1. ولهذا قال الاكثرون انه نصب على المفعول له والمعنى أن الله امر بالقطع ليجزيهم ولينكل عن فعلهم # وقد قيل انه نصب على المصدر لان معنى اقطعوا اجزوهم ونكلوا وقيل انه على الحال اي فاقطعوهم مجزين منكلين هم وغيرهم او جازين منكلين وبكل حال فالجزاء مامور به او مامور لاجله فثبت انه واجب الحصول شرعا وقد اخبر ان جزاء المحاربين أحد الحدود الاربعة فيجب تحصيلها اذ الجزاء هنا يتحد فيه معنى الفعل المجزي به لان القتل والقطع والصلب وهي افعال وهي غير ما يجزى به وليست اجساما بمنزلة المثل من النعم # يبين ذلك ان لفظ الاية خبر عن احكام الله سبحانه التي يؤمر الإمام بفعلها ليست عن الحكم الذي يخير بين فعله وتركه اذا ليس لله احكاما في اهل ذنوب يخير الإمام بين فعلها وترك جميعها


  1. وايضا فانه قال ^ ذلك لهم خزي في الدنيا ^ والخزي لايحصل الا باقامة الحدود لا بتعطيلها # وايضا فإنه لو كان هذا الجزاء إلى الإمام له اقامته وتركه بحسب المصلحة لندب إلى العفو كما في قوله تعالى ^ وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ^ وقوله ^ والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ^ وقوله ^ ودية مسلمة إلى اهله الا ان يصدقوا ^ # وايضا فالادلة على وجوب اقامة الحدود على السلطان من السنة والاجماع ظاهرة ولم نعلم مخالفا في وجوب جزاء المحاربين ببعض ما ذكر الله في كتابه وانما اختلفوا في هذه الحدود هل يخير الإمام بينها

بحسب المصلحة او لكل جرم جزاء محدود شرعا كما هو مشهور فلا حاجة إلى الاطناب في وجوب الجزاء لكن نقول جزاء الساب القتل عينا بما تقدم من الدلائل الكثيرة ولا يخير الإمام فيه بين القتل والقطع بالاتفاق واذا كان جزائه القتل من هذه الحدود وقد اخذ قبل التوبة وجب اقامة الحد عليه اذا كان من المحاربين بلا تردد # فلنبين المقدمة الاولى وهي ان هذا من المحاربين لله ورسوله الساعين في الارض فسادا وذلك من وجوه # احدها ما رويناه من حديث عبد الله بن صالح كاتب الليث قال
حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال وقوله ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ^ قال كان قوم من اهل الكتاب بينهم وبين النبي عهد وميثاق فنقضوا العهد وافسدوا في الارض فخير الله رسوله ان شاء ان يقتل وان شاء ان يصلب وان شاء ان يقطع ايديهم وارجلهم من خلاف

  1. واما النفي فهو ان يهرب في الارض فان جاء تائبا فدخل في الإسلام قبل منه ولم يؤاخذ بما سلف منه ثم قال في موضع اخر وذكر هذه الاية من شهر السلاح في قبة الإسلام واخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار ان شاء قتله وان شاء صلبه وان شاء قطع يده ورجله ثم قال ^ او ينفوا من الارض ^ يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب فان تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم # وكذلك روى محمد بن يزيد الواسطي عن جويبر عن الضحاك

