1. ومما يوضح ذلك أن النبي لما ذكر له انها قتلت نشد الناس في امرها فلما ذكر له ذنبها ابطل دمها وهو اذا حكم بامر عقب حكاية حال حكيت له دل ذلك على ان ذلك المحكي هو الموجب لذلك الحكم لانه حكم حادث فلابد له من سبب حادث ولا سبب الا ما حكي لله وهو مناسب فتجب الاضافة اليه # الوجه الثاني ان نشدان النبي الناس في امرها ثم ابطال دمها دليل على انها كانت معصومة وان دمها كان قد انعقد سبب ضمانة وكان مضمونا لو لم يبطله النبي لانها لو كانت حربية لم ينشد الناس فيها ولم يحتج ان يبطل دمها ويهدره لان الابطال والاهدار لا يكون الا لدم قد انعقد له سبب الضمان الا ترى انه لما راى امراة مقتولة في بعض مغازيه انكر قتلها ونهى عن قتل النساء ولم يبطله ولم يهدره فانه كان في نفسه باطلا هدرا والمسلمون يعلمون ان دم الحربية غير مضمون بل هو هدر لم يكن لابطاله واهداره وجه وهذا ولله الحمد ظاهر


  1. فاذا كان النبي قد عاهد المعاهدين اليهود عهدا بغير ضرب جزية عليهم ثم انه اهدر دم يهودية منهم لاجل سب النبي فان يهدر دم يهودية من اليهود الذين ضربت عليهم الجزية والزموا احكام الملة لاجل ذلك اولى واحرى ولو لم يكن قتلها جائرا لبين للرجل قبح ما فعل فانه قد قال من قتل نفسا معاهدة بغير حقها

لم يرح رائحة الجنة ولا وجب ضمانها او الكفارة كفارة قتل المعصوم فلما اهدر دمها علم انه كان مباحا # الحديث الثاني ما روى إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن
عثمان الشحام عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما ان اعمى كانت له أم ولد تشتم النبي وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي وتشتمه فاخذ المغول فوضعه في بطنها واتكا عليها فقتلها فلما اصبح ذكر ذلك للنبي فجمع الناس فقال انشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق الا قام فقام الاعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي فقال يا رسول الله انا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فانهاها فلا تنتهي وازجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فاخذت المغول فوضعته في بطنها واتكات عليه حتى قتلتها فقال النبي الا اشهدوا ان دمها
هدر رواه أبو داود والنسائي # والمغول بالغين المعجمة قال الخطابي شبيه المشمل ونصله دقيق ماض وكذلك قال غيره هو سيف رقيق له قفا يكون غمده كالسوط والمشمل السيف القصير سمي بذلك لانه يشتمل عليه الرجل اي يغطيه بثوبه واشتقاق المغول من غالة الشيء واغتاله اذا اخذه من حيث لم يدر # وهذا الحديث مما استدل به الإمام احمد في رواية عبد الله قال ثنا
روح ثنا عثمان الشحام ثنا عكرمة مولى ابن عباس ان رجلا اعمى كانت له أم ولد تشتم النبي فقتلها فساله عنها فقال يا رسول الله انها كانت تشتمك فقال رسول الله # الا ان دم فلانة هدر # فهذه القصة يمكن ان تكون هي الاولى وعليه يدل كلام الإمام احمد لانه قيل له في رواية عبد الله في قتل الذمي اذا سب احاديث قال نعم منها حديث الاعمى الذي قتل المراة قال سمعتها تشتم النبي # ثم روى عنه عبد الله كلا الحديثين ويكون قد خنقها وبعج بطنها بالمغول او يكون كيفيه القتل غير محفوظة في احدى الروايتين

