 |
-
رقم العضوية : 4701
تاريخ التسجيل : 31 - 7 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : أنثى
المشاركات : 744
- شكراً و أعجبني للمشاركة

- شكراً
- مرة 0
- مشكور
- مرة 0
- اعجبه
- مرة 0
- مُعجبه
- مرة 0
التقييم : 11
البلد : مصر بعد 25 يناير
الاهتمام : الانترنت
معدل تقييم المستوى
: 15

شبهات مُغرضة حول القرآن:
الشبهة السادسة و العشرون (26):
- تقولون إن القرآن أنزل من عند الله, لأنه تحدى العرب البارعين فى اللغة, أليس من المحتمل أن يكون محمد شاعراً موهوباً كمن سبقه من الشعراء, كالنابغة, والزهير, وغيرهما؟
الرد:
- لقد أجمع علماء النفس والاجتماع والسلوكيات, وسائر العلوم الإنسانية, أن الموهبة لا يمكن بحال من الأحوال أن تتأخر إلى سن الأربعين, فلابد أن تنضح على صاحبها منذ الصغر, كما نشاهد طفلاً عنده حب الزعامة, يقوم بتقسيم زملائه إلى فريقين ليلعبوا بالكرة, ويختار أفراد كِلا الفريقين, وحارس المرمى, وكذا وكذا.. وهم يطيعونه, وليس شرطاً أن يكون أكبرهم سناً, أو أقواهم, أو أذكاهم, ولكن شخصيته قيادية. أو نجد طفلاً محباً للمصارعة والكاراتيه, فيصارع أصدقاءه, ويلعب معهم الكاراتيه, حتى أنه يحاول ضرب إخوته الكبار بالطريقة نفسها. ونجد طفلة تتقمص شخصية المدَرِّسة, وتعطى أوامر لصديقاتها, وتضرب التى لا تطيعها. أو طفلاً عنده حب القرآن أو الخطابة, فتراه يقلد المشايخ, ويسجل صوته, أو يضع أمامه ميكروفوناً, ليقلد شيخ المسجد وهو يخطب. أو طفلاً محباً للرسم, أو الزخرفة, أو الاختراعات... إلخ. وكلما ازدادوا فى العمر, ازداد إتقانهم لما يحبونه, والموهبة لابد أن تُصقَل, وتخضع للتجربة والخطأ, والرسول – صلى الله عليه وسلم - لم يُعلَم عنه أنه قال شعراً قط, ولا مدح أحداً, ولا هَجَا أحداً, ولكنه كان يُعرَف بالرجل الْمُتَحَنِّف, أى المائل عن الشرك إلى التوحيد (كان هناك بقية قليلة من الموحدين أتباع سيدنا إبراهيم, على نبينا وعليه الصلاة والسلام) وكان المشركون يقولون إن محمداً قد عشق ربه, ويتعجبون لماذا يترك عبادة الأوثان, ويترك متاع الدنيا, وهم غارقون فيه, ولماذا يترك زوجته الجميلة الغنية وأولاده, وينقطع فى غار حِراء للتفكر فى خلق الله.
