القِسْم الثَّالث: التَّرجيح بكيفية الرِّواية, وذلك بوجُوه.
أحدها: تقديم المَحْكي بلفظه, على المَحْكي بمعناه, والمُشْكُوك فيه, على ما عرف أنَّه مَرْوي بالمَعْنَى.
ثانيها: ما ذُكر فيه سبب ورُوده, على ما لَمْ يَذْكر فيه, لدلالته على اهتمام الرَّاوي به, حيث عرف سببه.
ثالثها: أن لا يُنكره راويه, ولا يتردَّد فيه.
رابعها إلى عاشرها: أن تَكُون ألفاظه دالة على الاتِّصال, كحدَّثنا, وسمعتُ, أو اتُّفِق على رفْعهِ, أو وصله, أو لم يُختلف في إسناده, أو لم يضطرب لفظه, أو رُوي بالإسناد, وعُزي ذلك لكتاب معروف, أو عزيز, والآخر مشهور.
القسم الرَّابع: التَّرجيح بوقت الورود, وذلك بوجوه:
أحدها وثانيها: بتقديم المدني على المَكِّي, والدال على عُلو شأن المُصطفَى -  - على الدَّال على الضَّعف: كـ: « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ »، ثمَّ شهرته, فيكون الدَّال على العلو متأخِّرًا.
ثالثها: ترجيح المُتضمِّن للتَّخفيف, لدلالته على التأخُّر, لأنَّه -  - كان يغلظ في أوَّل أمره, زجرًا عن عادات الجَاهلية, ثمَّ مال للتخفيف .
رابعها: تَرْجيح ما تحمَّل بعد الإسْلام, على ما تحمَّل قبله, أو شكَّ لأنَّه أظهر تأخرًا.
خامسهَا وسَادسها: تَرْجيح غير المُؤرخ, على المُؤرخ بتاريخ مُتقدِّم, وترجيح المُؤرخ بمُقَارب بوفَاته -  - , على غير المؤرخ.
القِسْمُ الخامس: التَّرجيح بلفظِ الخبر, وذلك بوجوه :
أحدها إلى الخامس والثلاثين: تَرْجيح الخاص على العام, والعام الَّذي لم يُخصص على المُخصَّص, لضعف دلالته بعد التخصيص, على باقي أفْرَاده, والمُطْلق على ما ورد على سبب, والحقيقة على المَجَاز, والمَجَاز المُشبِه للحقيقة على غيره, والشَّرعية على غيرها, والعُرفية على اللُّغوية, والمستغنى على الإضمار, وما يقلُّ فيه اللَّبس, وما اتُّفق على وضعه لمُسمَّاه, والمُومي للعلَّة والمَنْطُوق, ومفهوم المُوافقة على المُخَالفة, والمَنْصُوص على حُكمه مع تشبيهه بمحل آخر, والمُسْتفاد عُمومه من الشَّرط, والجزاء على النكرة المنفية, أو من الجمع المعرف على مَنْ وما, أو من الكلِّ, وذلك من الجنس المعرَّف, وما خطابه تكليفي على الوضعي, وما حُكمه معقول المعنى, وما قدم فيه ذكر العِلَّة, أو دلَّ الاشْتقاق على حُكمه, والمقارن للتهديد, وما تهديده أشد, والمُؤكد بالتكرار, والفصيح, وما بلغة قريش, وما دل على المعنى المُراد بوجهين فأكثر, وبغير واسطة, وما ذكر معه مُعَارضة, كـ: « إِنِّى كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِى فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِى سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا ».
القِسْمُ السَّادس: التَّرجيح بالحُكم, وذلك بوجوه:
أحدها: تقديم النَّاقل على البراءة الأصلية على المقرر لها, وقيلَ: عكسه.
ثانيها: تقديم الدَّال على التَّحريم, على الدَّال على الإبَاحة والوجُوب.
ثالثها: تقديم الأحْوط .
رابعها: تقديم الدَّال على نفي الحد .
القِسْمُ السَّابع: التَّرجيحُ بأمر خارجي:
كتقديم ما وافقه ظاهر القُرآن, أو سُنة أخرى, أو ما قبل الشَّرع, أو القياس, أو عمل الأُمة, أو الخُلفاء الرَّاشدين, أو معه مُرْسل آخر, أو مُنقطع, أو لم يشعر بنوع قدح في الصَّحابة, أو له نظير مُتَّفق على حُكْمه, أو اتَّفق على إخراجه الشَّيْخان.
ناسِخُ الحَديثِ وَمَنسوخُه:
1- تعريفُ النسخِ:
أ) لغة: له معنيان : الإزالة . ومنه نَسَخَتِ الشمسُ الظلَّ. أي إزالته والنقل، ومنه نسختً الكتابَ، إذا نقلتُ ما فيه، فكأنَّ الناسخ قد أزال المنسوخ أو نقله إلى حكم آخر.
ب) اصطلاحاً: النَّسْخُ : رفْعُ تعلُّقِ حُكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ شرعيٍّ متأَخِّرٍ عنهُ .
والنَّاسخُ : ما يدلُّ على الرَّفعِ المذكورِ .