  1. ويؤيد ذلك ان وقوع قصتين مثل هذه لاعميين كل منهما كانت المراة تحسن اليه وتكرر الشتم وكلاهما قتلها وحده وكلاهما نشد رسول الله فيها الناس بعيد في العادة وعلى هذا التقدير فالمقتولة يهودية كما جاء مفسرا في تلك الرواية وهذا قول القاضي أبي يعلي وغيره استدلوا بهذا الحديث على قتل الذمي ونقضه العهد وجعلوا الحديثين حكاية واقعة واحدة # ويمكن ان تكون هذه القصة غير تلك قال الخطابي فيه بيان ان ساب النبي يقتل وذلك ان السب منها لرسول الله ارتداد عن الدين وهذا دليل على انه اعتقد انها كانت مسلمة وليس في الحديث دليل على ذلك بل الظاهر انها كانت كافرة وكان العهد لها بملك المسلم اياها فان رقيق المسلمين ممن يجوز استرقاقه لهم حكم اهل الذمة وهم اشد في ذلك من المعاهدين او بتزوج المسلم بها فان ازواج المسلمين من اهل الكتاب لهم حكم اهل الذمة في العصمة لان مثل هذا السب الدائم لا يفعله مسلم الا عن ردة واختيار دين غير الإسلام ولو كانت مرتدة منتقلة إلى غير الإسلام لم يقرها سيدها على ذلك اياما طويلة ولم يكتف بمجرد نهيها عن السب بل يطلب منها تجديد الإسلام لا سيما ان كان يطؤها فان وطء المرتدة لا يجوز والاصل عدم تغير حالها وانها كانت باقية على دينها يوضح ذلك ان

الرجل لم يقل كفرت ولا ارتدت وانما ذكر مجرد السب والشتم فعلم انه لم يصدر منها قدر زائد على السب والشتم من انتقال من دين إلى دين او نحو ذلك # وهذه المراة اما ان تكون كانت زوجة لهذا الرجل او مملوكه له وعلى التقديرين فلو لم يكن قتلها جائزا لبين النبي له ان قتلها كان محرما وان دمها كان معصوما ولاوجب عليه الكفارة بقتل المعصوم والدية ان لم تكن مملوكه له فلما قال اشهدوا ان دمها هدر والهدر الذي لا يضمن بقود ولادية ولا كفارة علم انه كان مباحا مع كونها كانت ذمية فعلم ان السب اباح دمها لا سيما والنبي انما اهدر دمها عقب اخباره بانها قتلت لاجل السب فعلم انه الموجب لذلك والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك # الحديث الثالث مااحتج به الشافعي على ان الذمي اذا سب قتل وبرئت منه الذمه وهو قصة كعب بن الاشرف اليهودي # قال الخطابي قال الشافعي يقتل الذمي اذا سب النبي وتبرامنه الذمة واحتج بذلك بخبر كعب بن الاشرف وقال
الشافعي في الام لم يكن بحضرة النبي ولا قربة مشرك من اهل الكتاب الا يهود المدينة وكانوا حلفاء الأنصار ولم تكن الأنصار اجمعت أول ماقدم رسول الله إسلاما فوادعت يهود رسول الله ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فتكلم بعضها بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله فيهم ومعلوم انه انما اراد بهذا الكلام كعب بن الاشرف والقصة مشهورة مستفيضة وقد رواها عمر بن دينار عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمه فقال انا يارسول الله اتحب ان اقتله قال نعم قال ائذن لي ان اقول شيئا قال قل قال فاتاه وذكره ما بينهم قال ان هذا الرجل قد اراد الصدقة وعنانا
صولما سمعه قال وايضا والله لتملنه وقال انا قد اتبعناه الان ونكره ان ندعه حتى ننظر إلى اي شيء يصير امره قال وقد اردت ان تسلفني سلفا قال فما ترهنني نساءكم قال انت اجمل العرب انرهنك نساءنا قال ترهنوني اولادكم قال يسب ابن احدانا فيقال رهنت في وسقين من تمر ولكن نرهنك الأمة يعني السلاح قال نعم وواعده ان ياتيه بالحارث وابي عبس بن جبر وعباد بن بشر فجاؤوا فدعوه ليلا فنزل اليهم قال سفيان قال غير عمروقالت له امراته اني لاسمع صوتا كانه
صوت دم قال انما هذا محمد ورضيعه أبو نائله ان الكريم لو دعي إلى طعنه ليلا لاجاب قال محمد اي اذا جاء فسوف امد يدي إلى راسه فاذا استمكنت منه فدونكم قال فلما نزل نزل وهو متوشح قالوا نجد منك ريح الطيب قال نعم تحتي فلانه اعطر نساء العرب قال افتاذن لي ان اشم منه قال نعم فشم ثم قال اتاذن لي ان اعود قال فاستمكن منه ثم قال دونك فاقتلوه متفق عليه # وروى ابن أبي اويس عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمه عن ابيه عن جابر بن عبد الله ان كعب بن الاشرف عاهد الرسول
الله ان لا نعين عليه ولا يقاتله ولحق بمكة ثم قدم المدينة معلنا لمعادات النبي فكان أول ما خزع عنه قوله % اذاهب انت لم تحلل بمرقبة % وتارك انت امر الفضل بالحرم %