ربما يُقال إن موهبة الشعر كانت عنده منذ الصغر, ولكنه لم يظهرها إلا بعد سن الأربعين, فهل كان يضمن أن يعيش لسن الأربعين؟ كما أن الشاعر لا يستطيع أن يصبر على نفسه, ويكتم موهبته, أمام ما يلاقيه من الأحداث, والرسول – صلى الله عليه وسلم - وُلِدَ يتيماً, فلم يَرَ أباه, وماتت أمه وهو ابن ست سنين, ومات جده وهو ابن ثمان سنين, وعاش مع عمه الفقير, ورعى الغنم وهو صغير, أمَعَ كل هذه الأحداث يستطيع شاعر أن يصبر على نفسه؟ ويكفى فى الرد على هذه الفِريَة قول الله عز وجل: {قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُون} [يونس:16] وقوله: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] ولنا سؤال: هل هناك دجال يرفض الكمال؟ فإن القرآن كمال, فكيف لا ينسبه إليه, إلا إذا كان رسولاً صادقاً, وخاصة أنه أعجز الفصحاء والبُلغاء من أبناء عصره, وكان يمكنه أن يتفاخر عليهم. إننا نجد الكثير ممن يقتبس الرسالات مثل رسالات الماجستير والدكتوراه والمقالات والمؤلفات من غيره, وينسبها لنفسه, لينال بها شهادة, أو منصباً, أو غيره. ولو كان الرسول – صلى الله عليه وسلم - هو الذى ألَّف القرآن, فلِمَ لم يُطِع المشركين, ويغير بعض آياته, ليكسب وُدَّهم, أو ليغدقوا عليه الأموال؟ ولِمَ لم يرفع ذِكرَ أهله, ويتفاخر بهم, كما كان يفعل الشعراء من قبله, وقد كانت قبيلته أشرف القبائل؟ ولِمَ ذكر الآيات التى تعاتبه, مثل ما ورد فى سورة (عبس) وغيرها؟ ولِمَ لم يحل مشكلة حادثة الإفك بين يوم وليلة؟ وما الذى جعله ينتظر شهراً كاملاً فى هذه المحنة, بسبب ما قيل عن زوجته الشريفة العفيفة, رضى الله عنها؟ إن الرسول –صلى الله عليه وسلم - لم يتكلف شيئاً من عنده, ولم يغير, ولم يبدل {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:15] ثم إن القرآن ليس شعراً, فإنه لا يخضع لقوافى الشعر وبُحُوره, كما أن الشعراء لهم أحوال نفسية متقلبة كسائر البشر, ويظهر ذلك فى شعرهم, فتراه متناقضاً حسب أحوالهم ومصالحهم, أما القرآن الكريم فليس به أى تناقض {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد} [فصلت:42] {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء:82] فأى كاتب أو أديب أو شاعر تجد مؤلفاته بها اختلافات كثيرة, حسب حالته النفسية, أو أهوائه, أو مصالحه, وغالباً لا تجد الشعراء إلا مبالغين فى أقوالهم, غير ملتزمين الصدق فى أشعارهم, كما قيل عن الشعر: (إن أعْذَبَه أكْذَبُه) يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ{224} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ{225} وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ{226} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:224-227] والعرب كانوا أعلم الناس بالشعر, ولهم قصائد ومُعلَّقات تُدَرَّسُ إلى يومنا هذا, ولم يقولوا عن القرآن إنه شعر إلا جحوداً وصدّاً عن سبيل الله, كما روى ابن جرير عن عكرمة, أن الوليد بن المغيرة قال لأبى جهل (حين طلب منه أن يقول فى القرآن قولاً منكراً): فماذا أقول فيه, فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار منى, ولا أعلم برَجَزِه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن, والله ما يشبه الذى يقول شيئاً من هذا, والله إن لقوله لحلاوة, وإنه ليحطم ما تحته, وإنه لَيَعْلُو وما يُعلَى عليه (بقية القصة يُرجَع إليها فى تفسير سورة المدثر) ومعروف أن لكل صاحب قلم أسلوباً خاصاً, كالشعراء والأدباء والكتّاب والصحفيين, لدرجة أنك لو قرأت كتاباً أو مقالاً أو شعراً, لحكمت عليه بأنه أسلوب فلان, وكأنه بَصمته, أمّا الرسول - فقد جاء بثلاثة أساليب: القرآن, والحديث النبوى, والحديث القدسى, وكل أسلوب مختلف عن الآخر, أمّا لو أن أحداً من الكتاب أو غيرهم حاول تغيير أسلوبه, فبعد فترة تجد أن الأساليب توحدت فى أسلوب واحد, وكأنك وضعت عدة ألوان مع بعضها, فتكون النتيجة أنها أصبحت لوناً جديداً واحداً.
