شبهات حاقدة حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
الشبهة المائة واحد و ثمانون (181):
- إن نبيكم يأمركم بالسَّب والشتم, فيقول: ((إذا رأيتم الرجل يتعزَّى بعزاء الجاهلية, فَأَعِضُّوه بِهَن أبيه ولا تكنوا)) [صحيح الجامع:567]‌ إن معنى هذا أن تقولوا لمن يتعزى بعزاء الجاهلية: عُض ذكر أبيك, لأن ((بِهَن أبيه)) تعنى (بذَكَر أبيه).

الرد:

- لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياءً من العذراء فى خِدْرِها [صحيح الجامع:4799] وهو الذى نهى عن السب والشتم فى أحاديث كثيرة معلومة, لدرجة أنه نهى عن سَبِّ الشيطان, فقال: ((لا تسبُّوا الشيطان, وتعوَّذوا بالله من شرِّه)) ‌[صحيح الجامع:7318]‌ ولو أفضنا فى الكلام عن خلقه العظيم - صلى الله عليه وسلم - ما وَسِعَنا المقال. ولكن لماذا أمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسَبِّ من تعزَّى بعزاء الجاهلية؟ وما هو عزاء الجاهلية الذى استحق فاعله هذا العقاب؟ لقد قال العلماء: إن عزاء الجاهلية هو أن يتفوَّه الإنسان إذا أصيب بمصيبة بأقوال لا ترضى الله جل وعلا, كأن يقول: لماذا يا رب فعلتَ بى كذا وكذا, أو كالذى ينعى حظَّه, ويقول: وامصيبتاه, واحسرتاه, واخيبتاه... إلى غير ذلك من ألفاظ التسخّط على قدر الله. وقالوا أيضاً: إن معناها التفاخر بالآباء, والأحساب, والأنساب... إلخ, كأن يتفاخر المرء بأبيه, أو عائلته, فيقول مثلاً: أبى كان غنياً, كان وزيراً, كان مديراً... إلخ, وعائلتى كانت كبيرة, وتعمل كذا وكذا, لمجرد التفاخر والتعالى على خَلْق الله. وحين يتشاجر مع غيره يستنفر قومه لقتال خَصْمه, بِغَضّ النظر عن السبب فى الخصومة, وبغضّ النظر عن تحكيم شرع الله بينهما, ومَن الظالم, ومَن المظلوم, ولكنها حَمِيَّة جاهلية, لمجرد القرابة, أو النَّسَب, أو المنفعة. وهذا - للأسف - منتشر بين كثير من المسلمين, لدرجة أن منهم من يظلم الناس ويقهرهم, اعتماداً على منصب أبيه, أو أحد أقاربه, أو سُمْعَة عائلته, أو قوة أصدقائه ومَعارِفِه. ولهذا جاء هذا التحذير الشديد من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمثل هؤلاء, ليكون رادعاً لهم عن مثل هذه الأقوال, التى لا يستحقون عليها الشتم فقط, بل ويستحقون عليها العذاب فى جهنم, قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من دعا بدعوة الجاهلية فهو من جثاء جهنم, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم, فادعوا بدعوة الله التى سمّاكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله))‌ [صحيح الجامع:1724]‌ وقال: ((ومن ادَّعى دعوى الجاهلية فهو من جِثِىّ جهنم)) قيل: يا رسول الله، وإن صام وصلى؟ قال: ((وإن صام وصلى، تداعوا بدعوى الله الذى سمّاكم بها المؤمنين المسلمين عباد الله)) [صحيح ابن حِبّان]
