ثالثاً: أهم البعثات والجمعيات التنصيرية فى أفريقيا:-
أتجه نشاط الجمعيات التنصيرية بصفة خاصة الى أفريقيا بعد الكشوف الجغرافية التى بدأت تُلقي الأضواء على داخل القارة[1] .
وقد كان النشاط التنصيري مقصوراً الى حد كبير على جهود رجال الكنيسة البرتغاليين والاسبان فى القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي ،
ثم تدهور هذا النشاط فى القرن الثامن عشر الميلادي مع تدهور الدولتين الايبيريتين . وقد حاول البابا ان يركز النشاط التبشيري عام 1632م فى روما وحدها ،
وذلك بأنشاء المجمع المقدس للتنصير , ولكن نظراً لأن مصالح كل من اسبانيا والبرتغال كانت تتعارض مع قوانين الكنيسة ،
ولأن هذه المصالح كانت أسبق من اى تفكير كنسي للتنصير بقرنين على الاقل [2].
وقد كان المبشرون يسيرون عادة فى ركاب المستكشفين ، وأن كانت بعض البعثات التنصيرية قد كشفت النقاب عن مناطق لم تكن معروفة للأوربيين ،
ونذكر فى هذا المجال جهود[3] دافيد لفنجستون ((Livingstone الذي أُعد ليكون منصراً منذ سنواته الاولى حيث كان لفنجستون* يعمل فى جمعية
التنصير اللندنية the London missionary.ومهمتها الاساسية دراسة مشاكل التنصير فى أفريقيا الاستوائية والعمل بين صفوف الأفارقة الوثنيين البدائيين [4] .
وقد وجه نظره للعمل فى جنوب أفريقيا الدكتور موفات (Moffat)
وفي شرق أفريقيا كان للبعثات التنصيرية الكاثوليكية نشاطها الملحوظ ، ونذكر بالذات جهود الأب سابيتو (Sapeto)
وهو من أشهر رجال التنصير الأيطاليين ، وقد دخل فيما بعد فى خدمة شركة روباينو* الايطالية للملاحة [5].
وفي أنجلترا قامت طائفة المعمدين بتأسيس جمعية التنصير عام 1792م ، وهدفها التنصير بالمسيحية فى الهند أولاً ،
وتلا ذلك أنشاء جمعية لندن للتنصير على يد جماعة الموحدين ، وحددت لها المحيط الهادي وجنوب افريقية ميداناً لنشاطها
ووجدت الكنيسة الانجيلية مجالاً لنشاطها التنصيري فى جمعية نشر الانجيل التى كانت تهتم بالمهاجرين عبر البحار ،
كما أسست جمعيات تنصيرية فى العالم غير المسيحي خصوصاً فى جنوب افريقية ، ويضاف الى هذا تأسيس جمعية التنصير الكنسية تحت أشراف الكنيسة الانجيلية ،
وهذه الاخيرة قامت بأعمال هامة فى شرق افريقية وغربها .
وقد شهد القرن التاسع عشر تأسيس جمعيات تنصيرية بروتستانتية عديدة [6] ،
وأهمها بالنسبة لأفريقيا البعثات الميثودية التنصيرية فى سيراليون التى لعبت دور هام فى تاريخ الجزء الجنوبي من غرب افريقيا،
وكذلك بعثات الكنيسة الرومانية الكاثوليكية مابين 1840م الى 1880م ومع ذلك فقد كانت هذه البعثات والانشطة التنصيرية لاستكشاف القارة وتثبيت النفوذ الاوربي
*فى النصف الاول من القرن التاسع عشر[7] ،
وجمعية بال بأرسالياتها فى غرب افريقيا ،
وجمعية برلين بأرسالياتها فى فى جنوب افريقيا ،ثم فى شرق افريقية وارساليات الجامعات ،
وجمعية انجيلية تالية وميدانها وسط شرق افريقية وارساليات البرسبيتارية الاسكتلندية فى جنوب افريقية وغربها وشرقها.
وكان أهم عمل تنصيري للكنيسة الكاثوليكية فى أفريقية هو اعادة أنشاء مجمع الروح القدس عام 1848م ،
وكان مجال نشاط اعضائه فى غرب أفريقية وفى الجابون والكونغو الاسفل وجنوب غرب افريقية والمناطق الساحلية فى شرق افريقية.