ثم لو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد من تلقاء نفسه أن يصحح ما كان عليه قومه من عبادة أصنام لا تنفع ولا تضر, وهو يرى بفطرته أن خالق هذا الكون أعظم من هذا بكثير, أليس كان أول خطاب يوجهه لهم: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً؟ وهل يوجد إنسان له فكر متحضر عن قومه, يريد تغيير ما هم عليه.. ثم يكون أول ما يبدأ به قول: {اقْرَأْ} وهو أصلاً لا يقرأ؟ ولو أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - ألّفه - كما يقولون - لنسىَ بعضه, كما يُقال: إن كنت كذوباً فكن ذكوراً, وكالمثل الذى يقول: (الكذب مالوش رجلين) أى أن الذى يكذب ينسى ما قاله بعد فترة, ويقول شيئاً غيره, فثبوته على قول واحد على مدار ثلاثة وعشرين عاماً يدل على صدقه. وهناك شىء آخر: إن أى واحد منا إذا خطب فى الناس, وقيل له أعِدْ ما قلته بالحرف الواحد, فلن يستطيع, ولو كان أكثر الناس ذكاءً, فلابد أن ينسى شيئاً, أو يزيد, أو ينقص. ونحن لابد أن نراجع القرآن باستمرار, وإلا- لتفلَّت منا, أما الرسول – صلى الله عليه وسلم - فكان يحفظه عن ظهر قلب, مع أنه لا يستطيع القراءة, إلا أنه كان يراجعه مع جبريل – عليه السلام - مرة واحدة فى رمضان من كل عام, إلا رمضان الأخير, فقد راجعه عليه مرتين. فعدم نسيان الرسول – صلى الله عليه وسلم - للقرآن يدل على أن هناك قوة قادرة تثبّته فى صدره حتى لا ينساه {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} [الأعلى:6] وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم - من حبه فى القرآن يخشى ألا يحفظه, فكان يردد خلف جبريل – عليه السلام - فنهاه الله عن ذلك فى قوله تبارك وتعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ{16} إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ{17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ{18} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه} [القيامة:16-19] إن الرسول – صلى الله عليه وسلم - ليس فقط لم يكن شاعراً, بل إنه كان لا يحفظ أى بيت من الشعر, حتى إنه أراد مرة أن يقول بيتاً من الشعر فأخطأ, فضحك أبو بكر- رضي الله عنه - وقال: سبحان الله! ثم قرأ قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَه} [يس:69], والله أعلم.
شبهات مُغرضة حول القرآن:
الشبهة السابعة و العشرون (27):
- أنتم تقولون إن نبيكم لم يؤلف القرآن, لأنه لم تظهر عليه موهبة الشعر منذ الصغر, أليس من المحتمل أن يكون قد تعلمه من غيره؟
الرد:
- إن الرسول – صلى الله عليه وسلم - معلوم عنه أنه كان أمِّيا, لا يعرف القراءة والكتابة, وبفرض أنه كان يعرف.. فلماذا لم يكتب كل شىء يتلقنه؟ فلم يكن فى مكة المكرمة غير المشركين, وعدد قليل جداً من النصارى, كأمثال ورقة بن نوفل - الذى أسلم فيما بعد – رضي الله عنه -، - فلو كان الرسول – صلى الله عليه وسلم - تعلم من النصارى, فلِمَ دعا إلى التوحيد, ولم يَدعُ إلى التثليث مثلهم؟ ولِمَ ذمَّهم, وحكم عليهم بالكفر {َّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم} [المائدة:17] أو على الأقل.. لماذا لم يوافقهم فى قضية صلب المسيح عليه السلام؟ أكان هذا يضر دعوته فى شىء؟ إن الذى يتعلم من أحد يخشى أن يخالفه فيما يمليه عليه, حتى لا يكُف عن تعليمه.. أليس كذلك؟ ربما يقول قائل: ربما خالفهم بعدما تعلم منهم, فنقول له: لو حدث هذا لفضحه معلمه ليثبت للناس كذبه, ولقال للناس: أنا الذى علمته, فهل قال هذا أحد؟ وهل لديكم أى دليل على ذلك؟ ربما يقول مُجادل: ليس شرطاً أن يكون قد تعلمه من النصارى, فربما تعلمه من اليهود, فنقول له: بفرض أنه كان يوجد بمكة يهود - مع أن هذا مخالف للتاريخ - فلِمَ لم يَسُب السيدة مريم مثلهم؟ ولِمَ ذمَّهُم فى آيات كثيرة؟
إن هذه الشبهة قديمة من أيام الرسول – صلى الله عليه وسلم - فقد اتهمه المشركون بأنه تعلم القرآن من رجل أعجمى من بلاد الروم, فرد الله عليهم بقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل:103] فكيف يُعَلِّم الأعجمى العربى؟ هل يصلح أن نأتى برجل أجنبى ليعلمنا اللغة العربية, والفصاحة والبلاغة, وهو لا يجيدها, بل يتكلم - كما نقول - كلام مكسر؟ وهل هذا يقوله عاقل؟ والذين يقولون إن القرآن من تأليف بحيرا الراهب, نسألهم: فلماذا لم ينسبه بحيرا لنفسه؟ ولماذا لم يواجهه يهود المدينة بهذا الأمر, ويفضحونه بين القبائل؟ وهل كان لبحيرا أن يذكر أسلافه من اليهود بسوء, كما ذكرهم القرآن؟, والله أعلم.