  1. في ابيات يهجوه بها فعند ذلك ندب رسول الله إلى قتله وهذا محفوظ عن ابن أبي اويس رواه الخطابي وغيره وقال قوله خزع معناه قطع عهده وفي رواية غير الخطابي فخزع منه هجائه له فامر بقتله والخزع القطع يقال خزع فلان عن اصحابه خزعا اي انقطع وتخلف ومنه سمية خزاعة لانهم انخزعوا عن اصحابهم واقاموا بمكة فعلى الفظ الاول يكون التقدير ان قوله هذا هو أول خزعة عن النبي اي أول انقطاعه عنه بنقض العهد وعلى الثاني قيل معناه قطع هجاه للنبي منه يعني انه نقض عهده وذمته وقيل معناه خزع من النبي معناه هجاه اي نال منه وشعث منه ووضع منه


  1. وذكر اهل المغازي والتفسير مثل محمد بن اسحاق ان كعب بن الاشرف كان موادعا للنبي في جملة من وادعه من يهود المدينة وكان عربيا من بني طي وكانت امه من بني النضير قالوا فلما قتلوا اهل بدر شق ذلك عليه وذهب إلى مكة ورثاهم لقريش وفضل دين الجاهلية على دين الإسلام حتى انزل الله فيه ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا ^ # ثم لما رجع إلى المدينة اخذ ينشد الاشعار يهجو بها النبي وشبب بنساء المسلمين حتى اذاهم حتى قال النبي من لكعب ابن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله وذكروا قصة قتله مبسوطة


  1. وقال الواقدي حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رمان ومعمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وابراهيم بن جعفر عن ابيه عن جابر وذكر القصه إلى قتله قال ففزعت يهود ومن معها من المشركين فجاوا إلى النبي حين اصبحوا فقالوا

قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه فقال رسول الله # انه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رايه ما اغتيل ولكنه نال منا الاذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم الا كان السيف # ودعاهم رسول الله إلى ان يكتب بينهم كتابا ينتهون الي مافيه فكتبوا بينهم وبينه كتابا تحت العذق في دار رملة بنت الحارث فحذرت يهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الاشرف # والاستدلال بقتل كعب بن اشرف من وجهين احداهما انه كان معاهدا مهادنا وهذا لا خلاف فيه بين اهل العلم بالمغازي والسير وهو عندهم من العلم العام الذي يستغنى فيه عن نقل الخاصة

  1. ومما لا ريب فيه عند اهل العلم ما قدمناه من ان النبي عاهد لما قدم المدينة جميع اصناف اليهود بني قينقاع والنضير وقريظة ثم نقضت بنو قينقاع عهده فحاربهم ثم نقض عهده كعب بن الاشرف ثم نقض عهده بنو النضير ثم بنو قريظه وكان ابن الاشرف من بني النضير وامرهم ظاهر في انهم كانوا مصالحين للنبي وانما نقضوا العهد لما خرج اليهم يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمر بن امية الضمري وكان ذلك بعد مقتل كعب بن الاشرف وقد ذكرنا الرواية الخاصة ان كعب بن الاشرف كان معاهد للنبي ثم ان النبي جعله ناقضا للعهد بهجائه واذاه بلسانه خاصة # والدليل على انه انما نقض العهد بذلك ان النبي قال من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله فعلل ندب الناس له باذاه والاذى المطلق هو باللسان كما قال سبحانه ^ ولتسمعن من