وتسميتُهُ ناسِخاً مجازٌ ؛ لأنَّ النَّاسخَ في الحقيقةِ هو اللهُ تعالى .
2- أهميته:
" [وهو فنُّ مُهم] فقد مرَّ على عليٍّ قاصٌّ, فقال: تعرفُ النَّاسخ من المنسوخ؟ فقال: لا, فقال هلكتَ وأهلكتَ. أسنده الحازمي في كتابه .
3- بم يُعْرَفُ الناسخ من المنسوخ ؟
يعرفُ ناسخ الحديث من منسوخه بأحد هذه الأمور :
بتصريح رسول الله : كحديث بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  :" نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِىِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِى سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا" .
بقول الصحابيِّ : فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - - تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. أخرجه النسائي .
بمعرفةِ التاريخِ : فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ - - قَالَ :« أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ». " ذكر الشَّافعي أنَّه مَنْسُوخ بحديث ابن عبَّاس قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - - وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ ، فإنَّ ابن عبَّاس إنَّما صحبهُ مُحرمًا في حجَّة الوداع سَنَة عَشْر, وفي بعض طُرق حديث شدَّاد أنَّ ذلك كان زمن الفَتْح سَنَة ثمان.
بدلالةِ الإجماعِ : كحديث مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - - « مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ ». رواه الترمذى برقم (1515 ) وقَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ هَكَذَا رَوَى الثَّوْرِىُّ أَيْضًا عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِىِّ - -. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - -. قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ حَدِيثُ أَبِى صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِىِّ - - فِى هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - -. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِى أَوَّلِ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - - قَالَ :« إِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ ». قَالَ ثُمَّ أُتِىَ النَّبِىُّ - - بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ. وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِىُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنِ النَّبِىِّ - - نَحْوَ هَذَا. قَالَ فَرُفِعَ الْقَتْلُ وَكَانَتْ رُخْصَةً. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفًا فِى ذَلِكَ فِى الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَمِمَّا يُقَوِّى هَذَا مَا رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - - مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِى وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ » .
4- حكمة النسخ:
للنسخ فوائد جمّة لكن من أظهرها فائدتان:
الأولى- رعاية الأصلح للمكلفين تفضُّلاً من الله تعالى لا وجوباً عليه. فمصالح الناس التي هي المقصود الأصلي من تشريع الأحكام تختلف باختلاف الأحوال والأزمان.
الثانية- امتحان المكلفين بامتثالهم الأوامر واجتنابهم النواهي وتكرار الاختبار خصوصاً في أمرهم بما كانوا منهيين عنه ونهيهم عما كانوا مأمورين به، فالانقياد في حالة التغيير أدل على الإذعان والطاعة.
5- الفرق بين النسخ والتخصيص:
النسخ رفع للحكم بالكلية والتخصيص قصر للحكم على بعض أفراده. فهو رفع جزئي.
الخبرُ المردودُ وأسباب ردِّه
تعريفُه:
هو الذي لم يَتَرَجَّحْ صِدْقُ المُخْبِرِ به. وذلك بفقد شرط أو أكثر من شروط القبول التي مرت بنا في بحث الصحيح.
أقسامُه وأسبابُّ ردِّه :
لقد قسم العلماء الخبر المردود إلى أقسام كثيرة زاد على الأربعين نوعاً، وأطلقوا على كثير من تلك الأقسام أسماء خاصة بها ، ومنها ما لم يطلقوا عليها اسما خاصاً بها بل سموها باسم عام هو " الضعيف " .
أمَّا أسبابُ رد الحديث فكثيرة، لكنها ترجع بالجملة إلى أحد سببين رئيسيين هما:
سَقْطُ من الإسناد .
طعنٌ في الراوي .
وتحت كلٍّ من هذين السببين أنواعٌ متعددة ...
أولاً- تعريفُ الحديث الضعيف:
هو ما فقد شرطا من شروط الحديث المقبول وهي ستة:
1 -العدالة: أي الصدق والتقوى والالتزام الظاهر بأحكام الإسلام.
2 -الضبط: هو الدقة في الحفظ والإتقان ثم الاستحضار عند الأداء .
3 -الاتصال: أي كل واحد من الرواة قد تلقاه من رواة الحديث حتى النهاية دون إرسال أو انقطاع.
4- عدم الشذوذ: وهو مخالفة الراوي الثقة لمن هو أثق منه .
5- عدم وجود العلة القادحة: أي سلامة الحديث من وصف خفي قادح في صحة الحديث والظاهر السلامة منه .
6 - العاضدُ عند الاحتياج إليه .
ثانياً- أقسامُ الضعيف :
هو على ثلاثةُ أنواع رئيسةٍ:
أ - الضعيف ضعفا يسيراً،وهو أنواع كثيرة منها:
1- سوءُ الحفظ،مثل سليمان بن قرم،و محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري .
2_ الاختلاطُ،مثل: بحر بن مرار وحبان بن يسار الكلابي وحجاج بن محمد المصيصي الأعور .
يتبع