانتماء الإسلامي.
1992/المحافظون الجدد (حرب الخليج) مزيد من التفتيت والتقسيم الطائفي العرقي الديني.
([2]) ولم يكن موقف ثورة يوليو محدودا بمناصرة نصارى مصر بل كانت المساندة دولية حيث كان لجمال عبد الناصر مواقف تحيز فيها للنصارى في بلاد كثيرة، فتحيز للأسقف مكاريوس ضد تركيا في نزاع جزيرة قبرص، وتحيز للإمبراطور هيلاسلاسى في الحبشة ضد مسلمي الحبشة .
([3]) كتب عزت أندراوس محرر «موسوعة تاريخ أقباط مصر» مقالًا عن نشأة جماعة الأمة القبطية بعنوان: "جماعة «الأمة القبطية» أسست لتتوازن مع الإخوان المسلمين"، أكد فيها أن هذا التزامن كان مقصودًا، وفي مقال آخر كتب نفس الكاتب
-عزت أندراوس- تعليقًا على صورة لإبراهيم هلال –مؤسس جماعة الأمة القبطية- بين عبد الناصر ومحمد نجيب: "عندما اغتيل حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين سار في جنازته اثنين من الأقباط هم مكرم عبيد باشا، والثاني كان إبراهيم فهمي هلال زعيم جماعة الأمة القبطية، وكان هذا يعد دليلًا على أن جماعة الأمة القبطية أنشأت على غرار جماعة الإخوان المسلمين لتكون البديل القبطي لها".حتى أن شعارها “الإنجيل دستورنا، والموت في سبيل المسيح أسمى أمانينا”.توازيا مع شعار الإخوان “القرآن دستورنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”
وكانت "جماعة الأمة القبطية " في مذكرتها قد دعت لجنة الخمسين المكلفة بوضع مشروع الدستور، دعتها باسم العدالة والوحدة الوطنية أن تضع لمصر دستورا وطنيا صريحا لا دينيا، مصريا لا عربيا، واضحا صريحا في ألفاظه ومعانيه. اعترضت الجماعة في مذكرتها علي اعتبار الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، واحتجت علي النص بأن يكون الرئيس مسلما، كما دعت إلى فصل الدين عن الدولة صراحة حرصا على قيام الأمة ووحدة أبنائها.
([4]) أطلق النصارى وقتها شائعة سخيفة مؤداها أن ابنة عبد الناصر كانت مريضة، فأقنعه أحد أعضاء البرلمان من النصارى بأن البابا هو الوحيد الذي يستطيع أن يعالج ابنته المريضة بعد أن يئس الأطباء من علاجها، فدخل البابا مباشرة إلى حجرتها وابتسم في وجهها وقال لها :«إنتي ولا عيانة ولا حاجة»، وصلى لأجل شفائها، لتتحول بعدها العلاقة الفاترة إلى صداقة وطيدة، وافق بعدها «ناصر» على أن تساهم الدولة في بناء كاتدرائية جديدة..
([5]) ترهبن في دير السريان في 18 يوليو 1954م, ورسم أسقف للتعليم في 30 سبتمبر 1962م بينما يقتضي قانون الرهبنة أن يظل الراهب فيها خمسة عشر عامًا على الأقل قبل أن يتولى منصب الأسقف.
([6]) كان السادات ممن انتبهوا إلى عشق شنودة للزعامة، وقال عنه: «ده عامل زعيم»، وقال أيضًا: «أنا عايز أعرف هو أنا اللي باحكم البلد، ولا شنودة».
([7]) لمزيد من الدراسة حول مخطط شنودة يرجى مراجعة التقرير الذي سربته المباحث العامة في مصر في السبعينات ونشره الشيخ محمد الغزالي في كتابه قذائف الحق، فصل: ماذا يريدون:
[COLOR=window####]http://www.waqfeya.com/book.php?bid=1556[/COLOR].