والحديث الذى ورد فى هذه الشبهة ليس فيه تصريح بكلمة (الفَرْج) أو (الذَّكَر) وإن كان المعنى واحداً, ولكن الذين يشنِّعون على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث, جاءوا بألفاظ صريحة بدلاً من ألفاظ الحديث, ليلفتوا الأنظار إلى ما يقصدونه من الطعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكروا مساوئ التعزِّى بعزاء الجاهلية, والتى ذكرنا بعضاً منها, ولم يذكروا أن هذه العبارة كانت شائعة على ألسنة العرب, ولم يبتدعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - من نفسه, ولم يسمح بها إلا فى هذا الموضع. فالمسلم عفيف اللسان, ولكن حين يسمع من يعترض على قدر الله, أو ينتسب إلى غير الإسلام, فله أن يَسُبّ من فعل هذا سَبّاً صريحاً, ليزجره عن قوله. فعزتنا بالإسلام وحده, ولا عِزَّة لنا بغيره, كما قال سيدنا عمر - رضي الله عنه -: (كنا أذلَّة فأعزَّنا الله بالإسلام, فإن ابتغينا العزَّة فى غيره أذلَّنا الله) ولكن ينبغى أن يكون هذا السَّبّ فى أضيق الحدود, لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الفحش والتفحُّش, فقال: ((ما كان الفُحْش فى شىء قط إلا شانه, ولا كان الحياء فى شىء قط إلا زانَه)) ‌[صحيح الجامع:5655]‌ وقال: ((ليس المؤمن بالطعّان, ولا اللعّان, ولا الفاحش, ولا البَذِى)) [صحيح الجامع:5381]‌ لدرجة أنه عندما دخل عليه اليهود وقالوا له: (السّام عليك يا محمد) و(السّام) هو الموت, لم يَرُدّ عليهم إلا بقوله: ((وعليكم)) وحين ردَّت عليهم السيدة عائشة - رضى الله عنها - قال لها: ((مَهْ يا عائشة! فإن الله لا يحب الفحش والتفحش)) ‌[صحيح مسلم] وقال لها فى رواية أخرى, فى صحيح مسلم أيضاً: ((يا عائشة لا تكونى فاحشة))
وقد قال العلماء: إن المقصود من الحديث هو الزجر الشديد عن هذه الأقوال, لأن من سمع هذا التحذير فلن يَجْرُأ على قولها, لأنه يعلم مَغبَّتها, وحينئذ لن يكون هناك سَبّ ولا شتم, وذلك كالذى يعلم أنه لو سرق لَقُطِعَت يده, فلن يُقْدِمَ على السرقة, ولن تُقْطَع يده.
وقد أوردتُّ نَصّاً من الكتاب المقدس فى الرد على الشبهة رقم (152) وقد جاءت فى هذا النَّص عبارة يعلم الله أننى استحييتُ من تفسيرها, ولكنى أجدنى الآن مضطراً لتفسيرها, ووالله لولا الدفاع عن الشبهة التى نحن بصددها ما فسّرتها, ألا وهى فى الجزء التالى من النَّص:
وعَشِقَتْ معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومَنِيّهم كَمَنِىّ الخيل. (حزقيال23: 20) هل تدرون ما معنى (لحمهم كلحم الحمير)؟ معناها أن الأعضاء التناسلية للرجال الذين زنت معهم (أهوليبة) كالأعضاء التناسلية للحمير, بدليل أن العبارة التى بعدها وصفت مَنِيّهم بمَنِىّ الخيل. وإذا قال مُجادِل منهم: إنها لا تعنى الأعضاء التناسلية, فأقول له: وماذا تعنى كلمة (لحمهم) قبل ذكر منيّهم؟ هل تعنى لحم أجسادهم؟ وهل تشبيه لحم الإنسان بلحم الحمير من الثناء أو المدح فى شىء؟, والله أعلم.




الشبهة المائة اثنان و ثمانون (182):
- تزعمون أن نبيكم ينهى عن الْمُثْلَة وتشويه الجثث, بينما هو يفعل ذلك فى أبشع الصور, كما جاء فى صحيح البخارى أنه سَمَلَ أعين بعض اللصوص (أى فقأها) وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف, وحرمهم من الماء, حتى ماتوا من العطش, ولم يرحمهم.

