من هنا برزت أهمية إيجاد تاريخ جديد للاحتفال بعيد الميلاد، وقد لعبت الشعائرالشمسية لديانة المِثرا (Mithra)، التي كانت منتشرة في الإمبراطورية الرومانية، دوراً كبيراً إذ كانت تحتفل بعيدها الرئيسي في يوم 25 كانون الأول يوم "الشمس".
لاحظنا إلى أي حد يرتكز عيد "ظهور" المسيح في العالم على الرمز المذكور في العهد الجديد وهو رمز النور الذي يضيء في الظلمة، واستناداً إلى هذا الرمز أيضاً تم اختيار تاريخ 6 كانون الثاني. بالتالي، بهدف الاحتفال بعيد الميلاد بشكل منفصل، برزت أهمية إيجاد تاريخ قريب من 6 كانون الثاني، فكان اختيار تاريخ 25 كانون الأول الذي قد يقيم الوثنيون فيه احتفالاً عظيماً ومميزاً بالنور والشمس. شيّد الأباطرة الرومان، حتى قبل بروز عبادة المِثرا، المعابد لل "Sol invictus" أي "للشمس التي لا تُقهر".
وفي القرن الثالث كانت تقام في 25 كانون الأول احتفالات كبرى تتضمن شعائراً احتفاليّة بهيّة تكريماً لذلك الإله الذي كان شأنه قد عاد للبروز مجدداً. كانوا يقومون بإشعال النار بهدف مساعدة الشمس اعتلاء الأفق. اتخذت عبادة "الشمس التي لا تقهر" في ديانة المِثرا التي انتشرت خاصة في صفوف جيش الرومان، أشكالاً من الاحتفالات المتميزة والعلنية بحيث شكلت في القرن الثالث منافسة جديّة للمسيحيّة.
نفهم بالتالي لمَ شددت كنيسة روما خاصة على مواجهة هذه الشعائر الوثنية المتعلقة بالطبيعة عبر احتفال خاص بالمسيحية، وهو الاحتفال بميلاد المسيح الطفل يسوع كما لطالما اعتبر مقطع ملاخي[1] "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء" نبوءة تتكلم عن المسيح. من هنا نرى في عظة نُسبت إلى القديس امبروسيوس مقابلة علنية بين العيد الوثني والعيد المسيحي إذ يقول: "المسيح هو
شمسنا الجديدة[2]".
كما يشير أوغسطين إلى عيد 25 كانون الأول الخاص بالوثنيين حين يطلب من المسيحين، في عظة له، ألا يعبدوا الشمس كالوثنيين في هذا اليوم بل أن يعبدوا خالقها [3]. كما يلوم البابا ليون الكبير الإيمان الخاطئ لدى الذين يحتفلون في عيد الميلاد بمولد الشمس عوض مولد المسيح.[4] تظهِر كلّ من هذه الأسباب أن الكنيسة حين حددت عيد الميلاد في 25 كانون الأول كانت تدرك تماماً أهمية هذا التاريخ في نظر الوثنيين.
من الأسباب أيضا لقد كانت عبادة الشمس المنتشرة في كل إنحاء الإمبراطورية، وكان يوم 25 كانون الأول هو يوم الاعتدال الشتوي لقد لعب الجانب الرمزي دورة في اختيار 6 كانون الثاني،
فإذا كانت الكنيسة تبحث عن يوم آخر للميلاد فان اختيار 25 كانون الأول كان اختيارا موفقا هو أيضا من الجانب الرمزي فهو يوم الاعتدال الشتوي الذي يعقبه 6 كانون الثاني عندما تبدأ ساعات النهار في ان تزيد على ساعات الليل ويصبح التجسد وتأكيد نبؤة الابن سابقا على ظهوره الإلهي مع الآب والابن والروح القدس في مناسبة المعمودية وأيضا ان العبادة الوثنية في القرن الثالث كانت خصما عنيدا للمسيحية ، فكان الاختيار 25 كانون الأول هو محاولة لتقديم العقيدة المسيحية لغيرالمسيحيين بطريق غير مباشر هو تغيير القلب والفكر ليعبد الإله الحقيقي
في نفس اليوم الذي يعبد الإله غير الحقيقي الذي خلق على صورة الإنسان وأهوائه[5] .