الذين اتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا ^ وقال ^ لن يضروكم الا اذى ^ وقال ^ ومنهم اللذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن ^ وقال ^ ولا تكونوا كالذين اذوا موسى فبراه الله مما قالوا ^ الاية وقال ^ ولا مستانسين لحديث ان ذلكم كان يؤذي النبي ^ إلى قوله ^ وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا ^ الاية # ثم ذكر الصلاة عليه والتسليم خبرا وامرا وذلك من اعمال اللسان ثم قال ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله ^ إلى قوله ^ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ^ # وقال النبي فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى يؤذيني ابن ادم يسب الدهر وانا الدهر وهذا كثير # وقد تقدم ان الاذى اسم لقليل الشر وخفيف المكروه لخلاف الضرر فلذلك اطلق على القول لانه لايضر المؤذي في الحقيقة

  1. وايضا فانه جعل مطلق اذى الله ورسوله موجبا لقتل رجل معاهد ومعلوم ان سب الله وسب ورسوله اذى لله ولرسوله واذا رتب الوصف على الحكم بحرف الفاء دل على ان ذلك الوصف علة لذلك الحكم لا سيما اذا كان مناسبا وذلك يدل على ان اذى الله ورسوله علة لندب المسلمين إلى قتل من يفعل ذلك من المعاهدين وهذا دليل ظاهر على انتقاض عهده باذى الله ورسوله والسب من اذى الله ورسوله باتفاق المسلمين بل هو اخص انواع الاذى # وايضا فقد قدمنا في حديث جابر ان أول ما نقض به العهد قصيدته التي انشاها بعد رجوعه إلى المدينة يهجو بها رسول الله وان رسول الله عندما هجاه بهذه القصيدة ندب إلى قتله وهذا وحده دليل على انه انما نقض العهد بالهجاء لا بذهابه إلى مكة # وما ذكره الواقدي عن اشياخه يوضح ذلك ويؤيده وان كان الواقدي لا يحتج به اذا انفرد لكن لا ريب في علمه في المغازي واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته ولم نذكر عنه الا ما اسندناه عن غيره # فقوله لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رايه ما اغتيل ولكنه نال منا الاذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم الا كان السيف نص في انه انما انتقض عهد ابن الاشرف بالهجاء

ونحوه وان من فعل هذا من المعاهدين فقد استحق السيف وحديث جابر المسند من الطريقين يوافق هذا وعليه العمدة في الاحتجاج # وايضا فانه لما ذهب إلى مكة ورجع إلى المدينة لم يندب النبي المسلمين إلى قتله فلما بلغه عنه الهجاء ندبهم إلى قتله والحكم الحادث يضاف إلى السبب الحادث فعلم ان ذلك الهجاء والاذى الذي كان بعد قفوله من مكة موجب لنقض عهده ولقتاله واذا كان هذا في المهادن الذي لا يؤدي جزية فما الظن بالذمي الذي يعطي الجزية ويلزم احكام الملة # فان قيل ان ابن الاشرف كان قد اتى بغير السب والهجاء فروى الإمام احمد قال ثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال لما قدم كعب بن الاشرف مكة قالت
قريش الاترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه يزعم انه خير منا ونحن اهل الحجيج واهل السدانة واهل السقاية قال فنزلت فيهم ^ ان شانئك هو الابتر ^ قال وانزلت فيه ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا ^ إلى قوله ^ نصيرا ^ # وقال ثنا عبد الرازق قال قال معمر اخبرني
ايوب عن عكرمة ان كعب بن الاشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش فاستجاشهم على النبي وامرهم ان يغزوه وقال لهم انا معكم فقالوا انكم اهل كتاب وهو صاحب كتاب ولا نامن ان يكون مكرا منكم فان اردت ان نخرج معك فاسجد للهذين الصنمين وامن بهما ففعل ثم قالوا له انحن اهدى أم محمد نحن نصل الرحم ونقري الضيف ونطوف بالبيت وننحر الكوم ونسقي اللبن على الماء ومحمد قطع رحمه وخرج من بلده قال بل انتم خير واهدى قال فنزلت فيه ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا ^

  1. وقال ثنا عبد الرزاق ثنا إسرائيل عن السدي عن أبي مالك قال ان اهل مكة قالوا لكعب بن الاشرف لما قدم عليهم ديننا خير أم دين محمد قال اعرضوا علي دينكم قالوا نعمر بيت ربنا وننحر الكوماء ونسقي الحاج الماء ونصل الرحم ونقري الضيف قال دينكم خير من دين محمد فانزل الله تعالى هذه الاية


