الشبهة المائتان تسعة و عشرون (229):
- يقول القرآن: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] ويقول: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:8] ويقول: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:105] كل هذه الآيات متعارضة مع بعضها, فمرة تقول إنها (موازين) ومرة (وزن) ومرة لا ميزان أصلاً.

الرد:
- ليس هناك أى تعارض بين الآيات, ولو أن السائل أكمل الآية الأولى لَعَلِمَ الإجابة {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} إن أعمال الخير متفاوتة فى ثقلها, فهى تختلف فى تفاضلها حسب درجتها عند الله, فالصلاة غير الزكاة, أو الصوم, أو الحج, أو صلة الرحم... إلخ, وحسب نية فاعلها وإخلاصه لله, واتباعه للسنَّة فى فعلها, وغير ذلك. وكذلك أعمال الشر فهى متفاوتة أيضاً, فالقتل غير السرقة, أو شرب الخمر, أو النظر المحرم... إلخ. والله سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] فقوله تبارك وتعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} يعنى الوزن العمومى للحسنات والسيئات فى مُجمَلِها, أمّا {الْمَوَازِينَ} فهى مثاقيل الأعمال حسب تفاوتها ثقلاًً وخفَّة. ونحن فى واقعنا نطلق اسم المفرد على الشىء الذى يحتوى على أشياء متجانسة, فمثلاً نقول عن الراجع من السفر: إنه دخل الجمرك (بلفظ المفرد) فى حين أن البضائع تختلف عن بعضها البعض بالنسبة لما يُفرَض عليها من هذا الجمرك, فالسيارة غير الغسالة أو الثلاجة... إلخ, فكذلك كلمة (الوزن) تطلق ويراد بها مجموع الموازين. أما الآية الكريمة: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} فهى - {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} - كما نقول عن الرجل التافه إنه (لا وزن له) أى أنه لا قيمة له, فى حين أننا نقول عن رجل آخر (إنه ثقيل) أو (إنه جبل) وذلك لما نراه من حلمه وسَعَة عقله, فقوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} معناه: فلا نقيم لهم وزناً نافعاً, أى أنه لا قيمة لهم ولا لأعمالهم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة, لا يزن عند الله جناح بعوضة, اقرءوا {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً})) [متفق عليه]‌ أمّا المؤمن فهو ثقيل فى الميزان عند الله يوم القيامة, كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حين تعجب الصحابة - رضوان الله عليهم - من دِقَّة ساقَيْه: ((أتعجبون من سَاقَىْ ابن مسعود؟ إن ساقَى ابن مسعود أثقل من جبل أُحُد فى الميزان يوم القيامة)) (أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -) لأن الذى يُوزَن هو إيمان العبد الذى وَقَرَ فى قلبه, وليس العظم واللحم والشحم, والله أعلم.




الشبهة المائتان و ثلاثون (230):
- يقول القرآن: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [فصلت:16] ثم يقول: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} [القمر:19] فأيهما نصدق؟ وهل هو يوم أم أيام؟

الرد:
- الآية الأولى تتحدث عن عدد الأيام التى سخر الله عليهم الريح فيها, أما الآية الثانية فتتحدث عن يوم نزع الناس {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر:20] فنزع الناس وجعلهم كأعجاز نخل منقعر كان فى يوم, أما الريح الشديدة فكانت سبعة أيام. فمثلاً: لو حدثت حرب بين طائفتين, واستمرت لعدة أيام, ثم انتصر أحد الفريقين, فقلنا: انتصر الجيش الفلانى فى يوم كذا, فهل معنى هذا أن الحرب كانت لمدة يوم واحد, أم أنها استمرت لعدة أيام, وكان النصر فى آخر يوم فيها؟ وهناك معنى آخر: وهو أن قوله تعالى: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} يعنى أنه ليس يوماً واحداً, ولكنه {مُّسْتَمِرٍّ} مُمتدّ لسبعة أيام, والله أعلم.




الشبهة المائتان واحد و ثلاثون (231):
- يقول القرآن عن الكفار: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:174] يقر القرآن فى هذه الآية بأن الله لا يكلم الكفار, ثم يناقض نفسه فيقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62]

الرد:
- النداء يكون من مكان بعيد, وقد وصف الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بأنه يوم التناد {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:32] كما ورد فى سورة (الأعراف) من نداء أهل الجنة على أهل النار, والعكس, أما الكلام فيكون من مكان قريب, فالله سبحانه وتعالى لا يكلم الكفار, ولكن يناديهم, لأن كلامه رحمة. أما النداء الذى ورد فى هذه الآيات - وغيرها - فهو للتوبيخ, ومن وراء حجاب, كما : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] وليس شرطاً أن نداء الله لهم يسمعونه منه مباشرة, فربما كان عن طريق الملائكة, كما يخاطبنا الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} أو يخاطب أهل الكتاب بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} والكافرين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا} فهذا الخطاب لم يصل من الله إلى الناس مباشرة, ولكن عن طريق الوحى, ثم عن طريق الرسول - صلى الله عليه و سلم - {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75] فهو سبحانه الذى قال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى:51] فإن سماع كلام الله سبحانه وتعالى متعة, وهو للمؤمنين خاصة يوم القيامة, فكيف يستمتع به الكفرة؟
ثم إنه قد جاء فى الكتاب المقدس تناقض بين صفات الله جل وعلا, فمرة يقول إنه يشبه الإنسان, ومرة يقول إن ليس له شبيه: وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبّابات التى تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم. (تكوين1: 26-27)
لكى تعرف أن ليس مثلى فى كل الأرض. (خروج9: 14) ليس مثل الله (تثنية33: 26) لذلك قد عظمت أيها الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك (صموئيل الثانى7: 22) لا مثل لك يا رب (إرمياء10: 6) فبمن تشبهون الله وأى شبه تعادلون به. (إشعياء40: 18) فبمن تشبهوننى فأساويه يقول القدوس. (إشعياء40: 25), والله أعلم.