الشبهة الثامنة و العشرون (28):
- كيف تقولون إن القرآن لكل الناس, وإنه مُعجِز لهم, مع أن أغلبهم لا يعرفون اللغة العربية, ولا الفصاحة, ولا البلاغة؟
الرد:
- إن القرآن الكريم نزل على نبى عربى – صلى الله عليه وسلم - فى بيئة عربية, فكان لابد أن يكون معجزاً لأهل عصره, حتى يؤمنوا به, والإعجاز فى كل الديانات كان فى الجانب الذى تفوَّق فيه أهل ذلك العصر, مثل عصا موسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - واليد, وشَقّ البحر, وغيره, لأن قومه كانوا متفوقين فى السحر, فجاءهم بما لا يقدرون عليه. وكذلك سيدنا عيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - أرسل إلى قوم جُل تقدمهم وحضارتهم فى الطب, فجاء بما يعجزهم من إبراء الأكمه والأبرص, وإحياء الموتى بإذن الله. وهكذا كل رسول - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - كان يأتى بمعجزة حِسِّية من جنس ما تفوَّق فيه قومه, ليؤمن بها من شاهدها, لأن كل رسالة كانت للقوم الذين أرسل فيهم خاصة, وكانت المعجزة هى التى تؤيد منهج الرسالة, كناقة سيدنا صالح, وإنجاء سيدنا إبراهيم من النار - على نبينا وعليهما الصلاة والسلام - أما رسالة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - فهى رسالة عالمية, لأنها الرسالة الخاتمة, وهو الرسول الخاتم {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون} [سبأ:28] فكان لابد أن يأتى بمعجزة تصلح لكل زمان ومكان, لأنه لو أتى بمعجزة حِسِّية فقط, لكان الذى شاهدها هو الذى يؤمن بها, أما من جاء بعده فلا يلزمه الإيمان بها, فأين عصا موسى, وإبراء عيسى للأكمه والأبرص, وناقة صالح؟ إن كل هذه المعجزات أصبحت مجرد أخبار تتناقل عبر التاريخ, ولولا أن الله سبحانه وتعالى ذكرها فى كتابه الكريم لَمَا لزمنا تصديقها. أما سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - فمعجزته القرآن, وهو منهجه فى آن واحد, فالقرآن ليس معجزاً فى الفصاحة والبلاغة فحسب, بل إنه معجز فى منهجه الذى لا يضاهيه أى منهج فى أى رسالة, وها هى كتب اليهود والنصارى بين أيديهم, فلْيقارنوا بين منهجها وبين منهج القرآن الكريم, فمن مظاهر إعجازه فى المنهج على سبيل المثال لا الحصر:
أنه وازن بين الروح والمادة, فاليهود ماديُّون يصعب عليهم التصديق بالغيبيات, كما قال الله عنهم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] وكما صنعوا من الذهب {عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَار} ليعبدوه, والنصارى يميلون للتخيلات والروحانيات والغيبيات {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] أما الإسلام فهو دين الوسطية, فالقرآن يدعو إلى التفكر فى خلق الله, وحبه, وذكره, والشوق إلى الجنة, والخوف من النار, ويدعو أيضاً إلى عمارة الأرض, والسعى لطلب الرزق, والآيات فى كِلا الأمرين كثيرة ومعلومة.