قوله تعالى ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ^ قال كان ناس من اهل الكتاب بينهم وبين النبي عهد وميثاق فقطعوا الميثاق وافسدوا في الارض فخير الله رسوله ان يقتل ان شاء او يصلب او يقطع ايديهم وارجلهم من خلاف واما النفي ان يهرب في الارض فلا يقدر عليه فإن جاء تائبا داخلا في الإسلام قبل منه ولم يؤاخذ بما عمل # وقال الضحاك ايما رجل مسلم قتل او اصاب حدا او مالا لمسلم فلحق بالمشركين فلا توبة له حتى يرجع فيضع يده في يد المسلمين فيقر بما اصاب قبل ان يهرب من دم او غيره اقيم عليه او اخذ منه # ففي هذين الاثرين انها نزلت في قوم معاهدين من اهل الكتاب لما نقضوا العهد وافسدوا في الارض وكذلك في تفسير الكلبي # عن أبي صالح عن ابن عباس وان كان لايعتمد عليه اذا انفرد
انها نزلت في قوم موادعين وذلك ان رسول الله وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الاسلمي على الا يعينه ولا يعين عليه ومن اتاه من المسلمين فهو امن ان يهاج ومن اتى المسلمين منهم فهو امن ان يهاج ومن مر بهلال بن عويمر إلى رسول الله فهو امن ان يهاج # قال فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من اسلم من قوم هلال بن عويمر ولم يكن هلال يومئذ شاهدا فنهدوا اليهم فقتلوهم واخذوا اموالهم فبلغ ذلك رسول الله فنزل عليه
جبريل بالقصة فيهم فقد ذكر انها نزلت في قوم معاهدين لكن من غير اهل الكتاب # وروى عكرمة عن ابن عباس وهو قول الحسن انها نزلت في المشركين ولعله اراد الذين نقضوا العهد كما قال هؤلاء فان الكافر الاصلي لا ينطبق عليه حكم الاية

  1. والذي يحقق ان ناقض العهد بما يضر المسلمين داخل في هذه الاية من الاثر ما قدمناه من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه اتى برجل من اهل الذمة نخس بامراة من المسلمين بالشام حتى وقعت فتجللها فامر به عمر فقتل وصلب فكان أول مصلوب في الإسلام وقال يا ايها الناس اتقوا الله في ذمة محمد ولا تظلموهم فمن فعل هذا فلا ذمة له وقد رواه عنه

عوف بن مالك الاشجعي وغيره كما تقدم # وروى عبد الملك بن حبيب بإسناده عن عياض بن عبد الله الاشعري قال مرت امراة تسير على بغل فنخس بها علج فوقعت من البغل فبدا بعض عورتها فكتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر رضى الله عنه فكتب اليه عمر ان اصلب العلج في ذلك المكان فإنا لم نعاهدهم على هذا انما عاهدناهم على ان يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون # وقد قال أبو عبد الله احمد بن حنبل في مجوسي فجر بمسلمة يقتل هذا قد نقض العهد وكذلك ان كان من اهل الكتاب يقتل ايضا قد صلب عمر رجلا من اليهود فجر بمسلمة هذا نقض العهد قيل له ترى عليه الصلب مع القتل قال ان ذهب رجل إلى حديث عمر كأنه لم يعب عليه # فهؤلاء اصحاب رسول اله عمر وابو عبيده وعوف بن مالك ومن كان في عصرهم من السابقين الاولين قد استحلوا قتل هذا وصلبه وبين عمر انا لم نعاهدهم على مثل هذا الفساد وان العهد انتقض بذلك فعلم انهم تأولوا فيمن نقض العهد بمثل هذا انه من محاربة الله ورسوله والسعي في الارض فسادا واستحلوا لذلك قتله وصلبه والا فالصلب مثله لا يجوز الا لمن ذكره الله في كتابه

  1. وقد قال اخرون منهم ابن عمر وانس بن مالك ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن جبير ومكحول وقتادة وغيرهم رضي الله عنهم انها نزلت في العرنيين الذين ارتدوا عن