  1. قال موسى بن عقبة عن الزهري كان كعب بن الاشرف اليهودي وهو أحد بني النضير او هو فيهم قد اذى رسول الله بالهجاء وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستعان بهم على رسول الله فقال أبو سفيان اناشدك اديننا احب إلى الله أم دين محمد واصحابه واينا اهدى في رايك واقرب إلى الحق فانا نطعم الجزور الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونطعم ما هبت الشمال قال ابن الاشرف انتم اهدى منهم سبيلال ثم خرج مقبلا حتى اجمع راي المشركين على قتال رسول الله معلنا بعداوة رسول الله وبهجائه فقال رسول الله # من لنا من ابن الاشرف فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا

قد خرج إلى قريش فاجمعهم على قتالنا وقد اخبرني الله بذلك ثم قدم على اخبث ما كان ينتظر قريشا ان تقدم فيقاتلنا معهم ثم قرا رسول الله على المسلمين ما نزل فيه ان كان كذلك والله اعلم قال الله عز وجل ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب ^ إلى قوله ^ سبيلا ^ وايات معها فيه وفي قريش # وذكر لنا رسول الله قال اللهم اكفني ابن الاشرف بما شئت فقال له محمد بن مسلمة انا يا رسول الله اقتله وذكر القصة في قتله إلى اخرها ثم قال فقتل الله ابن الاشرف بعداوته لله ورسوله وهجائه اياه وتاليبه عليه قريشا واعلانه بذلك # وقال محمد بن اسحاق كان من حديث كعب بن الاشرف انه لما
اصيب اصحاب بدر وقدم زيد بن حارثه إلى اهل السافلة وعبد الله بن رواحة إلى اهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله تعالى عليه وقتل من قتل من المشركين كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة الظفري وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وصالح بن أبي إمامه بن
سهل كل واحد قد حدثني بعض حديثه قالوا كان كعب بن الاشرف من بني طيء ثم أحد بني نبهان وكانت امه من بني النضير فقال حين بلغه الخبر احق هذا اترون ان محمدا قتل هؤلاء الذين سمى هذان الرجلان يعني زيدا وعبد الله بن رواحه فهؤلاء اشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمدا اصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خير من ظهرها فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة ونزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن اميه فانزلته واكرمته وجعل يحرض على رسول الله وينشد الاشعار ويبكي اصحاب القليب من قريش الذين اصيبوا ببدر وذكر شعرا وما رد عليه حسان بن ثابت وغيره
ثم رجع كعب بن الاشرف إلى المدينة يشبب بنساء المسلمين حتى اذاهم فقال رسول الله كما حدثني عبد الله بن أبي المغيث من لي من ابن الاشرف فقال محمد بن مسلمة انا لك به يا رسول الله انا اقتله وذكر القصة # وقال الواقدي حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان ومعمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وابراهيم بن جعفر عن ابيه عن جابر بن عبد الله فكل قد حدثني منه بطائفة فكان الذي اجتمعوا عليه قالوا ابن الاشرف كان شاعرا وكان يهجو النبي واصحابه ويحرض عليهم كفار قريش في شعره وكان رسول الله قدم المدينة واهلها اخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام فيهم اهل الحلقة والحصون ومنهم حلفاء للحيين جميعا الاوس والخزرج فاراد
رسول الله حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم وكان الرجل يكون مسلما وابوه مشركا فكان المشركون واليهود من اهل المدينة يؤذون رسول الله واصحابه اذى شديدا فامر الله نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم وفيهم انزل ^ ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور ^ وفيهم انزل الله ^ ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم ^ الاية # فلما ابى ابن الاشرف ان ينزع عن اذى رسول الله واذى المسلمين وقد بلغ منهم فلما قدم زيد بن حارثة بالبشارة من بدر بقتل المشركين واسر من اسر منهم فراى الاسرى مقرنين كبت وذل ثم قال لقومه ويلكم والله لبطن الارض خير لكم من ظهرها اليوم هؤلاء سراة الناس قد قتلوا واسروا فما عندكم قالوا عداوته ما حيينا قال وما انتم وقد وطيء قومه واصابهم ولكني اخرج إلى قريش فاحضها وابكي قتلاها لعلهم ينتدبون فاخرج معهم فخرج حتى
قدم مكة ووضع رحلة عند أبي وداعة بن أبي صبيرة السهمي وتحته عاتكة بنت اسيد بن أبي العيص فجعل يرثي قريشا وذكر ما رثاهم به من الشعر وما اجابه به حسان فاخبره بنزول كعب على من نزل فقال حسان فذكر شعرا هجا به اهل البيت الذي نزل فيهم قال فلما بلغها هجاؤه نبذت رحلة وقالت ما لنا ولهذا اليهودي الا ترى ما يصنع بنا حسان فتحول فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله حسانا فقال ابن الاشرف نزل على فلان فلا يزال يهجوا حتى نبذ رحلة فلما لم يجد ماوى قدم المدينة فلما بلغ النبي قدوم ابن الاشرف قال اللهم اكفيني ابن الاشرف بما شئت في اعلانه الشر وقوله الاشعار وقال رسول الله من لي من ابن الاشرف فقد آذاي فقال محمد بن مسلمة انا يارسول الله وانا اقتله قال فافعل وذكر الحديث # فقد اجتمع لابن الاشرف ذنوب انه رثى قتلى قريش وحضهم على محاربة النبي وواطاهم على ذلك واعانهم على محاربته باخباره ان دينهم خير من دينه وهجا النبي والمؤمنين