القرآن حافظ على حياة الإنسان بتحريم الانتحار {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُم} [النساء:29] وتحريم كل ما هو ضار {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِث} [الأعراف:157] وتحريم الاعتداء على الناس بغير حق بأى صورة من الصور {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين} [البقرة:190] وشرع القصاص للحفاظ على الأرواح والأبدان {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} [البقرة:179] وحرم ظلم الناس لمجرد بغضهم {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ} [المائدة:2] {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا} [المائدة:8] وحافظ على العقل بتحريم الخمر, ويندرج تحت تحريمه تحريم كل مُسكِر ومُفتِّر (كما ورد فى سنن أبى داود ومُسنَد أحمد) وحافظ على الأموال بتشريع قطع يد السارق, وتحريم الربا والميسر والغُلول, وغير ذلك من أنواع الكسب المحرم {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيث} [المائدة:100] وأمر بأداء الأمانات إلى أهلها {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] لدرجة الاهتمام بكتابة الدَّين والإشهاد عليه, سواء كان صغيراً أو كبيراً {وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِه} [البقرة:282] وأمر بإخراج الزكاة للفقراء والمساكين, وغيرهم من المحتاجين, وحرم شهادة الزور, وأمر بقول الحق, ولو على النفس أوالوالدين والأقربين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء:135] وأمر بمكارم الأخلاق {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْي} [النحل:90] وأمر ببر الوالدين, وصلة الأرحام, والإحسان إلى اليتيم والفقير والمسكين, والجار والصاحب والمملوك, وابن السبيل والأسير {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36] {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:8] وحرم الاعتداء على الأعراض, بتحريم الزنى, وتحريم فعل قوم لوط, ووضع العقاب الرادع لمن يقترفهما, وتشريع الحجاب, وغض البصر, وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن} [الأعراف:33] لدرجة تحريم ترقيق صوت المرأة على مسمع من غير محارمها {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَض} [الأحزاب:32] وأمر بالإصلاح بين الناس {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] وأمر باحترامهم, وعدم تتبع عوراتهم, بتحريم السخرية, والهمز واللمز, والتنابز بالألقاب, وسوء الظن, والتجسس, والغيبة (كما ورد فى سورتى الْحُجُرات والْهُمَزَة) وحافظ على أسرار البيوت بتشريع الاستئذان قبل دخولها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَ} [النور:27] وأمر بالاستئذان فى الدخول على الأبوين داخل البيوت (سورة النور) وأمر بالعدل بين الناس, وإن كان الحق مع غير المسلم {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [النساء:58] (وهناك قصة تُظهر عدل الإسلام فى تَبْرِئَة الرجل اليهودى من السرقة التى نُسِبَت إليه على عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم - وردت فى سورة النساء فى الآيات من 105 إلى 113 فليرجع إلى تفسيرها من يشاء) وأمر بحفظ العهود مع الناس, ومع الدول الأخرى, طالما أنها عهود مبنية على غير معصية {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل:91] وتوعَّد من ينقض العهود لمجرد {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة} [النحل:92] أى أن تكون أمة أغنى من الأمة التى عاهدناها, أو أكثر منها نفعاً {وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:94] وحافظ على أرواح الْمُعاهَدِين من غير المسلمين, وفرض الدِّيَة على المسلم لو قتل الْمُعاهَد غير المسلم, ولو كان بغير قصد (راجع تفسير النَّسَفِى لقوله تعالى: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً} [النساء:92]) واهتم بصحة الإنسان, فأمَرَه بالأكل من الطيبات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً} [البقرة:168] وحرم عليه ما يضره, كالميتة والدم ولحم الخنزير, واهتم بجميع شئون الحياة الاجتماعية والأُسَرية, من أحكام زواج وطلاق وخُلْع, ونفقة ومهر, ورَضاع وميراث... إلخ. ولو تكلمنا عن الإعجاز فى المنهج لَمَا انتهينا, ولكن هذا ما تيسر فى هذه العُجالة.