ثم أنشأ الفرنسيون أيضاً جمعية سيدة افريقية عام 1868م ، وتعرف هذه الجمعية بجمعية الاباء البيض وكان مركز هؤلاء الجزائر ,
ومنها أخذوا على عاتقهم نشر الارساليات فى جميع انحاء القارة , وسطها وغربها حتى البحيرات العظمى ،
ومن اوغندة شمالاً حتى روديسيا الشمالية جنوباً وقد اخذت هذه الجمعية الارسالية _ من رجال ونساء _ صبغة دولية
وضمت اليها الفرق الكاثوليكية المختلفة , البدكنت ، والفرنسسكان ، والدومنكان ، والجزويت كما ضمت اليها جمعيات احدث مثل جمعية القول القدس ومل هل والقديس يوسف[8].
وفيما يلى أذكر شيئا من تواريخ حلول أول بعثة تنصيرية فى بعض الاقطارالافريقية : -
1- نيجيريا : عام 1472م ، حيث نزل منصرون برتغاليون كاثوليك بمدينتى واري وبنين شرقي البلاد وبنوا فيها مدارس وكنائس .
أما دخول أول بعثة تنصيرية بروتستانتية فكان في عام 1841م حيث نزل المنصرون الانجليز بمدينة بداغري جنوبي البلاد.
2- سيراليون : عام 1804م ، والارسالية بريطانية بروتستانتية.
3- الكونغو : عام 1804 ، والارسالية بروتستانتية
4- كينيا : فى عام 1840م أذنت الحكومة الانجليزية لمُنصر الماني بتأسيس فرع لجمعية التنصير الكنسي فى مدينة ممباسة .
ثم فى عام 1860م حلت بمدينة بوجا مايو الساحلية اول بعثة تنصيرية كاثوليكية .
5- السودان : عام 1846م ، ارسالية بقيادة القسيس أورفالدر[9].
6- أوغندة : عام 1876م ، والارسالية بروتستانتية . وذلك عندما صرح (ميتسه ) ملك هذه البلاد بارتياحه الى اقتباس التربية
الاوربية فتم ارسال هذه البعثة البروتستانتية[10] .
ولم يكن النشاط التنصيري موضع اهتمام الاوربيين بشكل عام خلال تلك المرحلة على المستويين الشعبي والرسمي . ولا غرابة فى ذلك ،
اذ ان هدفهم كان استنزاف موارد القارة بالاساليب التجارية وعن طريق التجارة الدولية التى كانوا يسيطرون عليها ،
ولم يتطلب هذا منهم الاهتمام الجدي بنشر المسيحية وربط المجتمع الافريقي بالحضارة والثقافة الغربية.
_____________________________________
[1] شوقي الجمل وعبدالله عبد الرازق ابراهيم ،المرجع السابق ، ص49
[2] رولاند اوليفر وجون فيج ، موجز تاريخ أفريقية ، ترجمة دولت أحمد صادق،ص151
[3] شوقي الجمل وعبدالله عبد الرازق ابراهيم ،المرجع السابق ، ص50،49
* نشر دايفيد ليفنجستون نتائج رحلاته تحت عنوان ((أسفار مبشر وبحوثه))
[4] عبد العزيز الكحلوت ،التنصير والاستعمار فى أفريقيا السوداء، ص78
* وهي الشركة التى لعبت الدور الاول فى الاستعمار الايطالي فى شرق القارة الافريقية
[5] شوقي الجمل وعبدالله عبد الرازق ابراهيم ،المرجع السابق ، ص50
[6] رولاند اوليفر وجون فيج ، المرجع السابق ، ص150
* حيث يرى رولاند اوليفر ان هذا من وجهة نظر التاريخ الافريقي
[7] Africa since 1800, p69,70 Roland Oliver & Anthony Atmore,
[8] رولاند اوليفر وجون فيج ، المرجع السابق ، ص 151
[9] عبد الرزاق عبد المجيد ألارو، المرجع السابق، ص 33،32
[10] أ.لُ شاتليه ، الغارة على العالم الاسلامي ،ص76
المفضلات