  1. قلنا الجواب من وجوه # احدها ان النبي لم يندب إلى قتله لكونه ذهب إلى مكة وقال ما قال هناك وانما ندب إلى قتله لما قدم وهجاه كما جاء ذلك مفسرا في حديث جابر المتقدم بقوله ثم قدم المدينة معلنا لعداوة النبي ثم بين ان أول ما قطع به العهد تلك الابيات التي قالها بعد الرجوع وان النبي حينئذ ندب إلى قتله وكذلك في حديث موسى بن عقبة من لنا من ابن الاشرف فانه قد استعلن بعداوتنا وهجائنا # ويؤيد ذلك شيئان # احدهما ان سفيان بن عيينه روى عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال جاء حيي بن اخطب وكعب بن الاشرف إلى اهل مكة فقالوا انتم اهل الكتاب واهل العلم فاخبرونا عنا وعن محمد فقالوا ما انتم وما محمد فقالوا نصل الارحام وننحر الكوماء ونسقي الماء على اللبن ونفك العناة ونسقي الحجيج ومحمد

صنبور قطع ارحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار فنحن خير أم هو فقالوا بل انتم خير واهدى سبيلا فانزل الله تعالى ^ الم تر إلى الذين اتوا نصيبا من الكتاب ^ إلى قوله ^ اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ^ # وكذلك قال قتادة ذكر لنا ان هذه الاية نزلت في كعب بن الاشرف وحيي بن اخطب رجلين من اليهود من بني النضير لقيا قريشا في الموسم فقال لهما المشركون نحن اهدى أم محمد واصحابه فانا اهل السدانة واهل السقاية واهل الحرم فقالا انتم اهدى من محمد واصحابه وهما يعلمان انهما كاذبان انما محلهما على ذلك حسد محمد واصحابه فانزل الله تعالى فيهم ^ اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ^ فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما ان محمدا يزعم انه قد نزل فيكما كذا وكذا قال صدق والله ما حملنا على ذلك الا حسده وبغضه # وهذان مرسلان من وجهين مختلفين فيهما ان كلا الرجلين ذهبا إلى مكة وقالا ما قالا ثم انهما قدما فندب النبي إلى قتل ابن الاشرف وامسك عن ابن اخطب حتى نقض بنو النضير العهد فاجلاهم النبي
فلحق بخيبر ثم جمع عليه الاحزاب فلما انهزموا دخل مع بني قريظة حصنهم حتى قتله الله معهم فعلم ان الامر الذي اتياه بمكة لم يكن هو الموجب للندب إلى قتل ابن الاشرف وانما هو ما اختص به ابن الاشرف من الهجاء ونحوه وان كان ما فعله بمكة مؤيدا عاضد لكن مجرد الاذى لله ورسوله موجب للندب إلى قتله كما نص عليه النبي بقوله من لكعب بن الاشرف فانه قد آذى الله ورسوله وكما بينه جابر في حديثه # الوجه الثاني ان ابن أبي اويس قال حدثني إبراهيم بن جعفر الحارثي عن ابيه عن جابر قال لما كان من امر النبي وبني قريظة كذا فيه واحسبه وبني قينقاع اعتزل كعب بن الاشرف ولحق بمكة وكان فيها وقال لا اعين عليه ولا اقاتله فقيل له بمكة اديننا خير أم دين محمد واصحابه قال دينكم خير واقدم دين محمد حديث فهذا دليل على انه لم يظهر محاربه # الجواب الثاني ان جميع ما اتاه ابن الاشرف انما هو اذى باللسان فان مرثيته لقتلى المشركين وتحضيضه وسبه وهجاءه وطعنه في دين