ثم إن القرآن معجز لجميع الأجيال المتعاقبة إلى أن تقوم الساعة {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق} [فصلت:53] وسنذكر إن شاء الله بعضاً من إعجازه على سبيل المثال لا الحصر, فالقرآن الكريم عطاءاته لا تنتهى:
القرآن مزَّق حجاب النفس, كما قال عن اليهود: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة:142] فهذه الآية نزلت قبل أن يقولوا, وكان من الممكن ألا يقولوها ليكذّبوه, وخاصة أنهم حين يقولونها سيعلم الناس مَن المقصود بالسفهاء, فمثلاً: لو قلت لمجموعة من الناس: سيقول المجرم كذا, فهل سينطق أحد بما قلت؟ بالطبع لا.. لأنه سَيُعرَف أنه المجرم, وهذا يدل على أن القرآن الكريم منزل من عند رب العالمين, الذى قهرهم فلم يستطيعوا كتمان ما فى نفوسهم. والقرآن حكم على أبى لهب بأنه لن يؤمن أبداً, فقال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:1-3] فلو كان القرآن من عند غير الله لقال أبو لهب - ولو على سبيل التحدى - إن محمداً قد قال لكم إنى سأموت كافراً, وها أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.. فهل قالها؟ إنه لم ينطق بها فحسب, بل زاد فى عداوته للرسول . وآيات أخرى مزَّقت حجاب النفس, مثل: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة:8] {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} [التوبة:64] {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]
القرآن مزَّق حجاب الماضى, مثل: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [آل عمران:44] {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِين} [القصص:44] {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّك} [القصص:46] {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُون} [يوسف:102]
القرآن مزَّق حجاب المستقبل, مثل قوله: {غُلِبَتِ الرُّومُ{2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:2-3] ما الذى كان يدعو سيدنا محمداً – صلى الله عليه وسلم - للخوض فى الكلام عن معركة لم تأتِ بعد؟ أليس كان من الممكن أن ينهدم الدين بأكمله لو لم تحدث, أو حدثت وكانت النتيجة عكس ما قال؟ إن هذه الآية ليست إعجازاً بتمزيق حجاب المستقبل فحسب, وهو أن تغلب الرومُ الفرسَ, ولكن بها إعجازاً آخر أثبتته الأبحاث الحديثة فى قوله تعالى: {أَدْنَى الْأَرْضِ} وهو أن أكثر المناطق انخفاضاً على وجه الأرض هى منطقة البحر الميت التى حدثت عندها المعركة, فهى منخفضة عن مستوى سطح البحر بمقدار أربعمائة متر, وكانوا يفهمونها فى الماضى على أنها أقرب الأرض إلى مكة المكرمة, وكِلا المعنيين صحيح.
القرآن به من الإعجاز العلمى ما لا يتسع المجال لذِكره, ويُرجع إليه فى مصادره, ولكننا نكتفى بذكر بعضه, وبالله التوفيق:
أثبت العلم أنه لا توجد حياة على أى كوكب غير الأرض لعدم وجود الماء, وهذا ما ذكره الله عز وجل فى قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء:30]
أثبت العلم أن الأرض كروية, وقد قال الله عز وجل: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر:5] وقال: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} [ق:7] قال العلماء: إن كلمة {مَدَدْنَاهَا} تثبت أن الأرض كروية.. كيف؟ إن أى شكل هندسى مُجَسَّم, سواء كان مكعَّباً, أو متوازى مستطيلات, أو غير ذلك, لابد أن تكون له حافّات, فلو أن الأرض على أى شكل غير الكروى, لكانت لها حافّات تتهاوى بعدها الأجساد.
: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} [النساء:56] أثبت العلم الحديث أن أطراف الأعصاب فى الجلد, وبعد اختراق الجلد لا يشعر الإنسان بالألم - وخصوصاً الحرارة والبرودة - والدليل على ذلك أن الذى يأخذ حقنة لا يشعر إلا بألم دخولها فى جلده, وكثيراً من العمليات لا يشعر الإنسان بعدها إلا بألم الخياطة التى تكون فى الجلد, ولا أقول إن الإحساس منعدم نهائياً فى الأعضاء الداخلية, ولكنه أقل بكثير.
: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى{37} ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى{38} فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} [القيامة:37-39] وقد أثبت العلم أن الحيوان المنوى هو الذى يحدد جنس الجنين - بإذن الله - ذكراً كان أم أنثى.
القرآن تحدى بخَلْق الحياة والموت, أما الحياة فهناك آيات كثيرة, منها مثلاً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73] هل وُجِدَ على وجه الأرض إلى الآن من استطاع أن يخلق ذبابة, أو ما دونها؟ أو هل يستطيع أن يسترجع ما سلبته منه الذبابة, ولو أخضعها لأحدث التحاليل المجهرية؟ أتدرون لماذا؟ لأن الذبابة قبل أن تمتص أى مادة, تفرز عليها لعابها, الذى يحولها إلى مادة سكرية, ثم تمتصها, فلا يوجد للمادة الأصلية أى أثر.. سبحان الله! أما التحدى بالموت فهناك أيضاً آيات كثيرة, مثل: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء:78] وهذا تحَدٍّ للعالم أجمع إلى يوم القيامة - مهما بلغت علومه وحضارته - أن يمنع الموت عن أى كائن حى.
