يظن بعض الناس ان المنصرين يأتون لنشر الدين على انه هدفهم
الاسمى ،
والحق ان نشر الدين امر ثانوي فى جميع الحركات التنصيرية ،
فالمنصرون يمزجون الدين بالسياسة والباعث الحقيقي والاول فى رأي القائمين على التنصير انما هو (القضاء على الاديان غير النصرانية) توصلاً الى استعباد اتباعها .
أن المعركة بين المنصرين وبين الاديان غير النصرانية ليست معركة دين
على قدر ما هى معركة في سبيل السيطرة السياسية والاقتصادية [1]،
وقد بدأ النشاط النصيري المسيحي فى افريقيا متزامناً مع بدأ العلاقات الاوربية-الافريقية[2] .
وفى هذا الفصل سنتعرف على اهداف اوروبا الدينية وراء التنصير
وكذلك سنتعرف على اهم البعثات التبنصيرية وكذلك مساوئ وسلبيات التنصير فى القارة السوداء.

اولاً:تعريف التنصير:-

هو ظاهرة عالمية تنشط في جهات كثيرة من العالم ، شرقاً وغرباً ، جنوباً وشمالاً
ولكن الملاحظ ان ثمة جهات تحظى بعناية خاصة وتركيز عال من منظمات التنصير[3]، وهو فى المفهوم العادي يعنى دعوة الناس الى الدخول فى المسيحيية .
والتنصير اصطلاحاً هو حركة دينية سياسية استعمارية هدفها السيطرة على بلدان العالم الثالث.


ثايناً:الدافع الديني لأوروبا وراء التنصير:-


أنتهى الصراع بين العرب والامارات المسيحية فى شبه جزيرة أيبيريا بخروج العرب نهائياً من أسبانيا فى عام 1492م ، فأصبحت الأندلس بحق _كما عبر عنها بعض الكتاب العرب (فردوس العرب المفقود)_ لكن البرتغال استطاعت أن تتخلص من الوجود العربي وأن تقيم مملكة مستقلة قبل الأسبان بما يقرب من قرنين .وحمل البرتغال لواء حركة دينية جديدة يعتبرها بعض المؤرخين
امتداداً للحركة الصليبيية وذلك بهدف تعقب القوى الاسلامية [4].
وقد كان البرتغاليون أول الأوربيين الذين نزلوا فى منطقة البحر الأحمروالشرق الأوسط عموماً ، وذلك ضمن موجة الأستكشافات التى اجتاحت تفكير البرتغاليين فى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ، وكان الدافع الاساسي هو الاستفادة من تجارة المنطقة ،بالاضافة الى سبب اخر وهو ذو طابع ديني ،
فقد افادت التقارير التى وصلت الى ملك البرتغال بوجود امبراطورية عنية ومتمدنة يحكمها ملك مسيحي يدعى القديس يوحنا .
وكان الامير هنرى الملاح يعتقد انه اذا تم للبرتغال الاتصال بهذا الامبراطور وبلاده الاسطورية سوف يتمكنا _اى البرتغال والحبشة _من كسر اجنحة الامبراطورية العثمانية النامية.
وواضح ان وصول البرتغاليين الى هذه المنطقة لم يقتصر على أهداف تجارية فحسب ، بل أتسم ايضاً بالطابع الدينى حيث كانت زيارة بيرودي كوفلهام الى الحبشة بداية لسلسلة من البعثات التبشيرية الى الحبشة ، والتى لم تقتصر على تنصير الوثنيين فحسب بل تعدت ذلك الى محاولة احلال المذهب الكاثوليكي محل المذهب القبطي (اليعقوبي)التابع للكنيسة الشرقية الأرثوذكسية ،
والتمهيد لسيادة البرتغال فى المنطقة[5].
ويرتبط بالعامل الدينى – الحركات الدينية التى شهدتها أوربا أثر النهضة الأوربية ،فقد أدت حركة الاصلاح الدينى والدعوة لتخليص المسيحية من الشوائب التى ارتبطت بالكنيسة ورجال الدين فى العصور السالفة – الى تحطيم الوحدة الدينية لأوربا ، وظهرت مذاهب دينية كالبروتستانتية ، وقامت نتيجة لذلك مذابح دينية وحروب فى أوربا أدت الى هجرة الكثيريين من بلادهم – لكن لم تلبث موجة الصراع والنشاط الديني أن اتجهت الى ناحية التنصير بين القبائل التى كانت تسود فيها الوثنية فى المستعمرات الجديدة .
_____________________________
[1] مصطفى خالدي و عمر فروخ ، التبشير والاستعمار،ص 45،38،34

[2] محمد بهاء الدين متولي،المرجع السابق ص80

[3] عبد الرزاق عبد المجيد ألارو، التنصير فى أفريقيا ، ص8

[4] شوقي الجمل وعبدالله عبد الرازق ابراهيم ،تاريخ أفريقيا الحديث والمعاصر ،ص48

[5] امال ابراهيم محمد ،الصراع الدولي حول البحر الاحمر،ص32،31