الرد:
- إن الناقد المترَحِّم على هؤلاء القتلة اللصوص المرتدِّين, الذين ارتكبوا حَدّاً من أكبر حدود الإسلام, ألا وهو حَدّ الحِرابة, فى أبشع صُوَرِه, غدر وخيانة, وقتل وسرقة (فضلاً عن الردَّة) استدل بحديث (البخارى) ولم يستدل بما جاء فى صحيح مسلم. يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: إنما سَمَلَ النبى - صلى الله عليه وسلم - أعين أولئك لأنهم سَمَلُوا أعين الرُّعاة. وجاء ذلك أيضاً فى سنن الترمذى, وسنن النسائى, والسنن الكبرى للبيهقى, والمعجم الكبير والأوسط للطبرانى, وسنن الدار قطنى.
والقصة باختصار هى أن نَفَرَاً من عُرَيْنَة وعُكْل (أسماء قبائل) جاءوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة, وأعلنوا إسلامهم, ولم يناسبهم جَوّ المدينة فمرضوا, وأصابهم الاستسقاء, فاشتكوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فبعثهم ليشربوا من ألبان إبل الصدقة وأبوالها, فَصَحُّوا (أى بَرِئُوا) ثم ارتدوا عن الإسلام, وسَمَلوا أعين الرعاة (أو الراعى) وقتلوهم, واستاقوا الإبل (أى سرقوها) وهربوا, أبَعْد ذلك تستكثرون عليهم ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهم؟ إنها معاملة بالمثل, وتطبيق حَدّ من حدود الله,     : {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33] وقال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45] إذن فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يظلمهم, ولم يعتدِ عليهم, بل هم الذين ارتدُّوا, وقتلوا الرُّعاة, ومَثَّلوا بهم, بعدما أطعموهم وعالجوهم, وسرقوا إبل الصدقة, فكان جزاؤهم من جنس فعلهم. والذى لا يعلمه الناقد الحاقد - أو يعلمه ويخفيه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد طبَّق عليهم قانون السماء, لأنه لا يملك إلا ذلك, فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تعافوا الحدود فيما بينكم, فما بلغنى من حد فقد وجب)) [سنن أبى داود والنسائى, صحيح الجامع:2954] أى أن الحدّ إذا وصل إلى الحاكم وجب عليه تنفيذه. ولو أنه - صلى الله عليه وسلم - صفح عنهم - فرضاً - لكان فى هذا عبث, وتضييع لحقوق العباد, وإسقاط لهيبة الدولة الإسلامية, وحاشاه أن يفعل ذلك, وهو الذى قالت عنه السيدة عائشة رضى الله عنها: (وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه, إلا أن تُنْتَهَك حُرْمَة الله) [متفق عليه] فكان انتقامه منهم لانتهاكهم حُرُمات الله, وحتى لا يَجْرُأ أحد بعدهم على مثل فعلهم. وقد جاءت فى الكتاب المقدس عقوبات شديدة وعنيفة, ذكرنا أمثلة منها فى الرد على افتراءات أخرى, ونذكر منها ها هنا:
وأخرج الشعب الذى فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد وأمَرَّهم فى أَتُون الآجر وهكذا صنع بجميع مدن بنى عمون. ثم رجع داود وجميع الشعب الى أورشليم (صموئيل الثانى12: 31) كلمة (أتُون) معناها فُرْن.
وإذا كان على إنسان خطيَّة حقها الموت فقُتِلَ وعلقته على خشبة فلا تَبِتْ جثته على الخشبة بل تدفنه فى ذلك اليوم. لأن المعلَّق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التى يعطيك الرب إلهك نصيباً (تثنية21: 22-23), والله أعلم.