أثبت العلم الحديث ما ذكره القرآن الكريم فى سورة (المؤمنون) عن خلق الإنسان من {نُطْفَة} وهى ماء الرجل, ثم {عَلَقَةً} وهى البويضة المخصَّبة, التى انقسمت إلى خلايا كثيرة, حتى أصبحت على شكل كرة, ثم تعلقت تعلقاً شديداً بجدار الرحم, ثم {مُضْغَة} وهى قطعة لحمية صغيرة, تبدو وكأنها ممضوغة بالأسنان كقطعة اللِبَان, ثم تكون {عِظَاما} ثم تكسى العظام باللحم (العضلات) وقد اعترف بذلك أشهر أساتذة علم الأجنَّة, وهو البروفِسور (كيث إل مور) الأستاذ بجامعة تورينتو بكندا, فى كتابه الذى اشترك فيه مع مجموعة من علماء الأجِنّة العالميين, ودعا فيه إلى إعادة تقسيم وتسمية مراحل تكوين الجنين لتكون مطابقة لما ورد فى القرآن الكريم, والسنة النبوية المطهرة, لأنهما أدق فى الوصف, وأسهل على طالب العلم من الوصف الحالى, والكتاب اسمه:
(Human development as described in Quran and Sunnah)
أثبت العلم الحديث أن الكون فى اتساع مستمر, وهذا يؤيده قول ربنا تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] وأثبت أن جميع قيعان البحار والمحيطات مُسجَّرة بالنيران, فلا الماء يطفئ النار, ولا النار تبخر الماء, وهذا يؤيده قول الله جل وعلا: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور} [الطور:6]
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ{11} وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق:11-12] وقد أثبت العلم أن الكرة الأرضية مغلَّفة بغلاف جوى, يفصل بينها وبين العالم الخارجى بطبقة (الأوزون) وهذه الطبقة ترجع معظم الأشعة الضارة المنبعثة من الشمس حتى لا تصيب الإنسان, وكذلك فإنها ترجع الأبخرة المتصاعدة من المحيطات والبحار على هيئة مطر, وترجع الموجات الصوتية, وغير ذلك من المواد المنبعثة من الأرض, ولولا أن الله جعلها هكذا, لتبخرت مياه البحار والمحيطات, ولَمَا انتفع بها الإنسان, ولَمَا استطعنا أن نسمع أصواتنا, أو نستقبل الموجات الإذاعية والمرئية. كما أثبت العلم أن قيعان البحار والمحيطات بها صدوع وتشققات, تتلاحم مع بعضها البعض, لتكوِّن شبكة من الصدوع حول الكرة الأرضية, وكأنها صدع واحد, تفرعت منه الصدوع الأخرى.
وكان من آخر الأبحاث العلمية ما تقدمت به طبيبة منتقبة, فى المؤتمر الثامن للإعجاز العلمى فى القرآن والسنَّة, والذى أقيم فى دولة الكويت فى الفترة من (23-26) نوفمبر لعام 2006 ميلادية, وهذه الطبيبة قد لَفَتَ انتباهها قول الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَر} [النحل:81] ولاحظت أن الله سبحانه وتعالى قال: {تَقِيكُمُ الْحَر} ولم يقل (تقيكم البرد) فبحثت على شبكة الإنترنت, وغيرها من المصادر العلمية, فوجدت أن الأبحاث الأمريكية قد أثبتت أن التعرض للشمس لمدة طويلة له تأثير ضار جداً على جلد الإنسان, فضلاً عمّا يسببه من ضربات الشمس المعروفة, والتى تتسبب فى موت الآلاف من البشر كل عام, وقد نصحوا الناس المعرَّضين للشمس لمدة طويلة بتغطية أجسادهم كلها ما عدا الوجه والكفين, وبشرط أن تكون هذه الملابس فضفاضة, حتى تقيهم تأثير الشمس على جلودهم, وحتى الوجه والكفين اقترحوا تغطيتها لمن يعملون فى الصحراء, لأنهم أثبتوا أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية لمدة طويلة يصيب الجلد بالسرطان (ميلانوما) وأن واحداً من كل خمسة أمريكيين معرض للإصابة بهذا المرض, والله أعلم.
يتبع
|
 |
المفضلات