الإسلام وقتلوا راعي رسول الله واستاقوا ابل رسول الله وحديث العرنيين مشهور ولا منافاة بين الحديثين فان سبب النزول قد يتعدد مع كون اللفظ عاما في مدلوله وكذلك كان عامة العلماء على ان الاية عامة في المسلم والمرتد والناقض كما قال الاوزاعي في هذه الاية هذا حكم حكمه الله في هذه الامة على من حارب مقيما على الإسلام او مرتدا عنه وفيمن حارب من اهل الذمة # وقد جاءت اثار صحيحة عن علي وابي موسى وابي
هريرة وغيرهم رضي الله عنهم تقتضي ان حكم هذه الاية ثابت فيمن حارب المسلمين بقطع الطريق ونحوه مقيما على إسلامه لهذا يستدل جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على حد قطع الطريق بهذه الاية # والمقصود هنا ان هذا الناقض للعهد والمرتد عن الإسلام بما فيه الضرر داخل فيها كما ذكرنا دلائله عن الصحابة والتابعين وان كان يدخل فيها بعض من هو على الإسلام وهذا الساب ناقض للعهد بما فيه ضرر على المسلمين ومرتد بما فيه ضرر على المسلمين فيدخل في الاية # ومما يدل على انه قد عني بها ناقضوا العهد في الجملة ان النبي نفى بني قينقاع والنضير لما نقضوا العهد إلى ارض الحرب وقتل بني
قريظة وبعض اهل خيبر لما نقضوا العهد والصحابة قتلوا وصلبوا بعض من فعل ما ينقض العهد من الامور المضرة فحكم النبي وخلفائه في اصناف ناقض العهد كحكم الله في هذه الاية مع صلاحه لأن يكون امتثالا لامر الله فيها دليل على انهم مرادون منها # الوجه الثاني ان ناقض العهد والمرتد المؤذي لا ريب انه محارب لله ورسوله فان حقيقة نقض العهد محاربة المسلمين ومحاربة المسلمين محاربة لله ورسوله وهو اولى بهذا الاسم من قاطع الطريق ونحوه لان ذلك مسلم لكن لما حارب المسلمين على الدنيا كان محاربا لله ورسوله فالذي يحاربهم على الدين اولى ان يكون محاربا لله ورسوله ثم لايخلوا اما ان لا يكون محاربا لله ورسوله حتى يقاتلهم ويمتنع عنهم او يكون

  1. محاربا اذا فعل ما يضرهم مما فيه نقض العهد وان لم يقاتلهم الاول لايصح لما قدمناه من ان هذا قد نقض العهد وصار من المحاربين ولان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال ايما معاهد تعاطى سب الانبياء فهو محارب غادر # وعمر وسائر الصحابة قد جعلوا الذمي الذي تجلل المسلمة بعد ان نخس بها الدابة محاربا بمجرد ذلك حتى حكموا فيه بالقتل والصلب فعلم انه لا يشترط في المحاربة المقاتلة بل كل ما نقض العهد عندهم من الاقوال والافعال المضرة فهو محاربة داخله في هذه الاية # فان قيل فيلزم من هذا ان يكون كل من نقض العهد بما فيه ضرر يقتل اذا اسلم بعد القدرة عليه # قيل وكذلك نقول وعليه يدل ما ذكرناه في سبب نزولها فانها اذا نزلت فيمن نقض العهد بالفساد وقيل فيها ^ الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ علم ان التائب بعد القدرة مبقي على حكم الاية # الوجه الثالث ان كل ناقض للعهد فقد حارب الله ورسوله ولولا ذلك لم يجز قتله ثم لا يخلوا اما ان يقتصر على نقض العهد بان يلحق بدار الحرب او يضم إلى ذلك فسادا فان كان الاول فقد حارب الله

ورسوله فقط فهذا لم يدخل في الاية وان كان الثاني فقد حارب وسعى في الارض فسادا مثل ان يقتل مسلما أو يقطع الطريق على المسلمين او يغصب مسلمة على نفسها او يظهر الطعن في كتاب الله ورسوله ودينه او يفتن مسلما عن دينه فان هذا قد حارب الله ورسوله بنقضه العهد وسعى في الارض فسادا بفعله ما يفسد على المسلمين اما دينهم او دنياهم وهذا قد دخل في الاية فيجب ان يقتل او يقتل ويصلب او ينفى من الارض حتى يلحق بارض الحرب ان لم يقدر عليه او تقطع يده ورجله ان كان قد قطع الطرق واخذ المال ولا يسقط عنه ذلك الا ان يتوب من قبل ان يقدر عليه وهوالمطلوب # الوجه الرابع ان هذا الساب محارب الله ورسوله ساع في الارض فسادا فيدخل في الاية وذلك لانه عدو لله ولرسوله ومن عادى الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله وذلك لان النبي قال للذي يسبه من يكفنني عدوي وقد تقدم ذكر ذلك من غير وجه اذا كان عدوا له فهو محارب # وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريره رضي الله عنه عن النبي قال يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي وليا فقد
بارزني بالمحاربة # وفي الحديث عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله يقول اليسير من الرياء شرك ومن عادى اولياء الله فقد بارز الله بالمحاربه فاذا كان من عادى واحذا من الاولياء قد بارز الله بالمحاربة فكيف من عادى صفوة الله من اوليائه فانه يكون اشد مبارزة له بالمحاربة واذا كان محاربا لله لاجل عداوته للرسول فهو محارب للرسول بطريق الاولى فثبت ان الساب للرسول محارب لله ورسوله

