أولاً:- حكومة النحاس الثالثة:-
حين توفى الملك فؤاد الاول28 ابريل 1936 كان ابنه الامير فاروق فى لندن حيث كان يواصل دراسته ,
وقد نودي به ملكاً فى نفس اليوم , ولم يكد يتجاوز عامه السادس عشر (فقد ولد فى 11 فبراير 1920)
ولذلك كان من الضروري أنشاء مجلس للوصاية وفى يوم 8 مايو عين البرلمان اعضاء هذا المجلس[1].
ولما كانت الانتخابات قد اسفرت عن فوز حزب الوفد بالاغلبية , فقد قدم على ماهر باشا استقالة وزارته وعهد الى مصطفى النحاس باشا بتأليف الوزارة[2] ،
وبالفعل ألف النحاس وزارته الثالثة فى 9 مايو 1936 .
وقد كان الوفد المصري فى تلك الفترة فى قمة قوته وسلطته وكان هو المسيطر على كل الامور الداخلية
حيث كان مجلس وصاية الملك فاروق _المؤلف من الامير محمد على توفيق (رئيساً لمجلس الوصاية)
وعزيز باشا وشريف صبري باشا_ كان ضعيفا امام الوفد حيث كان اعضاء المجلس مدينين بأختيارهم فى مناصبهم للوفد المصري[3] .
ومن ثم سارت الامور فى مصر بالتوالي :-
اجراء انتخابات لمجلسي النواب والشيوخ فى المدة من 2 الى 7 مايوفى ظل وزارة على ماهر المحايدة ,
واجتمع البرلمان فى 8 مايو ليستمع الى بيان الحكومة بوفاة الملك فؤاد وارتقاء فاروق عرش مصر ,
وتم تعيين مجلس الوصاية على العرش ,
وفى يوم 9 مايو قدم على ماهر استقالته من الوزارة الى مجلس الوصايا ليتولى مصطفى النحاس تشكيل الوزارة باعتبار فوز حزب الوفد باغلبية كبيرة فى انتخابات البرلمان[4].
وكان تغيير الملك ومجئ شاب صغير خلفاً له بارقة امل فى بدء عصر ازدهار،
وكان لتولي الوفد شؤن الحكم يعنى ان الاغلبية البرلمانية هى التى ستحكم البلاد .
ولكن هذه الامال خابت . مادام الملك طفلا لم تكتمل شخصيته بعد ,
ومدام النحاس قد اصر فى خطاب تشكيل وزارته على ان هدفه هو ابرام معاهدة مودة وتحالف مع بريطانيا "الصديقة" ،
كان لهذه الالفاظ التى تصف دولة مغتصبة بالصداقة أكبر دلالة على الاتجاه التى ستسير فيه المفاوضات ,
والتى ستحكم فيه البلاد باسم دكتاتورية الاغلبية البرلمانية , مع ما يتبع ذلك من مأسي[5].
من الممكن القول ان من الاسباب التى دفعت النحاس الى الدخول فى المفاوضات من اجل توقيع معاهدة 1936
ان النحاس كان يخشى من تكرار تجربة الحرب العالمية الاولى مرة ثانية ,
ولكنه ايضا كان يخشى من موضوع اخر وهو احتمال قيام تحالف بين خصومه السياسيين وايطاليا ,
ويبدو ان بعض الجماعات السياسية ـ مثل حزب مصر الفتاة – قد بدأت تنظر الى ايطاليا كمصدر للدعم.
وكان خطر هذه الجماعات ليس ناشئا من قوتها الذاتية فقط ،
ولكن من الدعم والتأييد اللذين من الممكن الحصول عليهما من القصر وايطاليا على حساب كل من الوفد وبريطانيا ،
لذا فانه من الممكن القول بان الخطر الجارى لم يكن هو الدافع الوحيد للنحاس للمضي قدما من اجل توقيع اتفاقية مع بريطانيا ،
رغم ان هذا الخطر المحتمل لم يكن ظاهرا للعيان فى ذلك العام ,
الا ان النحاس فى عام 1942م وجه الاتهام الى جماعة مصر الفتاة بالاتصال المباشر بايطاليا
مما يعنى ان هذا الاتهام قد وجد شكوكا على الاقل مع بداية نذر الحرب فى عام 1936,
خاصة مع وجود تاريخ من الخصومات والعداء بين تلك الجماعات والوفد , بالاضافة الى القصر طبعا ,
كما ان التعاون بين بعض العناصر او الشخصيات مثل اسماعيل صدقى وعلى ماهر ،لم يكن احتمالا بعيدا حتى فى ذلك الوقت .
وكان السبب الاخر لعقد المحالفة هو تكريس حالف مع بريطانيا على حساب القصر كما ظهر بعد ذلك.
____________________________________
[1] مارسيل كولومب ،تطور مصر 1924-195., ترجمة زهير الشايب ، ص1.4,1.3
[2] شوقي الجمل ،عبد الله عبد الرازق ابراهيم،تاريخ مصر المعاصر،ص51
[3] صبري ابو المجد ، سنوات ما قبل الثورة 193. -1952 ج4،ص3.
[4] رأفت غنيمى الشيخ ،مصر والسودان فى العلاقات الدولية,ص314
[6] علاء الحديدي،مصطفى النحاس دراسة فى الزعامة السياسية المصرية ،ص168
يتبع,,,
المفضلات