الإسلام وتفضيل دين الكفار عليه كله قول باللسان ولم يعمل عملا فيه محاربه ومن نازعنا في سب النبي ونحوه فهو في تفضيل دين الكفار وحضهم باللسان على قتل المسلمين اشد منازعه لان الذمي اذا تجسس لاهل الحرب واخبرهم بعورات المسلمين ودعا الكفار إلى قتالهم انتقض عهده ايضا عندنا كما ينتقض عهد الساب ومن قال ان الساب لا ينتقض عهده فانه يقول لا ينتقض العهد بالتجسس للكفار ومطالعتهم باخبار المسلمين بطريق الاولى عندهم وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والشافعي ايضا على خلاف بين اصحابه وابن الاشرف لم يوجد منه الا الاذى باللسان فقط فهو حجة على من نازع في هذه المسائل ونحن نقول ان ذلك كله نقض للعهد # والجواب الثالث ان تفضيل دين الكفار على دين المسلمين هو دون سب النبي بلا ريب فان كون الشيء مفضولا احسن حالا من كونه مسبوبا مشتوما فان كان ذلك ناقضا للعهد فالسب بالطريق الاولى واما مرثيته للقتلى وحضهم على اخذ ثارهم فاكثر ما فيه تهييج قريش على المحاربة وقريش كانوا قد اجمعوا على محاربة النبي عقب بدر
وارصدوا العير التي كان فيها أبو سفيان للنفقة على حربه فلم يحتاجوا في ذلك إلى كلام ابن الاشرف نعم مرثيته وتفضيله ربما زادهم غيظا ومحاربة لكن سبه للنبي وهجاءه له ولدينه ايضا مما يهيجهم على المحاربة ويغريهم به فعلم ان الهجاء فيه من الفساد مافي غيره من الكلام وابلغ فاذا كان غيره من الكلام نقضا فهو ان يكون نقضا اولى ولهذا قتل النبي جماعة من النسوة اللواتي كن يشتمنه ويهجونه مع عفوه عما كانت تعين عليه وتحض على قتاله # الجواب الرابع انما ذكره حجة لنا من وجه اخر وذلك انه قد اشتهر عند اهل العلم من وجوه كثيرة ان قوله تعالى ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب ^ نزلت في كعب بن الاشرف بما قاله لقريش وقد اخبر الله سبحانه انه لعنه وان من لعنه فلن تجد له نصيرا وذلك دليل على انه لا عهد له لانه لو كان له عهد لكان يجب نصره على المسلمين فعلم ان مثل هذا الكلام يوجب انتقاض عهده وعدم ناصره فكيف بما هو اغلظ منه من شتم وسب وانما لم يجعله النبي والله اعلم بمجرد ذلك ناقضا للعهد لانه لم يعلن بهذا
الكلام ولم يجهر به وانما اعلم الله به رسوله وحيا كما تقدم بالاحاديث ولم يكن النبي لياخذ احدا من المسلمين والمعاهدين الا بذنب ظاهر فلما رجع إلى المدينة واعلن الهجاء والعداوة استحق ان يقتل لظهور اذاه وثبوته عند الناس نعم من خيف منه الخيانة فانه ينبذ اليه العهد اما اجراء حكم المحاربة عليه فلا يكون حتى تظهر المحاربة وتثبت عليه # فان قيل كعب بن الاشرف سب النبي بالهجاء والشعر كلام موزون يحفظ ويروى وينشد بالاصوات والالحان ويشتهر بين الناس وذلك له من التاثير في الاذى والصد عن سبيل الله ما ليس للكلام المنثور ولذلك كان النبي يامر حسان ان يهجوهم ويقول لهو انكى فيهم من النبل فيؤثر هجاءه فيهم اثرا عظيما يمتنعون به من اشياء لايمتنعون عنها لو سبوا بكلام منثور اضعاف الشعر # وايضا فان كعب بن الاشرف وام الولد المتقدمة تكرر منهما سب النبي واذاه وكثر والشيء اذا كثر واستمر صار له حال اخرى ليست له اذا انفرد وقد حكيتم ان الحنفية يجيزون قتل من كثر منه مثل