هذا يؤكد ان الكنيسة اختارت 25 كانون الأول وهي تعرف علاقة هذا اليوم بالوثنية ولكنها على أي حال طريقة للتبشير وللكرازة . أيضا من المؤكد ان الجهد الذي قام به الإمبراطور قسطنطين الكبير في تقوية وتثبيت الديانة المسيحية التي كانت المفضلة بالنسبة اليع اذ دعا وسمح لشعبه ان يعتنقها .
لهذا السبب بالذات جعل قسطنطين نهار "السيد" ( الاحد ) لدى المسيحيين يوم عطلة أسبوعية رسمية عام 321. يصادف هذا النهار في الواقع مع نهار مخصص للشمس.
فمنذ منتصف القرن الثاني حلّت رسمياً تسمية "نهار الشمس" بدلاً من "نهار السيد" التي كانت معتمدة قبل الأولى.هذا يعني أن ذكرى تاريخ خلاص المسيحيين، أي القيامة، التي يمثّلها نهار الأحد للمسيحيين، قد تم دمجها بالرمزية الشمسية منذ القدم.
نستنتج، قياساً على المثال المتعلق بنهار الأحد الذي أصبح نهار عطلة رسمية خلال حكم قسطنطين، أن في أيامه أيضاً، و بتأثير منه دون أدنى شك, تم نقل عيد ميلاد المسيح إلى تاريخ 25 كانون الأول، وهو يصادف مع يوم احتفال عظيم لتكريم الشمس. فكما تم الربط بين "قيامة المسيح" و "يوم الشمس" كذلك تم الربط بين ميلاد المسيح والشمس.
من هذا المنطلق، باتت العظات، كتلك الخاصة بأغسطين والبابا ليون، بالغة الأهمية. ففي الواقع لم يتنحى العيد المتأصل "للشمس التي لا تقهر" جانباً، بل بالعكس فقد انتشرت العديد من تقاليده و ما زالت متبعة حتى اليوم في العيد المسيحي. وهكذا تم الفصل بين عيدي الميلاد والمعمودية، وأخذ عيد الميلاد يتأثر بشكل كبير بالعيد الوثني.
وتظهر هذه التقاليد خاصة في تقاليد عيد الميلاد. كما يعلّمنا لاهوتيّ من سوريا أن المسيحيون أيضاً اعتادوا إشعال النار في هذا اليوم.[6] لكن الفكرة التي تقول أن المسيح هو نور العالم الذي يضيء الظلمة لا ترتبط بعيد الخامس والعشرين من كانون الأول، فحتى حين كان يتم الاحتفال بعيد الميلاد في 6 كانون الثاني، وقبل ذلك أيضاً، كانت هذه الفكرة موجودة في الإيمان المسيحي بشكل مستقل عن أي عيد آخر.
أيضا من الأسباب التي أدت إلى احتفال 25 كانون الأول هو: دخول إلى روما( سنة 218 ) عبادة ميترا " الذي لا يقهر " وأقام الإمبراطور اوريليانوس معبد دشن في الـ 25 من كانون الأول السنة 274 فصار هذا اليوم عيد مولد الإله السوري " الشمس التي لا تقهر .
إذا لأديان ذات الأسرار التي اجتاحت الإمبراطورية من الشرق كانت خطرة على الكنيسة ولا سيما إن احتفالات كانت ترافقها في حياة الشعب، لذا أدركت الكنيسة خطورتها
وكافحت عبادة الشمس بتبنيها تاريخ العيد الوثني وتغييرها مضمونه وكأنها قالت للمؤمنين:[7] عندكم شمس البر وهي الحقة، ما لكم ولميترا ؟ أليس الرب يسوع نور الإعلان للأمم" [8] ؟ .
المفضلات