كان ذلك فى غزوة تبوك سنه تسع من الهجره وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتهييؤ لملاقاة الروم الذى شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به .
وكانت الايام التى دعى فيها للناس أيام الجهاد أيام عسر وقيظ ... وكانت الشقة بعيدة والعدو مخيف .. ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين تعللوا بشتى المعاذير .
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه .. وكلما أمعنوا فى السير ازدادوا جهدا ومشقة فجعل الرجل يتخلف ويقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول : دعوه .. فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم .. وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ..!!
وتلفت القوم ذات مره فلم يجدوا أبا ذر .. وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره ..
وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم مقولته الاولى ..
كان بعير أبى ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه .. وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد ولكن الاعياء كان يلقى ثقله على البعير ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الاثر فنزل من فوق ظهر البعير وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه مهرولا وسط صحراء ملتهبه حتى يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه .
وفى الغداة وقد وضع المسلمين رحالهم ليستريحوا بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار وراءها شبح رجل يغذ السير وقال الذى رأى :
يا رسول الله هذا رجل يمشى على الطريق وحده ..
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( كن أبا ذر .. )
وعادوا لما كانوا فيه من حديث ريثما يقطع القادم المسافه التى تفصله عنهم وعندها يعرفون من هو ..
وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا . يقتلع خطاه من الرمل المتلظى اقتلاعا وحمله فوق ظهره بتؤده .. ولكنه مغتبط فرخان لانه ادرك القافله المباركه ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين ..
وحين بلغ أول القافله صاح صائحهم : يا رسول الله : انه والله أبا ذر
وسار أبو ذر صوب الرسول صلى الله عليه وسلم ..
ولم يكد صلى الله عليه وسلم ويراه حتى تألقت وجهه ابتسامه حانية واسية , وقال :
( يرحم الله أبا ذر ... يمشى وحده ... ويموت وحده ... ويبعث وحده )
وبعد مضى عشرين عاما على هذا اليوم مات اوذر وحيدا فى فلاة الربذة .. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه .. ولقد بعث فى التاريخ وحيدا فى عظمة زهده وبطولة صموده
ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك , لأن زحام فضائله المتعدده لن تترك بجانبه مكانا لأحد سواه ....
المفضلات