  1. فان قيل فلو سب واحدا من اولياء الله غير الانبياء فقد بارز الله بالمحاربة فانه اذا سبه فقد عاداه كما ذكرتم واذا عاداه فقد بارز الله بالمحاربة كما نصه الحديث الصحيح ومع هذا فلا يدخل في المحاربة المذكورة في الاية فقد انتقض الدليل وذلك يوجب صرف المحاربة إلى المحاربة باليد # قيل هذا باطل من وجوه # احدها انه ليس كل من سب غير الانبياء يكون قد عاداهم اذ لا دليل يدل على ذلك وقد قال الله سبحانه وتعالى ^ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا ^ بعد ان اطلق انه من اذى الله ورسوله فقد لعنه الله في الدنيا والاخرة فعلم ان المؤمن قد يؤذى بما اكتسب ويكون اذاه بحق كإقامة الحدود والانتصار في الشتيمة ونحو ذلك مع كونه وليا لله واذا كان واجبا في بعض الاحيان او جائزا لم يكن مؤذيه في تلك الحال عدوا له لان المؤمن يجب عليه ان يوالي المؤمن ولا يعاديه وان عاقبه عقوبة شرعية كما ^ انما وليكم الله ورسوله

والذين امنوا ^ و ^ ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا ^ # الثاني أن من سب غير النبي فقد يكون مع السب مواليه من وجه اخر فإن سباب المسلم اذا لم يكن بحق كان فسوقا والفاسق لا يعادي المؤمنين بل يواليهم ويعتقد مع السب للمؤمن انه تجب موالاته من وجه اخر اما سب النبي فإنه ينافي اعتقاد نبوته ويستلزم البراءة منه والمعاداة له لأن اعتقاد عدم نبوته وهو يقول انه نبي يوجب ان يعامله معاملة المتنبئين وذللك يوجب ابلغ العداوات له # الثالث لو فرض ان سب غير النبي عداوة له لكن ليس أحد بعينه يشهد له انه ولي لله شهادة توجب ان ترتب عليها الاحكام المبيحة للدماء بخلاف الشهادة للنبي بالولاية فإنها يقينية نعم لما كان الصحابة قد يشهد لبعضهم بالولاية خرج في قتل سابهم خلاف مشهور ربما ننبه ان شاء الله تعالى عليه

  1. الرابع انه لو فرض انه عادى وليا علم انه ولي فإنما يدل على انه بارز الله بالمحاربة وليس فيه ذكر محاربة الله ورسوله والجزاء المذكور في الاية انما هو لمن حارب الله ورسوله ومن سب الرسول فقد عاداه ومن عاداه فقد حاربه وقد حارب الله ايضا كما دل عليه الحديث فيكون محاربا لله ورسوله ومحاربة الله ورسوله اخص من محاربة الله والحكم المعلق بالأخص لا يدل على انه معلق بالأعم وذلك ان محاربة الرسول تقتضي مشاقته على ماجاء به من الرسالة وليس في معاداة ولي بعينه مشاقة في الرسالة بخلاف الطعن في الرسول # الخامس ان الجزاء في الاية لمن حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا والطاعن في الرسول قد حارب الله ورسوله كما تقدم وقد سعى في الارض فسادا كما سيأتي وهذا الساب للولي وان كان قد حارب الله فلم يسع في الارض فسادا لان السعي في الارض فسادا انما يكون بإفساد عام لدين الناس او دنياهم وهذا انما يتحقق في الطعن في النبي ولهذا لا يجب على الناس الايمان بولاية الوالي ويجب عليهم الايمان بنبوة النبي # السادس ان ساب الولي لو فرض انه محارب لله ورسوله فخروجه من اللفظ العام لدليل اوجبه لايوجب ان يخرج هذا الساب للرسول لان الفرق بين العداوتين ظاهر والقول العام اذا خصت منه صورة لم تخص منه صورة اخرى لا تساويها الا بدليل اخر


