الشبهة المائتان ثمانية و ثلاثون (238):
- هناك تناقض فى القرآن بين قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53]

الرد:
- إن هذا السائل كمن قرأ {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} ولم يُكْمِلْ {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} ولو قرأ آيات سورة (الزمر) التى تلى هذه الآية, لَعَلِمَ الرد على سؤاله, فماذا قالت هذه الآيات؟ لقد قالت: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{58} بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} إن معنى هذا أن الله سبحانه وتعالى يفتح باب التوبة على مصراعيه لكل الناس, مهما كانت ذنوبهم - حتى ولو كانت شركاً بالله - أن يتوبوا إليه ويستغفروه, قبل أن يباغتهم الموت, ويفاجأوا بالعذاب, فهل هناك ثمة تناقض بين الآيات؟ إن آية (النساء) تتحدث عمَّن مات مشركاً, ولم يَتُبْ من شركه قبل موته, أما آية (الزمر) فهى خطاب للأحياء أن يتداركوا أنفسهم, ويثوبوا إلى رشدهم, قبل أن يندموا وَلاتَ حين مَنْدَم.
وبالمناسبة.. فقد جاء فى الكتاب المقدس أن الله سبحانه وتعالى يندم (وحاشاه) ومرة أخرى أنه لا يندم, وإليكم الدليل: فندم الرب على الشر الذى قال إنه يفعله بشعبه (خروج32: 14) والرب ندم لأنه مَلَّك شاول على إسرائيل (صموئيل الأول15: 35) فمن يشفق عليك يا أورشليم ومن يعزِّيك ومن يميل ليسأل عن سلامتك. أنتِ تركتنى يقول الرب. إلى الوراء سِرتِ فأمُد يدى عليكِ وأهلكك. مَللتُ من الندامة. (إرمياء15: 5-6) إن هذه النصوص تثبت الندم, ثم يأتى النَّص التالى لينفيه: ليس الله إنساناًً فيكذب. ولا ابن إنسان فيندم. (عدد23: 19), والله أعلم.




الشبهة المائتان تسعة و ثلاثون (239):
- مرة يقول القرآن عن مريم إنها قالت: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} [آل عمران:47] ومرة إنها قالت: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} [مريم:20] دون أن تقول فى هذه الآية كلمة {رَبِّ}, وكذلك فإنها قالت فى الآية الأولى {وَلَدٌ} وفى الثانية {غُلَامٌ} فهل نسى محمد, أم أنه تشويق للسامع؟

الرد:
- ليس هذا نسياناً ولا تشويقاً, إن الآية الأولى التى وردت فى سورة (آل عمران) كانت بشرى من الله جل وعلا, حملتها الملائكة للسيدة مريم, رضى الله عنها {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران:45] فلذلك قالت {رَبِّ} أما آية سورة (مريم) فكانت البشرى من سيدنا جبريل - عليه السلام - مباشرة {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً{17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً{18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً} [مريم:17-19] ففى هذه الحالة تكلم سيدنا جبريل, فكيف تقول له {رَبِّ}؟ إنها لو قالت ذلك لكان فى قولها حجة للنصارى الذين يَدَّعون أن الله سبحانه وتعالى تمثل لها فى صورة بشر ليَهَبَ لها الولد. أمّا قولها فى الآية الأولى {وَلَدٌ} وفى الثانية {غُلَامٌ} فلأنها فى الآية الأولى تعجبت من أن يكون لها ولد بغير زوج, ولم يَعْقُب هذه الآية نُطقُه فى المهد, أما الآية الثانية فقد أعقبتها آيات نُطقِه فى المهد, وهذا الكلام لا يتأتّى إلا من الغلام, فلما فعل فِعله أخذ صفته, والله أعلم.




الشبهة المائتان و أربعون (240):
- ينكر القرآن على اليهود والنصارى ادِّعاءهم بأن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً, فيقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:65] فى حين أنه يدَّعى أنه كان مسلماً, فيقول: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67] مع أن الإسلام لم يظهر إلا بعد زمن طويل من اليهودية والنصرانية!

الرد:
- إن الإسلام معناه إسلام الوجه لله, بمعنى: إسلام القلب والقالب لله, وهو توحيد الله عز وجل بالربوبية والألوهية, وقد جاءت به جميع الأنبياء والمرسلين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -     : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران:19] وقال رسوله - صلى الله عليه و سلم -: ((خير الدعاء يوم عرفة, وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير)) [صحيح الجامع:3274] وقد أوردنا فى الرد على الشبهة رقم (421) ما يدل على أن جميع الرسالات جاءت بالإسلام, ولا أعنى بالإسلام ديننا, ولكن أعنى توحيد الله جل وعلا, والانقياد له سبحانه وتعالى باتباع رسله, فلم يكن سيدنا إبراهيم - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - تابعاً لليهودية ولا النصرانية, ولكن كان مسلماً بالمعنى الذى ذكرناه, والله أعلم.