هذه الجريمة وان لم يجيزوا قتل من لم يتكرر منه فاذن مادل عليه الحديث يمكن المخالف ان يقول به # قلنا اولا إن هذا يفيدنا ان السب في الجملة من الذمي مهدر لدمه ناقض لعهده ويبقى الكلام في الناقض للعهد هل هو نوع خاص من السب وهو ما كثر او غلظ او مطلق السب هذا نظر اخر فما كان مثل هذا السب وجب ان يقال انه مهدر لدم الذمي حتى لا يسوغ لاحد ان يخالف نص السنة فلو زعم زاعم ان شيئا من كلام الذمي واذاه يبح دمه كان مخالفا للسنة الصحيحة الصريحة خلافا لا عذر فيه لاحد # وقلنا ثانيا لا ريب ان الجنس الموجب للعقوبة قد يتغلظ بعض انواعه صفة او قدرا او صفة وقدرا فانه ليس قتل واحد من الناس مثل قتل والد او ولد عالم صالح ولا ظلم بعض الناس مثل ظلم يتيم فقير بين ابوين صالحين وليست الجناية في الاوقات والاماكن الاحوال المشرفة كاحرم والاحرام والشهر الحرام كالجناية في غير ذلك وكذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين بتغليظ الديات اذا تغلظ القتل باحد هذه الاسباب وقال النبي وقد قيل له اي الذنب أعظم قال ان تجعل لله ندا وهو خالقك قيل ثم اي قال ان تقتل ولدك
خشية ان يطعم معك قيل له ثم اي قال ثم ان تزاني حليلة جارك # ولا شك ان من قطع الطريق مرات متعدده وسفك دماء خلق من المسلمين وكثر منه اخذ الاموال كان جرمه أعظم من جرم من لم يفعله الا مرة واحدة ولا ريب ان من أكثر من سب النبي او نظم القصائد في سبه فان جرمه اغلظ من جرم من سبه بالكلمة الواحدة المنثورة بحيث يجب ان تكون اقامة الحد عليه او كد والانتصار لرسول الله اوجب وان المقل لو كان اهلا ان يعفى عنه لم يكن هذا اهلا لذلك ولكن هذا الحديث كغيره من الاحاديث يدل على أن جنس الاذى
لله ورسوله ومطلق السب الظاهر مهدر لدم الذمي ناقض لعهده وان كان بعض الاشخاص اغلظ جرما من بعض لتغلظ سبه نوعا او قدرا وذلك من وجوه # احداها ان النبي قال من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله فجعل علة الندب إلى قتله انه اذى الله ورسوله واذى الله ورسوله اسم مطلق ليس مقيدا بنوع ولا بقدر فيجب ان يكون مطلق اذى الله ورسوله علة للانتداب إلى قتل من فعل ذلك من ذمي وغيره وقليل السب وكثيره ومنظومه ومنثوره اذى بلا ريب فيتعلق به الحكم وهو امر الله ورسوله بقتله ولو لم يرد هذا المعنى لقال من لكعب ابن الاشرف فانه قد بالغ في اذى الله ورسوله او قد أكثر من اذى الله ورسوله او قد دام على اذى الله ورسوله وهو الذي اوتي جوامع الكلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى ولم يخرج من بين شفتيه الا حق في غضبه ورضاه # وكذلك قوله في الحديث الاخر انه نال منا الاذى وهجانا بالشعر ولا يفعل هذا أحد منكم الا كان السيف ولم يقيده بالكثره