  1. السابع ان حمله على المحاربة باليد متعذر ايضا في حق الولي فإن من عاداه بيده لم يوجب ذلك ان يدخل في حكم الاية على الاطلاق مثل ان يضربه ونحو ذلك فلا فرق اذا في حقه بين المعادة باليد واللسان بخلاف النبي فإنه لا فرق بين ان يعاديه بيد او لسان فإنه يمكن دخوله في الاية وذلك مقرر الاستدلال كما تقدم # واذا ثبت ان هذا الساب محارب الله ورسوله فهو ايضا ساع في الارض فسادا لان الفساد نوعان فساد الدنيا من الدماء والاموال والفروج وفساد الدين والذي يسب الرسول ويقع في عرضه يسعى ليفسد على الناس دينهم ثم بواسطة ذلك يفسد عليهم دنياهم وسواء فرضنا انه افسد على أحد دينه او لم يفسد لأنه سبحانه وتعالى انما قال ^ ويسعون في الارض فسادا ^ قيل انه نصب على المفعول له اي ويسعون في الارض للفساد كما قال ^ واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ^ والسعي هو العمل والفعل فمن سعى ليفسد امر الدين فقد سعى في الارض فسادا وان خاب سعيه وقيل انه نصب على المصدر

او على الحال تقديره سعى في الارض مفسدا كقوله ^ ولا تعثوا في الارض مفسدين ^ او كما يقال جلس قعودا وهذا يقال لكل من عمل عملا يوجب الفساد وان لم يؤثر لعدم قبول الناس له وتمكينهم اياه بمنزلة قاطع الطريق اذا لم يقتل احدا ولم يأخذ مالا على ان هذا العمل لا يخلو من فساد في النفوس قط اذا لم يقم عليه الحد # وايضا فإنه لاريب ان الطعن في الدين وتقبيح حال الرسول في اعين الناس وتنفيرهم عنه من أعظم الفساد كما ان الدعاء إلى تعزيره وتوقيره من أعظم الصلاح والفساد ضد الصلاح فكما ان كل قول او عمل يحبه الله فهو من الصلاح فكل قول او عمل يبغضه الله فهو من الفساد قال سبحانه وتعالى ^ ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ^ يعني الكفر والمعصية بعد الايمان والطاعة ولكن الفساد
نوعان لازم وهو مصدر فسد يفسد فسادا ومتعد وهو اسم مصدر افسد يفسد افسادا كما ^ سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد ^ وهذا هو المراد هنا لانه قال ^ ويسعون في الارض فسادا ^ وهذا انما يقال لمن افسد غيره لانه لو كان الفساد في نفسه فقط لم يقل سعى في الارض فسادا وانما يقال في الارض لما انفصل عن الانسان كما قال سبحانه وتعالى ^ ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب ^ # وقال تعالى ^ سنريهم اياتنا في الافاق وفي أنفسهم ^ و ^ وفي الارض ايات للموقنين وفي انفسكم ^ # وايضا فان الساب ونحوه انتهك حرمة الرسول وغض قدره واذى الله ورسوله وعباده المؤمنين وجرا النفوس الكافرة والمنافقة على
اصطلام امر الإسلام وطلب اذلال النفوس المؤمنة وازالة عز الدين واسفال كلمة الله وهذا من ابلغ السعي فسادا # ويؤيد ذلك ان عامة ما ذكر في القران من السعي في الارض فسادا والافساد في الارض فإنه قد عني به افساد الدين فثبت ان هذا الساب محارب لله ورسوله ساع في الارض فسادا فيدخل في الاية # الوجه الرابع ان المحاربة نوعان محاربة باليد ومحاربة باللسان والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون انكى من المحاربة باليد كما تقدم تقريره في المسألة الاولى ولذلك كان النبي يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد خصوصا محاربة الرسول بعد موته فإنها انما تمكن باللسان وكذلك الافساد قد يكون باليد وقد يكون باللسان وما يفسده اللسان من الاديان اضعاف ما تفسده اليد كما ان ما يصلحه اللسان من الاديان اضعاف ما تصلحه اليد فثبت ان محاربة الله ورسوله باللسان اشد والسعي في الارض لفساد الدين باللسان أو كد فهذا الساب لله ورسوله اولى باسم المحارب المفسد من قاطع الطريق