الشبهة المائة ثلاثة و ثمانون (183):
- يقول نبيكم: ((لولا حواء لم تَخُن أنثى زوجَها الدَّهْر)) [صحيح مسلم] كيف خانت حواء زوجها, ولم يكن هناك رجل غيره؟

الرد:
- إن الخيانة فى هذا الحديث الشريف ليست خيانة فِرَاش, أى أنها لم تكن بفعل الفاحشة, ولكنها بمعنى عدم الإخلاص لزوجها فى النصيحة, لأنها اجتهدت عليه مع إبليس ليأكل من الشجرة, فقد أغواها إبليس بالأكل من الشجرة فأكلت, ثم أقنعت زوجها فأكل هو أيضاً. والدليل على أن الخيانة لا يُقصَد بها خيانة العِرْض فقط, هو قول الله تعالى عن زوجة سيدنا نوح وسيدنا لوط, على نبينا وعليهما الصلاة والسلام: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:10] فخيانتهما لم تكن خيانة بالمعنى المقصود فى السؤال, ولكنها كانت خيانة عقائدية. ومعلوم أن مَن أخْلَصَ فى نُصْحِهِ, وأظهر الحق, فهو أمين, وعكسه خائن, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المستشار مؤتَمَن)) [سنن أبى داود والترمذى, صحيح الجامع:6700] أى أن المستشار لابد أن يكون أميناً فى إظهار الحق لمن استشاره, وأن يتقى الله فى نصحه, وأن يكتم سِرَّه الذى ائتمنه عليه. فمثلاً: لو أراد أحد أن يسكن فى منزل تعرفه, وسألك عنه, فلابد أن توضح له مزاياه وعيوبه, ولا تخفى عنه شيئاَ لِهَوَىً فى نفسك, أو ظناً منك أنك ستقع فى معصية لو أخبرته بسوء خُلُق جيرانه, أو عدم صلاحية ذلك المسكن له... إلى غير ذلك. وكذلك لو استشارك فى الزواج من امرأة تعرفها, فلابد أن توضح له ما تعلمه من أحوالها, وأحوال أهلها, بغير توسّع فى هتك الأستار, وإشاعة الأسرار, وبغير غرض آخر فى نفسك من وراء هذا النُّصْح. وكل من لم يتقِ الله فى نصحه, أو أفشى سِرّ من ائتمنه, أو لم يخلص فى شركته مع غيره, فهو خائن, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه, فإذا خانه خرجتُ من بينهما)) [سنن أبى داود, السنن الكبرى للبيهقى, سنن الدار قطنى]
فمعنى خيانة حواء أنها قَبِلَت ما زينه الشيطان لها, ثم زينته لزوجها, وقد ورثت بناتها خيانتها جيلاً بعد جيل, فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو القول, إلا ما رَحِمَ ربى, ولا أقصد أنها تفعل الفاحشة, ولكنها خيانة من قبيل خيانة أمها. ولكن لا ينبغى للنساء أن يَتَرَخَّصْنَ بما فعلت أُمُّهُنَّ, فيتمادَيْنَ فى خيانة أزواجهن, ولكن ينبغى لهن أن يتقين الله بقدر استطاعتهن, لأن كل إنسان مسئول عن نفسه وعن رعيَّته يوم القيامة, وينبغى للرجال أن يصبروا على زوجاتهم, لما وَرِثْنَه من أُمُّهِنَّ.
ووراثة بعض الطباع والأخلاق مُشاهَدة فى واقعنا, مثلها كمثل وراثة الصفات الخِلْقية تماماً, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فجحد آدم فجحدت ذريته, ونسى آدم فنسيت ذريته, وخطِئ آدم فخطئت ذريته)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:5208] وقد جاء فى الكتاب المقدس أن حواء لما غَوَتْ بأكلها من الشجرة, عاقبها الله, وعاقب بناتها بالآلام فى الحمل والولادة, فيقول:
وآدم لم يَغوِ لكن المرأة أغويت فحصلت فى التعدِّى. (رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس2: 14)
وقال للمرأة تكثيراً أُكَثِّرُ أتعابَ حَبَلِك. بالوجع تلدين أولاداً. (تكوين3: 16), والله أعلم.





ان شاء الله